الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

منظمة التحرير الفلسطينية.. حقيقة ولكنها غير مطلقة

نشر بتاريخ: 21/02/2019 ( آخر تحديث: 21/02/2019 الساعة: 14:38 )

الكاتب: عوني المشني

الحقائق في العلوم الاجتماعية ليست ذاتها في العلوم الطبيعية، في العلوم الاجتماعية الحقائق ليست محايدة، ولا ثابتة، بعكس العلوم الطبيعية التي تتصف فيها الحقائق بالثبات والحيادية طالما لا يوجد متغير ينقضها. وهكذا في السياسة فالحقائق دوما تأتي في سياقات لتوظف في خدمة اطراف ضد اخرى.
في اللقاء التلفزيوني الذي ظهر قيه الدكتور الأقطش مع محلل سياسي اسرائيلي يستطيع اي مراقب يمتلك أدوات النقد الموضوعية ان يتوقف عند مجموعة ملاحظات، فاللقاء التلفزيوني مع محلل اسرائيلي ليس هو الاول فلسطينيا ومن اكثر من شخصية، وهو بذلك لم يتجاوز الخطوط الفلسطينية في التعاطي مع مفهوم التطبيع، وشهدت قنوات فضائية ومؤتمرات كثيرة شخصيات فلسطينية واُخرى اسرائيلية تتحاور وتختلف وتتفق دونما اي ردات فعل. لكن لماذا امام هذا اللقاء وجدنا عاصفة من ردود الفعل فذلك مرده محتوى اللقاء، عندما أمسى المحتوى موضوع بهذا المستوى من الحساسية والاختلاف فقد عكس نفسه على شكلية اللقاء. واعتقد جازما انه لو تحدث الدكتور الأقطش بطريقة مغايرة وبمواضيع لا تثير جدلا فلسطينيا لكان اللقاء قد مر من حيث شكله دون اي ردات فعل. ولكن من ناحية اخرى لو كان موضوع اللقاء قد اثير في مكان اخر وبدون ان يكون في لقاء مع اسرائيلي فان ردات الفعل وان وجدت ستكون اقل بما لا يقارن. 
وهنا يتجلى علاقة الشكل مع المضمون، المضمون الصحيح يحتاج الى شكل صحيح فشكل اللقاء مع محلل اسرائيلي يحتاج الى مضمون حديث مختلف له علاقة بانهاء الاحتلال وتأكيد الثوابت الوطنية وتجريم ممارسات الاحتلال العنصرية، اما انا يصبح مضمون حوار مع اسرائيلي شرعية تمثيل المنظمة للفلسطينيين فذلك كمن يضع القمح في طاحونة الاحتلال، وسواء بحسن نية او سوئها فان الأقطش اختار طريقا وظفت فيه كلماته لخدمة الاحتلال.
الموضوع الثاني الذي لا يقل اهمية وهو هل يبرر الوضع الداخلي للمنظمة التشكيك بشرعيتها وتمثيلها ؟؟!!!!
منظمة التحرير الفلسطينية ليست شعار سياسي وانما هي إنجاز تاريخي لشعبنا وعندما أعطى الشعب الفلسطيني تفويضا للمنظمة بتمثيله فقد أعطى تفويضا ممهورا بالدم، عشرات الالاف من الشهداء واضعاف أضعافهم من الاسرى والجرحى والمعاناة والكفاح، معارك قاسية خاضها شعبنا دفاعا عن منظمته واستقلاليتها، وسوق ارقام للتشكيك بشرعية التمثيل لا يرتقي مطلقا لواقع الحال فشرعية المنظمة كفاحية قبل ان تكون احصائية، وحتى لو صدقت الإحصائيات فتلك لا تشكل شيئا ذي معنى يتعلق بشرعية المنظمة وتمثيلها. 
تفويض شعبنا للمنظمة جاء على اساس واضح وهو الميثاق الوطني اولا وعلى صيرورتها الكفاحية ثانيا، وهنا الاشكالية، ان مياها كثيرة جرت في النهر منذ نشأة منظمة التحرير حتى الان، تم تجاوز الميثاق في اكثر من مناسبة وبأكثر من شكل، وتم اعادة تركيب هياكل المنظمة لتتناسب مع مرحلة هوان مهزومة وغاية في الرداءة واكثر من كل هذا تم احداث شرخ كبير في تواجد فصائل وطنية واسلامية في منظمة التحرير هذه الخيمة التي يفترض ان تظل الجميع، هذا الوضع بمجمله يجعل هناك مبرر لفتح ملف المنظمة كموضوع كمهمة وطنية تستدعي العلاج وليس من مدخل التشكيك بشرعية تمثيلها. ان الإصرار على عدم تصحيح وضع المنظمة وإبقائها هيكل فارغ المحتوى خط يلتقي بالضرورة مع الخط الذي يشكك في وحدانية تمثيلها وكلاهما معولان يعملان على تحطيم المنظمة.
منظمة تحرير على اساس وطني ديمقراطي يستظل بها الكل الفلسطيني هو المدخل الطبيعي والضرورة غير القابلة للتأجيل للحفاظ على هذا الإنجاز الوطني التاريخي، نحن نستطيع ان نفهم الفرق بين المنظمة كهوية جمعية وبين اداء قيادات المنظمة، السوء في الاداء، وحتى الانقسام لا يلغي حقيقة ان المنظمة إنجاز وطني وضرورة وطنية. ولكن اداء المنظمة الحالي يحتاج الى مراجعة نقدية جمعية وواضحة لتصحيح ما تراكم من اخطاء وخطايا.
في النهاية نحن امام وضع ليس سهلا، ربما مفترق طرق خطير، احدى طرقه تؤدي الى تكريس المنظمة والحفاظ عليها كهوية جمعية وممثل شرعي وهذه الطريق تستدعي كشرط اعادة بناء المنظمة على اسس ديمقراطية وطنية. والا فان الطريق الاخر سيُصبِح ممر اجباري لا مندوحة عنه وهو تشكيك قد يستهجن الان من الكثيرين ولكنه سيُصبِح رؤيا وراي عام خلال قادم الايام. لا خيار ثالث. ربما ان الأقطش قد دخل المدخل الاخر والذي هو التشكيك التحطيمي والذي يخدم أعداء شعبنا ولكنه قد قرع جرس الانذار وان كان قد قرعه بطريقة خاطئة وفِي غير موقعه.