الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ساعة الرمل وقانون القومية اليهودية

نشر بتاريخ: 21/07/2018 ( آخر تحديث: 21/07/2018 الساعة: 11:25 )

الكاتب: عوني المشني

"ستبكي اسرائيل لأجيال قادمة " هذا ما عقب به المركز الاسرائيلي للديمقراطية على قانون القومية التي أقرته الكنيست الاسرائيلي قبل ايام ، وبعمق يلامس اهمية القانون سنتلمس معا اسباب هذا القانون وأبعاده على مختلف الصعد .
لماذا قانون القومية اليهودية ؟؟!!!!
ثلاث اسباب تقف خلف هذا القانون ، اولا الذعر الكبير من تنامي العدد الفلسطيني في داخل فلسطينين التاريخية ، نصف السكان اقل او اكثر قليلا فلسطينيين ، هذا يؤرق اليمين الاسرائيلي المهووس ، اختاروا الهروب الى الامام عبر هذا القانون ، وحرقوا المراكب خلفهم ، اختاروا المقامرة بالمستقبل من اجل اللحظة الحالية ، اختاروا الحلول البغيضة فالقانون محاولة يائسة لمواجهة هذا الوضع ، السبب الثاني ذعر كبير من السؤال الوجودي الذي لا زال يؤرق يهود اسرائيل والخوف من المستقبل ، حيث لم يهدء ميزان القوى من هذا الرعب ولا اتفاقيات السلام مع مصر والأردن لان جوهر الموضوع هو الحق الفلسطيني الذي يزداد رسوخًا وقوة ويزداد تمسك الفلسطينيين به رغم تعاقب الأجيال ورغم حالة الضعف الفلسطينية ، والسبب الثالث لقطع الطريق على الحلول السياسية القائمة على حل الدولتين عبر الخلط بين دولة اسرائيل وأرض اسرائيل . والاهم من تلك الاسباب ان القانون يمثل خطوة أساسية اخرى لتكريس سيطرة اليمين على الدولة ، هذا اليمين الذي يغير بطريقة منهجية في الدولة العميقة عبر تغييرات جوهرية في الاعلام والقضاء والثقافة والتشريعات القانونية .
ماذا يعني قانون القومية اليهودية الذي أقره البرلمان الاسرائيلي ؟؟؟!!
اولا : بالنسبة لاسرائيل يعني هذا القانون ان اليمين الحاكم قد نجح في نقل اسرائيل رسميا وبدون مواربة من نادي الدول الديمقراطية الى نادي الدول العنصرية ، يعني ان العنصرية الاسرائيلية الموجهة ضد الفلسطينيين ستتسع دائرتها ، ستصبح ضد اليهود الشرقيين ، ستصبح ضد العلمانيين ، ستصبح ضد السود ويعني ان الشرخ في المجتمع الاسرائيلي سيتسع . ان التمييز العنصري هو عقلية وفهم وما دام موجودا ضد فئة حتى لو كانوا الفلسطينيين سيُصبِح طريقة تفكير ضد الفئات الاخرى حتى لو كانو يهود . يعني هذا ان العنصرية ستتحول مع الوقت الى فاشية داخلية ، ويعني - وهذا هو الاهم - ان السلام مع العالم العربي قد ابتعد كثيرا وحتى الأنظمة التي تزحف للتطبيع لن يكون بمقدورها ذلك على الاقل اسرائيل قد أفقدتها اي مبرر لذلك . في ظل تلك المضامين ، هذا يعني ان عزلة اسرائيل ستزداد وستتنامى مشاعر العداء لها كنظام عنصري بغيض ، وسيصبح القانون مقدمة لمفاهيم عنصرية اخرى ستزداد وتتسع وتتعمق .
ثانيا : بالنسبة للفلسطينيين هذا يعني ان الصراع عاد للمربع الاول ، يعني ان خيار الدولتين قد تراجع الى حد الغياب الكامل ففي ظل الخلط المتعمد بين ارض اسرائيل التاريخية ودولة اسرائيل لم يعد خط يفصل بين الشعارين ، يعني هذا ان الفلسطينيين أصبحوا في الضفة وداخل دولة اسرائيل اقرب في اوضاعهم لبعض ، يعانوا التمييز والعنصرية والاحتلال ، يعني ان التمييز العنصري والاحتلال أصبحا وجهين لسياسة إسرائيلية واحدة ، يعني هذا ان استراتيجية نضالية فلسطينية جديدة تتسارع بخطى حثيثة ، النضال ضد التمييز العنصري والاحتلال سيتداخل ليصبح في ذات السياق ، ربما ينتج عن ذلك شعارات جديدة ومفاهيم عمل جديدة وتحالفات جديدة ، حان الوقت بالنسبة للفلسطينيين لهذا التغيير ، ربما ليس بانقلاب على المرحلة السابقة ولكن بتغيير هادئ وبطيئ .
ثالثا : بالنسبة للعالم ، يعني ان اسرائيل اصطفت في خانة الدول العنصرية ، يعني ان اسرائيل لم تعد ضحية ، يعني ان المقاطعة سيُصبِح لها مبررات اخلاقية اكثر وجاهة وستتسع دائرتها ، يعني الانتقال من مربع مقاطعة المستوطنات الى مقاطعة نظام الفصل العنصري ، يعني ان وجه اسرائيل الحقيقي بات لا لَبْس فيه ولا غموض ، دولة عنصرية رسميا . اسرائيل بعد هذا القانون ستصبح في مرحلة الدفاع الاخلاقي والقيمي ولن تساعدها الصورة النمطية عن المحرقة ولا الظلم التاريخي الذي تعرض له اليهود ، الصورة بفعل هذا القانون تغيرت كثيرا وكثيرا جدا .
لكن كل تلك لا تفي بالغرض
القانون ربما سياتي كمقدمة لممارسات وقوانين اخرى ، إسقاط اللغة العربية رسميا تمهيد لاسقاط التمثيل السياسي العربي حتى في حق الترشح ، مثلا قانون يمنع التشكل السياسي على اساس قومي غير القومية اليهودية !!!! او قانون يعتبر القوميات الاخرى غير اليهودية مقيمين ولا يملكوا حق التصويت والترشح . القانون مقدمة لقانون يوازي بين ارض اسرائيل ودولة اسرائيل ، ويمتع التنازل عن اي جزء من ارض اسرائيل . اذن لم يأتي القانون من فراغ ولا يتوقع ان يبقى بدون نتائج وتبعياته .
على ارض الواقع القانون لن يغير من طبيعة الصراع ولا من جوهره ، ربما يستدعي تغييرات في الاستراتيجيات النضالية . على ارض الواقع القانون يساعد كثيرا حركة المقاطعة ، ينهي الاوهام بتسوية سياسية ، يزيد من فرص الوحدة الوطنية الفلسطينية على اعتبار لم يعد اختلاف سياسي في ظل فشل التسوية .
على ارض الواقع القانون يمهد لضم الضفة الغربية تدريجيا لاسرائيل .
الوقت يمر ، وساعة الرمل تعد الالم الفلسطيني ببطئ ، ولكنها تعد ايام دولة عنصرية وبسرعة.