الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المواطنة..التي نريد..

نشر بتاريخ: 26/02/2017 ( آخر تحديث: 26/02/2017 الساعة: 14:49 )

الكاتب: اياد اشتية

إلى كل حر يضع عقيدته من وراء عقله ..ويطلق عقله من أسر إرادته يفكر ليختار الذي يريد، ولا يريد ليفرض على عقله كيف يفكر …محمود درويش.
لا دولة فاضلة، دون مواطن فاضل..هذا ما قاله الفارابي في حقبته الزمنية وتناقلته الاجيال، واليوم وبعد ان تطورت المفاهيم نجد ان الدولة الحديثة ليست مجرد مؤسسات حكم، ودستور مكتوب، وجيش، وقانون، بل أنها مشروع مجتمعي متكامل و ظاهرة للتعاون والتفاعل الوثيق بين مواطنين واعين وناشطين هم مصدر السلطات..
باختصار نتكلم عن المواطنة..ذلك الشعور الذي يعد من أكبر التحديات التي تواجهها تجربة الدولة الحديثة والمواطنين فيها: فإما بناء المواطن الفاعل والمسؤول والواعي لواجباته وحقوقه المدنية والوطنية وإما الغرق في أشكال مختلفة من التشتت، والفساد، والولاءات الضيقة التي باتت تحتل الأولوية أحياناً على حساب المواطنة والانتماء، وهنا وكمحاولة فردية بسيطة سنحاول تسليط الضوء على بعض مرتكزات هذا المفهوم.
تعريف المواطنة:
المواطنة كلمة عربية استحدثت للتعبير بها عند تحديد الوضع الحقوقي والسياسي للفرد في المجتمع، عرفها أحمد حكمت شمس الدين/ الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان، بأنها: تعني بمفهومها الواسع الصلة او الرابطة القانونية بين الفرد والدولة التي يقيم بشكل ثابت، وتحدد هذه العلاقة عادة حقوق الفرد في الدولة وواجباته تجاهها، أي يعني المواطن الانسان الفرد العضو الكامل في الدولة، والمواطنة على أنها الوضعية القانونية الأساسية في الدولة المعاصرة، ويقف الفرد أمام الدولة كمواطن قبل كونه أي شيئ آخر، وعضويته في الدولة لا في الطائفة ولا في العائلة ولا غيرها في الانتماءات الأخرى.
إن جوهر المواطنة يكمن في قضيتين أساسيتين:
القضية الأولى: مشاركة المواطنين في الحكم، على قاعدة أن الشعب مصدر السلطات، وتترجم هذه المشاركة من خلال العملية الديمقراطية، التي لا تحرم المواطنين من التعبير عن إرادتهم الحرة في التفكير، والاختيار، والمشاركة، تحقيقا لرغباتهم، وطموحاتهم، وعليه من حق المواطنين (وفق الأهلية القانونية) التي يحددها الدستور الترشح للمناصب، والتصويت، كذلك انتخاب ممثليهم لكافة الهيئات.
كما يمكنهم المشاركة في عملية صنع السياسة العامة - وعلى عدة مستويات - إما بشكل مباشر من خلال ممثليهم، أو من خلال دورهم في الرقابة، والمساءلة، وتشكيل الأحزاب، ومجموعات الضغط لإحداث التغيير المنشود، وهذه الحقوق يكفلها الدستور للمواطنين.
القضية الثانية: المساواة بين جميع المواطنين: هذه إحدى القضايا الجوهرية في المواطنة، فلا يجوز التمييز بين المواطنين على أساس ( الدين، العرق، الجنس، اللون، الانتماء السياسي …..الخ ) ويجب أن ينال المواطنون حقوقا وواجبات متساوية دون أية اعتبارات كما سبق ذكره.
إن عملية بناء الدولة كمشروع مجتمعي متكامل تتطلب تفاعل وتعاون المواطنيين الفاعلين الناشطين، الذين يتحلون بجملة من المعارف، مسلحين بالمهارات التي تمكنهم من النقد والتحليل، والتقييم، وممارسة الرقابة، والابداع، مهارات تمكنهم من المشاركة الواعية والهادفة، تحركهم توجهاتهم الايجابية وروح المسؤولية العالية، وقبولهم باختلافات المواطنيين الذين يشاركونهم المواطنة والعيش في هذا المجتمع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، إن هذا الاختلاف لا يلغي أو يقلل من شأن الآخرين بأفكارهم، ومعتقداتهم، وحريتهم على الفعل، والاختيار( فإذا لم تقبله كمواطن لأنه مختلف عنك، فأنت في نظره أيضا مختلف).
ومن هنا فإن المواطنة هي الوعاء الكبير الذي يستوعب هذه الاختلافات، ويعطي الشرعية لتعددية المجموعات المختلفة، والآراء والتيارات، والأحزاب المختلفة، مع احتفاظ كل طرف بالمحافظة على عاداته، وتقاليده، ونمط حياته، واحترام الآخرين بعاداتهم وتقاليدهم ونمط حياتهم.
