الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

العمل النقابي والإعلام الرقمي

نشر بتاريخ: 19/11/2019 ( آخر تحديث: 19/11/2019 الساعة: 11:01 )

الكاتب: ناصر دمج

المتغيرات التي ألمت بعالمنا، ونقلته من طور التفاهم بين الجماعات والأفراد عبر منصات الإعلام التقليدي، إلى طور الإعلام الرقمي، جعلتنا نقف وجها لوجة أمام عتبة جدية من عتبات تطور العالم، الذي كنا نعرفه وأصبحنا نجهله أو نتصعب من التعامل مع متغيراته.

حيث أصبح للتقنيات الجديدة المستخدمة في الإعلام الرقمي التي جعلت العلاقة بين النص والصورة أكثر تعقيداً، وقربت العدسة من الحقيقة، وحل فيه المحتوى المصور القصير محل النص المطول الممل، وامتلك الأول خاصية الاقناع وافتقد الأخير قدرته على ذلك.

وعلى الرغم من الظلم الكبير الذي لحق بالكلمة المكتوبة، لصالح وسائل الايضاح التي اجترحت عوالم لا حصر لها من الابتكار، فباتت الغلبة للتحديثات التي تجرف الماضي بتطبيقاتها الجبارة التي شملت الأتمتة التدريجية والشاملة لعالم العمل.

وهذه حقيقة تلزم النقابين بمجاراة هذه المتغيرات وإلا أصبحوا مع نقاباتهم أحد ضحاياها، وهي دعوة للتبكير بامتلاك وسائل التأثير والتأثير المضاد في عالمهم، وهذا تدبير ينطوي على تمكينهم من المحافظة على مكتسبات العمال وصيانة حقوقهم التي تحصلوا عليها بالدم والعرق.

وهو تكيف يستهل بالتعامل المتدرج مع المتغيرات الأخيرة والتطبيقات الإلكترونية الكثيرة التي غيرت العالم من حولنا؛ بما في ذلك الدفاع عن الحقوق وإقرار القوانين والتشريعات ومراقبة إنفاذها ومحاسبة مخالفيها.

وهذا يعني بأن النقابيون مطالبون باحتراف التعامل مع الهواتف الذكية كأداة تأثير نافذة، وكيفية كتابة نص مؤثر وخالي من الأخطاء، معزز بصور ووسائل إيضاح متممة للرسالة الكامنة في النص القصير المنشور عبر الغمام.

أهمية ذلك من أين تنبع ؟

في الوقت الذي قطع فيه الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، أشواطاً متقدمة، على جبهات تعديل قانون العمل وإقرار التشريعات المساندة لكفاح العمال كمشاركته في صياغة مسودة قانون التنظيم النقابي، وإقرار نظام الحد الأدنى للأجور، ومساعيه في تعديل قانون العمل وإقرار قانون الضمان الاجتماعي قبل تعطيل العمل به.

إلا إنه لم يبذل أي جهد يذكر لتحديث خطابه النقابي، بما في ذلك وسائل عرض وترويج محتواه، الذي تضمحل فاعليته في محيط ذي أمواج عاتية من "البيانات الضخمة - Big data" والمعلومات الرقمية المذهلة.

وهو الأولى من غيره في التعرف على مجاهيل هذه الثورة ومباشرة عملية استشراف عميقة لمستقبل العمل النقابي، لماذا الاسشراف ؟ لأن علماء المستقبليات أجمعوا على أن الاستشراف أبعد وأهم من التخطيط الاستراتيجي، وهذا يعني أن النقابات معرضة للفشل في مهامها دون التجديد والابتكار، لأنها تخدم القطاع الأكثر هشاشة وضعفاً في هذا العالم، ألا وهم العمال.

الذين يزج بهم إلى سوق يشهد أتمتة حتمية لكافة مكوناته، دون أي استعداد منهم للتعامل مع هذا المتغير بنجاح يمكنهم من التصدي للاحتيال المتوقع على بقاءهم على رؤوس أعمالهم دون المساس بحقوقهم ومكتسباتهم.

وهذا يدفع بمتطلب تأهيلهم لمصافي الضرورة المصيرية، لهذا أدعو الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، لإطلاق حملة تدريب وتأهيل لكوادر الاتحاد لتعريفهم بكيفية التعامل مع الإعلام الرقمي وهذا يشمل تدريب وتأهيل كل من يرغب في تطوير قدراته، وليس المختصين بمهنة الإعلام.

لماذا ؟ لأن كل من يحمل جهاز هاتف ذكي، يمكنه القيام بدور الصحفي في كتابة الخبر والتقاط الصور ونشرهما، لكن بأي مستوى وبأي كيفية وبأي قدرة على التأثير، وهذا يقود مباشرة إلى العمل على تحسين قدراتهم في بعض المجالات بادىء ذي بدء، وهي:

1- كيفية كتابة الخبر وتجنب الأخطاء على اختلافها وتنوعها، لأن الأخطاء تفسد صدقية السرد، وتُسهم في عدم ضبط إيقاع عملية التفكير بحد ذاتها، وتبعدها عن الصفاء الذهني وتثري المعرفة الملوثة والمشوشة.

2- كيفية تحرير الأخبار عبر جهاز الهاتف، وتجير أقصى طاقاته لهذه الغاية، بعد أن أصبح غرفة تحرير ومنصة إطلاق جبارة للأخبار والقصص والروايات الصحفية على تنوعها.

3- كيفية معالجة الأخطاء الفنية الناتجة عن تحرير النص عبر الموبايل وجميعها أخطاء إملائية، ستصبح أخطاء لغوية وربما معلوماتية ستساعد جميعها في تحريك الحقيقة من مكانها.

4- كيفية التعامل مع الصور بشكل صحيح، وتجنب نشر الصور غير اللائقة أو التي لا تعبر عن فحوى المحتوى، ويؤدي نشرها إلى نتائج عكسية، كنشر صورة لمسؤول (ما) وهو نائم أو منهمك في الحديث بالهاتف خلال ندوة أو فعالية تخص مؤسسته.

5- توخي الاستخدام الصارم لعلامات الترقيم، وعدم التراخي في استخدامها لأنها جزء أصيل من عملية الكتابة؛ والتأكد من سلامة وصحة المعلومات بما فيها (للتواريخ والأرقام والأسماء والوقائع والمصطلحات) التي يتم نشرها.

البحث عن الحقيقة ونشرها هو محور العمل

من حسنات المتغيرات الرقمية التي تجتاح عوالمنا، إنها ستفشل مساعي حجب الحقيقية من قبل الراغبين بذلك، وهذا قد يفضي إلى نتيجة قوامها أن العالم من الممكن أن يكون أكثر وضوحاً وعدلاً، لأن مضمار التخاطب والتلاقح الحضاري والتبادل الثقافي بين الشعوب لم يعد بحاجة لإذن مسبق من الحكومات.

فالتأثر والتأثير بين بني البشر أصبح أيسر وأسرع وأكثر فعالية، وهو ما سيضاعف من قيمة الإنسان؛ وسيجعل لرأيه وزناً ومكانه، لهذا يجب أن لا يقلل أياً كان من شأن نفسه أو من وزن ذاته، فهو مؤثر في المقدار الذي يريد وفاعل في الساحة التي يختار، ولربما سيزيل عصر الأتمتة الحدود السياسية بصيغتها البائسة بين الدول، ولربما سيصل لأبعد من ذلك.