السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

في عصر الجريمة الإلكترونية أمن معلوماتنا الشخصي؛ محكوم بسلوكنا

نشر بتاريخ: 15/12/2019 ( آخر تحديث: 15/12/2019 الساعة: 17:24 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

في عصّرِ الإنترنتِ ورَقّمَنةِ الأشياء، بِتنا أكثر مُكاشفة ومُصارحة وعُرضة للابتزاز هنا وهناك، في عَفَويةٍ منا وتلقائية وعَدم انتباه في حالات كثيرة، يَقّودنا في ذلك الفضول أو الجهل في أحيانٍ كثيرة، فيما يَصدر عنا من سلوكيات قَوليةٍ أو فعليةٍ (شّفوية أو مكتوبة)، أصبحت اليوم “مُؤرشفة إلكترونياً” في عالم افتراضي يَّلفُهُ الغموض من كل جانب، الغموض في أماكن الاحتفاظ بتلك "المكتبات البشرية" العالمية، إن صح التعبير عنها بِسِّجلاتها المبوبة والمعنونة شخصياً (كل باسمه ولقبه) وكأن بها كتيبات وسجلات عالمية للنفوس ومعلوماتهم الأساسية، والتي لم يسبق لها نظير مع ظهور مواقع "التواصل الاجتماعي" ومساحة التعبير الحرة وغير المقيدة فيها، كذلك الحرية المتاحة في إمكانية استخدامها في عالم الجريمة الإلكتروني اليوم.
ولا أُريد هنا الخَّوض في سَّردٍ تاريخيٍ حول مفهوم علم "أمن المعلومات" ومَراحلِ تطوره، وإفتراضاته، والهدف منه، وآخر ما تَوصَّلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال ورفده بالتقانة، وذلك لأنه من غير المُجدي والنافع الإبحار في نِقاشِ علمٍ له أصحابه من ذوي الاختصاص، والقادرين على أن يَضَّعوهُ مَوضِّعَ التساؤل والحوار، فهذا العلم القديم في أهميتَهُ والحاجة إليه، الحديث بماهيته وأدواته وتَعدُّدِيةِ استخداماته، وذلك على نطاق الأفرادِ والجماعات، بحيث بَرزت تلك الأهمية بشكل مُطرد كعلمٍ تَعتريه دوماً السرية؛ ويلفه الغموض من كل جانب، لحساسية تلك المعلومات بَعد بُروزِ ثورة الاتصالات، وصناعة المعلومة وتخزينها إلى حين الحاجة لها والرغبة في استرجاعها، مما أبرز أهمية اكّتِنازها والاحتفاظ بها، سواءً كانت هذه المعلومات معلوماتٍ (شخصية أو جماعية) في شكلها، أو (مالية، علمية، اقتصادية، أمنية ..) في محتواها وفحواها، كذلك في الجهة المسؤولة عنها سواء كانت فرد أو مُؤسسة أو مُنظمة أو حتى دَولة، فالغاية والمقصد واحد من هذه العلم ومسماه، وهي سِريّة وأهمية تلك المعلومات، وأدوات الاعتناء بها وحفظها آمنة بعيدة عن السرقة والعُرّضة للابتزاز الإلكتروني، في ظل هذه الثورة التقنية المهولة وتَطورِ أَساليبها وأَدواتها والحاجةِ الماسة لها.
إن كل شيء من حولنا هو محكوم دوماً بسلوكنا تجاهه؛ فَسلوكُ المرء يقع في شَّدٍ وجذّبٍ بين الخير والشر، فإن كانت منظومة الأخلاق هي من ترعاه، ستجد سلوكه سلوكاً عقلانياً يَحّتَكِمْ إلى تلك المبادئ المُثّلى، والتي تَربّى عليها وتَرَعّرَعَ في كنفها (كالدين، والعادات، والتقاليد) المجتمعية الحميدة، بحيث يُظهر تلك الفضائل في هيئةِ سلوكٍ سويٍ مستقيمٍ وقَويم، يَفيض به خيراً على كُلِّ من هُم حوله، ودائماً ما نقول قانونياً وأخلاقياً أن حُكومة الضَّمير والأخلاق هي المُساند والراعي الأول لحكومة الدولة وسيادة القانون، فوجود الأولى هو سِّرْ نجاح الثانية ونجاعتها، وهو الضامن لسريانها مُجتمعاً بشكل مثالي، لأن حكومة الضمير حاضرة في كُلِّ وقتٍ وحين، وهي تُمثل في تكوينها نوعاً من الرقابة الوقائية، بينما حكومة الدولة والقانون ليست حاضرة في كُلِّ وقتٍ وكل حين، وتُمثل نوعاً من الرقابة التحذيرية والعلاجية بعد حدوث الفعل أو الجُرم.
نتابع يومياً وبشكل ملحوظ العديد من الجرائمِ السُلوكية، والتي يُرمز لها اليوم في "علم الجريمة" بالجرائم الإلكترونية، وهي تَقَعُ عادةً بقصدٍ أو بغيرِ قصدٍ من صاحبها، وبعلمٍ مسبقٍ وإصرارٍ مِنّهُ أو بجهلٍ وغير مبالاة أيضاً، والتكلفة في نهاية المطاف تكون باهظة الثمن على الفرد وعلى المجتمع سواء، وحتى على المتابعات الحثيثة والمبذولة من قبل الأجهزة الشرطية، والتي تواصل الليل وأطراف النهار في سبيل كشف مُلابسات مثل هذه النوع من الجرائم المعقدة، والتي تزداد بشكل غير مسبوق، بحيث تَبدأْ في عالم افتراضي وهمي، لتقع فيما بعد حقيقة وجريمة على أرضِ الواقع، بشهودٍ أو بلا شهودٍ في أحيان كثيرة.
وكثيراً ما يُحذر الخبراء وأصحاب الاختصاص في مجال أمن المعلومات، من بعض الثغرات الأمنية والتقنية في سبيل حفظ بياناتنا الشخصية على مواقع "سوشيال ميديا"، مثل (فيسبوك، واتس آب، تويتر، إنستقرام)، ومنها إجراء بعض الخطوات الاحترازية، ومراعاة بعض التعليمات والتحديثات، إضافة لعدم قبول أي شخص كصديق قبل التأكد من صحة هويته، لكي لا نقع فريسة سهلة على تلك المواقع، ولكن في النهاية ومهما احترزنا فالأمر كلُه (محكوم بسلوكياتنا) على تلك المواقع الافتراضية، من خلال عدم تبادل المراسلات المتعلقة بخصوصياتنا، بأعمالنا، أفراد كنا أو مؤسسات، وعدم الانجرار وراء كل ما يقال أو ينشر من معلومات وبيانات في هيئة منشورات دعائية، أو إشاعات يجرنا إليها الفضول والجهل غالباً، تُهدد أمننا وخصوصياتنا وسلمنا الفردي والمجتمعي، فكل التحية لأجهزتنا الشرطية والأمنية ووحداتها، صاحبة الاختصاص في كشف ملابسات ذلك النوع من الجريمة وغيره من الجرائم.