الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلاب صديقة وكلاب عدوة، اسرائيل تشوه المفاهيم

نشر بتاريخ: 21/02/2016 ( آخر تحديث: 21/02/2016 الساعة: 10:32 )

الكاتب: فردوس عبد ربه العيسى

منذ القدم عرفت الكلاب وغيرها من الحيوانات كصديقة للانسان، فقد رافقته في بناء حضارته بمراحلها المختلفة بما فيها بناء الاهرامات وشق الطرق في الجبال الوعرة ويقال انها شقت طريق اللبن وطريق واد النار حيث اصبح الاخير، الطريق الوحيد الذي يربط شمال فلسطين بجنوبها. والكلاب عرفت بوفائها للانسان وذكرت في العديد من القصص العالمية والحكايات التراثية الفلسطينية التي بينت دور الكلب كصديق حيث قام بانقاظ الطفل وحيد أسرته وقتل الافعى السامة وحمى الطفل.وايضا عرفت الكلاب بانها مؤنسة في الوحدة،وانها الصديقه الصدوقة والحارسة والوفية والحامية ومبعدة الاخطار وطاردة الاشرار.

ولم تقتصر مشاركتها في الحياة على الادوار التقليدية بل تعدتها لتخدم اهداف العلاج النفسي وكان بوليس ليفنسون اول طبيب نفسي استخدام الكلاب في مساعدة الاطفال الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، اضطراب التوحد، وصعوبات الاتصال، والاضطرابات العاطفية وقد شكلت جزء من الخطط العلاجية النفسية التي ترمي لتطوير قدرات الاطفال على ضبط السلوك والتحكم بالعدوان وفي كسر الوحدة النفسية وتقليل الشعور بالحزن.

ولكن، هذا الوجه الصديق للحيوانات لم يبقى وجهها الوحيد ، فقد استخدمت كاحد الاسلحة "الدفاعية" كما تفضل تسميتها سلطات الاحتلال، فالكلاب تشكل ركن اساسي من اركان ممارسات الاحتلال الوحشية سواء في الاعتقالات او مطاردة المطلوبين او في التحقيق والتعذيب، ففي الجيش الاسرائيلي توجد وحدة خاصة تعرف باسم( Oketz) تعتمد الكلاب المدربة الى جانب الجنود من اجل مهاجمة المقاومين الفلسطينين، وقد انشات هذه الوحدة في العام، 1974 وشاع استخدامها بكثافة في فترات الحرب على لبنان وفترة احتلال الجنوب اللبناني كما واستخدمت في الحرب الاخيرة على قطاع غزة فاوكلت لها مهمات البحث عن المختطفين والكشف عن الاسلحة المهربة. تقوم اسرائيل بانتاج هذه الكلاب منتهجين بين فصيلتين من الكلاب المعروفة بالشراسة ( Belgian Shepherd، Rottweiler ) وهي معدة ومدربة لتادية مهمات قد تستمر 8 سنوات قبل ان يطلق سراحها او تسرح من الجيش.

واستخدت هذه الوحوش الضارية ضد الاطفال وضد البالغين الفلسطينين حيث سمحت سلطات الاحتلال باستخدامها كوسيلة للتعذيب والارهاب كما حصل في اكثر من مركز توقيف وتحقيق ومنها مركز توقيف عتصيون خلال الهبة الجماهيرية الحالية. حيث اظهر احد مقاطع الفيديو توثيق المهاجمة الطفل "حمزة او هاشم" 16 عاما من قبل كلبان كانا برفقة جدنيان اسرائيليان فاعتديا على الطفل ونهشا جسده قبل ان يتم تكبيل الطفل واعتقاله ونقله الى مستوطنة قريبة قبل تحويله الى سجن عوفر كما اكدت مؤسسة بيتسليم لحقوق الانسان وغيرها من المؤسسات الحقوقية. ومقطع الفيديو هذا قد نشر على الفيس بوك على صفحة احد الجنود الاسرائيلين حيث كتب عليه العبارة التالية : " الجندي الاسرائيلي يعلم الارهابي الصغير درسا، انشر هذا الفيديو ليتعلم الارهابين الصغار الاخرين الذين يخططون لايذاء جنودنا انهم سيدفعون الثمن" .

ولم تكن قصة الطفل حمزة ابو هاشم هي القصة الوحيدة التي توثق مهاجمة الاطفال بالكلاب البوليسية قبل اعتقالهم ، ومن بين الذين تعرضوا لهجوم الكلاب نذكر الطفل محمد جمال خلف 14 عام من العيزرية. ووديع ناصر سلامة الجندي 15 عاما من العروب. محمد صالح محمد غروز 17 عاما من العروب. وعاصف دخل الله العمور 16 عاما من بيت لحم.وعبد المجيد يونس الجعافرة 16 عاما من الخليل وذلك بالاستناد الى شهادات ذوييهم ومحاميهم.

