الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التدريب بين وَهْم المُدَرِّب وتَوَهُمْ المُدَرَّبْ

نشر بتاريخ: 13/02/2019 ( آخر تحديث: 13/02/2019 الساعة: 12:27 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

يقول المثلُ العربي: (ليس مَن رأى كمَنْ سَمِعْ)، فمن تَحَدَثْتَ إليه ساعاتٍ طوال، حولَ أداء شيءٍ معين، لن يكون في المِثْلِ كما الذي علمته -ولو لبضع دقائق- كيف يؤدي ذلك الشيء، فهذا حالُ مهنة التدريب -عزيزي القارئ الكريم- فدعونا نقفُ على عتبات مصطلح "التدريب" وِقْفةُ فهمٍ وتمعن، لكي نضعه موضع الحكم وعلى المحك، ولكي لا يكون كمثل موضة معاصرة تصنعها صيحات السينمائيين، والمشاهير، والمتقمصين للأدوار، بقصد لفتِ الانتباه وتسليط الأضواء هنا وهناك، ولا أقصدُ هنا لغة التعميم، لأنَّ فيها انتقاصٌ من قيمة الفعل والفاعل، وصناعةُ النقد البنّاء نحو التعديلِ في السلوك الإيجابي والقويم، من أجل صناعةِ التغيير المنشود والهادف للتنمية البشرية المستدامة، والتي تَهمُ الانسان الواعي والمدرك لذاته، في حجم تَأْثيرها وتَأَثُرِها بذوات الآخرين، وفي مدى صناعتها للقدوة غير العمياء.
فالتدريبُ كما ورد في العديد من قواميس المعاني العربية والأعجمية، والتي تكاد تتفق جميعها على صيغةٍ ومعنى واحدٍ للمفهوم، فمن الناحية اللغوية أصله درَّبَ، ويُدِرِّب، تدريباً، بمعنى دربه على الشيء أو فيه أو به، فهو مُدَرِّب أي شخص الفاعل، ومُدَرَّب أي شخص المفعول به، بمعنى المتلقي للعملية التدريبية، أياً كانت ماهيتها، طالما اكتسب الشخص فيها وحازَ معرفة مقرونة بسلوكٍ تطبيقي يعززه بالممارسة والتكرار، وقد اتفق العديد على تعريفه اصطلاحاً على أنه إكسابُ الفردِ معارفاً ومهاراتٍ مقصودة، ومخططاً لها بهدف تنمية وتطوير أدائه، للقيام بما هو مطلوب منه، وتفسر الأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي عملية التدريب: على أنها ليست فقط تزويد الفرد بالمعارف، أي الجانب النظري المعلوماتي حول الشيء المراد تطويره لدى الشخص، وإنما يجب أن يصاحب تلك المعرفة مجموعة من المهارات المتخصصة، إضافة للكفايات التنافسية والتي تخلق لدى الفرد المتدرب ميزة تنافسية مقارنة بغيره، وبذلك نستطيع الحكم على عملية التدريب ومدى جدواها بعد اكتمال عناصرها الجوهرية المترابطة من مدرب، ومتدرب، ومعرفة، ومهارة، وميزة تنافسية، وقيمة مضافة يضيفها شخص المُدَرِّب تاركاً في العملية التدريبية برمتها بصمته الخاصة، والتي يجب أن تكون غير نمطية أو مقلدة لصناعة حجم التأثير وإلهام "القدوة" المتمثل في بناء فلسفة تدريبية جديدة، كانت سبيلاً في نشأة المدارس التدريبية ورواد فلسفتها من المدربين الأفذاذ والذائع صيتهم، وبذلك تكون عملية التدريب عملية ناجحة ومؤثرة، وترفعُ عنا حرج التهريج لنصنع بها وعبرها واقعاً نحو التنمية البشرية المستدامة للبناء والتغير.