المواطنة، والانتماء، والتربية:
تعددت الآراء في الانتماء، وتنوعت أبعاده ما بين فلسفي ونفسي وإجتماعي، ففي حين تناوله البعض من خلال الدافعية، أعتبره آخرون حاجة ضرورية على الإنسان إشباعها ليقهر عزلته وغربته ووحدته وهناك من أعتبره ميلاً يحركه دافع قوي لدى الإنسان لإشباع حاجته الأساسية في الحياة .
ومهما اختلفت الآراء لكن الواضح أنه من الصعب أن يعيش الفرد بدون انتماء، والسؤال كيف يمكن أن يكون انتماء الأفراد متوحدا، منصهرا نحو المواطنة كبيت للجميع ؟
أن تكفل الدولة مشاركة المواطنين؛ والمساواة فيما بينهم، والاعتراف بحريتهم كفيل بأن يشعر المواطن بذاته، وكيانه، وربما ترتقي درجة الانتماء لديه، وأن تخلق لديه حالة من الدافعية للتفاعل الايجابي، وتقديم الواجبات برضا كامل، قائم على القناعة الذاتية بتقدير الواجبات كقيمة. لكن الوصول لحالة من الانصهار، والاندماج الكامل، والشعور بالذات، وتحقيقها يتطلب أيضا أن تتوحد جهود (الدولة، مؤسسات المجتمع المدني، مؤسسات التنشئة المختلفة والمواطن نفسه) على التربية على هذه المواطنة، وأن تتحدد مخرجات هذه التربية لتجيب بشكل واضح محدد (ما هو المواطن الذي نريد ؟؟) سؤال واحد يلخص الكثير والكثير. والعمل للإجابة عليه بشكل عملي يتطلب العمل الدؤوب، من الجميع في عملية مستمرة دون توقف.
من المؤكد أننا نريد مواطنا يعرف أنه مصدر السلطات في بلده، وأن هذا يكفل له حق المشاركة سواء المباشرة (الترشيح، الانتخاب، التصويت) أو غير المباشرة، وأنه كمواطن يمتلك - ويكفل له الدستور والقانون - ممارسة الضغط كأحد أنواع المشاركة، سواء من خلال المنظمات السياسية والأحزاب، والمجتمع المدني، ومجموعات الضغط، وسائل الإعلام …الخ.
من المؤكد أننا نريد مواطناً يعرف حقوقه، ويطالب بها في حال انتهاكها، ويؤدي واجباته، مؤمنا بأهميتها، مواطن يعرف طبيعة، وهيكلية، ودور النظام السياسي.
مواطناً يتقن مهارات التفكير المنطقي والنقدي (الناقد) والإبداعي، مهارات التواصل اللفظية والكتابية، مهارات الاستماع الفعال، مهارات المشاركة المدنية في الحياة العامة مثل مهارات الخطابة والقيادة والاقتراع، مهارات العمل في فريق…..الخ
مواطناً يقبل ويحترم التنوع والتعددية، مواطن مسؤول، يحترم القانون، متسامح، يلتزم بالقيم المدنية المشتركة، يسهم ايجابياً في الحياة العامة….الخ
إن شكل التربية الأسرية، والمدرسية، والتنظيمية والحزبية التي يتعرض لها النشئ العربي لن تقود - للأسف- لمواطن يمتلك ثلث هذه الصفات، لذلك من الطبيعي أن لا يدرك الشباب أن تمثيلهم - حتى داخل أحزابهم - ليس على المستوى المطلوب، كذلك في النظام السياسي، ومؤسساته! ، ومن الطبيعي أن يكون هذا الانقسام لأن شكل التربية المطلوب الحالم بقبول الاختلاف والتعددية في إطار المواطنة؛ لم يتحقق بعد، والسؤال هل أدركنا خطورته لنربي بطريقة مختلفة ؟!. هل أدركنا خطورته لنحاول وقفه، وأن نمارس دورنا كمواطنيين مسؤولين؟.
هل هناك من يعطي للمواطنين، حرية الفكر، والفعل، والاختيار، هل الحرية بهذا الفهم تلازمنا ونحن ذاهبون لصندوق الاقتراع لاختيار من يمثلنا على سبيل المثال ؟!
هل تتم التربية بأن هناك انتماء يفوق الانتماء للعائلة، العشيرة، الحزب ….الخ وأن مواطنيتنا تفرض علينا انتماء يفوق هذا الشكل الضيق ؟!.
إن أحد أوجه الانتماء المساهمة ولعب دور فاعل في عملية التغيير، وأي فئة مؤهلة لتلعب هذا الدور أكثر من فئة الشباب ؟! ربما تبدو حقوق هذه الفئة في بلداننا العربية منقوصة على صعد مختلفة (الحكومية، الحزبية، مؤسسات المجتمع المدني) لكن لا أحد يستطيع الانتقاص من دور هذه الفئة وتأثيرها عندما تمارس حريتها بشكل مسؤول.
نريد دولة..ولكن لنتذكر.. لا دولة فاضلة، دون مواطن فاضل..