فمن خلال مشاهدة مقطع الفيديو، او مشاهدة الصور التي توثق قصص شبية، او الاستماع الى القصص التي يرويها الاطفال حول مواجهتهم لهذا الارهاب يتبين حجم الذعر والخوف والصراخ والالم والعجز الذي يبدو على وجوه هؤلاء ، اضافة الى الشعور باقتراب النهاية فالموت بات قريبا، ان ردود الفعل النفسية والجسمية هذه ما هي الا ردودا طبيعية وانسانية على حدث غير طبيعي ويفوق قدرة الانسان عن التوقع والتحمل خصوصا اذا تبعه اعتقال وتوقيف وجولات تحقيق وعزلة ومنع من زيارة الاهل والمحامي وغيرها من وسائل الضغط النفسي والجسدي التي قد تقود للانهيار.

وفي هذا السياق ، نذكر ما تحدث عنه اريك فروم وهو عالم نفس اجتماعي وفيلسوف انساني معروف في تحليل سلوك الانسان السادي والمدمر حيث بين ان الانسان يمتلك نزعة تدميرية اتجاه الاخرين وهي تفوق العدوان بشكليه الدفاعي الذي هو شكل من اشكال المقاومة ،والهجومي والذي يهدف الى احتلال ارض الغير وسلب ممتلكاته والسيطرة عليه واستعباده. فالنزعه التدميرية اشد انواع العدوان تطرفا وعنفا وهي تختلف ايضا عن العنف الذي تمارسه الحيوانات المتوحشة فهي تمارسه من اجل السيطرة وقيادة القطيع والحصول على الزعامة ولكنها لا تمارس التدمير الممنهج . أما الانسان فهو الكائن الوحيد الذي يمارس تدمير مقصود فنراه يمارس التعذيب والقتل والتطهير العرقي وارتكاب المجازر والمذابح والابادات الجماعية. كما ويرى فروم ان الشعوب البدائية لم تمارس التدمير فهو سلوك ارتبط بالحضارة الحالية نافيا بذلك البعد الغريزي للعدوان والتدمير بل ويؤكد على ارتباطه بحضارات وحقب تاريخية معينة كتلك التي تتميز برغبة فئة معينة الحفاظ على التميز والتفوق والسيطرة على مقدرات الاخرين وثراوتهم. 

ان النزعة التدميرية هذه نراها تتجلي في ما تقوم به سلطات الاحتلال عندما تعمل على استقدام، او انتاج سلالات من الكلاب المسعورة وتدربها على مهاجمة المدنين والاطفال والقاصرين سواء اثناء الاعتقال او اثناء فترات التوقيف بهدف تدميرهم وتدمير شخصياتهم ومستقبلهم. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فهو يهدف لتدمير المنظومة التربوية والثقافية والقيمية التي يتلقاها الاطفال، وبالتالي لم يعدلما تعلمه الاطفال عن امراة دخلت الجنة بقطة اي اثر في ذهن الطفل الذي تعرض للتشتت والتهويل والرعب الى درجة انه بات يصحو فزعا مرعوبا ومذعورا من نومه، فشبكات الذاكرة لديه قد خزنت تجربة الاعتداء عليه ومهاجمته من قبل الكلاب البوليسية بطريقة يصعب عليه نسيانها لهولها ووحشيتها.

فالكلاب عندما يتم استغلالها لخدمة عقيدة وعقلية شيطانية تفقد دورها الصديق والوفي وتاخذ دور الوحش والعدو وتصبح انعكاسا لمدربها ولعقليته وفي كثير من الاحيان تخرج عن سيطرة مدربها نفسه كما تظهر اشرطة الفيديو وشهادات الصحفيين حول طرق الاعتقال التي يقوم بها جيش الاحتلال حيث يقوم المدرب بإفلات الكلب من طوقه، ليلاحق مجموعة مواطنين فيعض الشخص الذي يمسك به ويبقى ممسكا لحين وصول المدرب (الضابط) ، وفي كثير من الاحيان ترفض الكلاب أن تفلت من قبضت عليه فيقوم المدرب على صعقها وتخديرها ليتمكن من السيطرة عليها بعد ان اعطاها الاوامر للمهاجمة دون ان يدرك ان اطلاق الوحش اسهل من استعادته. ويبقى السؤال، الا يخشى مخططوا استرتيجيات التعذيب من ان هذا الفعل غير البشري الذي يسعي لتدمير طبيعة الانسان والحيوان والذي ينبع من فلسفة وعقيدة احلالية شيطانية تقوم على الاستمتاع والتلذذ بالقتل والتعذيب الا يخشوا من ردة فعل مساوية بالمقدار ومعاكسة في الاتجاه؟