إن عملية التدريب (المختصة بالتنمية البشرية) تتخذ في مسارها للتأثير اتجاهين رئيسيين يتمثلان في:
 جانب تطوري يهتم ببناء جملة من المهارات لدى المتدرب، والتي نهدف إلى تعزيزها والتحديث عليها، وتطوريها باستمرار من خلال رفدها بالجديد، وإحداث تحسين فعلي على أدائه لمهامه وواجباته الموكل بها، ويعرف هذا الجانب بعملية التنمية البشرية.
 أما الاتجاه الآخر فهو نقل مجموعة من المهارات والخبرات المترابطة إلى المتدربين، وتوجيههم نحو تكرارها وممارستها، من أجل إتقان تلك المهارات، بهدف الوصول إلى مستوى جيد ومقبول نسبياً من تلك المهارات.
تقول الكاتبة والمؤلفة أماني زكريا الرمادي: (يمكننا تشبيه الشخص الذي يمارس مهنته بدون أن يتدرب عليها، كمن يريد أن يدخل غرفة قد أُوصِد بابها، فنراه يتحايل على الدخول إليها بشتى الطرق، حتى ولو أدى به الأمر إلى كسر الباب، أما الشخص الذي تدرب على أداء مهنته، فيمكن تشبيهـه بمن يملك المفتـاح ذو المواصـفات الخاصة، أو التعاريج المعينة التي تفتح هذا الباب بدون عناء)، إن ما عبّرت عنه الكاتبة باختصار، هو ما يجري من ممارسات خاطئة وقاتلة في مجال امتهان مهنة التدريب، وكأنها صنعة من لا صنعة له، أو أنها مجرد مجموعة من المعلومات التي تم تجميعها من هنا وهناك، من دون أي تعمق أو فهم لما هو خلف تلك السطور، أو على أنها مهنة من يتقن فن اللعب والمراوغة، لعقول ظنت به خيراً، وذلك عبر حديث معسول ومغلف بمنطق وفلسفة "One Man Show"، أو كما يعبّر عنه في مثلنا الشعبي القائل "سبع صنايع والبخت ضايع"، وكأنه يقدم نفسه على أنه (الجوكر)، ويختص في كل شيء دون وجود أصل لما يدعيه.
خلاصة القول إن المُنافسة الحقيقية دائماً تكون بين ما تقوم بعمله، وما أنت قادرٌ على عمله فعلياً، لذا تذكر دوماً ما أنت بارعٌ فيه وتمسك به، وعليه فإن مهنة "التدريب" بحاجة إلى مختص واختصاص، يتبعها وبالتزامن معرفة متعمقة، ثم مهارات مكتسبة، فميزة تنافسية تصنع ذلك الفارق والذي يضيف كل ما هو جديد للآخرين، في مجال هذا الاختصاص أو ذاك، ثم يتلو ذلك إطلاعٌ مستمرٌ من جانب المُدَرِّب و المُدَرَّبْ ، ليس فقط على كل ما هو جديد في مجال العمل، بل ما يناسبنا ويناسب خصائص عملنا واحتياجات مجتمعاتنا الفعلية، ولكي نتصف بلقب "مُدَرِّبْ" يجب أن نعلم أن "عملية التدريب" هي عملية مستمرة، سواءٌ كنت " المُدَرِّب أو المُدَرَّبْ " مهما بلغت معرفتك، فالتدريب هو أفضل المعلمين، وعليه يجب عليك أن تكون خبيراً في مجال ما تقوم بتدريبه من موضوعات، ومختصاً بتعمق فيها، لأن عملية التدريب لها ما عليها، وهي بمثابة إسقاط لسلوك مقرون بمعرفة مختصة، عززتها الممارسة والتكرار المستمر عبر الزمن، والذي نطلق عليه "الخبرة" في مجال أو حقل ما، فكلما كنت شخصاً أكثرُ تعمقاً ودقة ومحدودية في مجال اختصاصك، كلما أظهرت براعةً وعمقاً وقيمةً مضافةً صنعتها أنت في توصيل تلك المعارف والمهارات والكفايات التدريبية، وبذلك تكون قد ظهرت بمظهر اللائق في عمله، وغير الممتهن لمهنة لا يعرف عنها غير تلوين القشور وزركشتها، وهو عنها بعيدٌ بُعدَ المشرقين والمغربين، فالمُدَرِّب الحقيقي هو الذي يوقن بأنه مهما تعلم فإنه لن يحيط بكل العلوم، وبذلك يكون واثقاً من نفسه، وبما يضيفه من تميّز وقيمة حقيقية تغيّر من حوله وتؤثر بهم نحو الأفضل، فيجب علينا أن نخرج من دائرة الحرج ووهم الذوات وعقلية "أنا أو فلا أحد"، بحيث نبقى في دائرة وبوتقة موضة اللاوعي والتوهم بالآخر، بدلاً من الوعي الذاتي بحوائجنا وخصائص تلك الحوائج والمجتمعات، فينطبق علينا معايير وهمية تبدأ بموضة الْمُصْطَلَحْ والمفهوم الدارجة بكثرة اليوم، والتي تمر بنا مرور السهم بالرمية فيها من المضار ما قد تجاوز منافعها في صناعتها للتنمية البشرية الحقيقية.
______________________________________________________________________
• أكاديمي ومختص في التنمية المستدامة والموارد البشرية.