الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كريم يونس يعود بنا إلى أصل القضية

نشر بتاريخ: 02/06/2020 ( آخر تحديث: 02/06/2020 الساعة: 14:31 )

الكاتب: وليد الهودلي

كريم يونس جاءنا من زمن مختلف ومكان مختلف، فلا غرابة أن يأتينا الشعاع من الشمس أما أن يأتي من عمق الظلام، يشق طريقه عبر جحافل الظلمات التي جثمت على الصدور وضاقت بها سبل الحرية وتوارى فيها عشاق النور خلف ستائرها الكثيفة، هذا شيء عظيم يثير الاهتمام ويذهل الابصار.

كريم يونس ثورة متكاملة الأركان، استوى على سوقه روحا ووعيا وإرادة حرّة وشعورا عاليا بالكرامة والاعتداد بالذات الفلسطينية العالية، ثم قرّر وتحرّك وناضل، رسم أهدافه بدقّة وخطّط لها بمهارة عالية ثم اختار أعلى درجات الجهاد والمقاومة وذروة سنامها.

في ذاك الوسط العربي الذي كان الاحتلال قبل قرابة أربعين سنة يمارس عليه أشد درجات السطوة والاسرلة وتغييب الهوية الوطنية ، كان الناس يُساقون الى حيث يريد هذا الذي ظنّ أنه قد بلع الزمان والمكان، مجرّد أيدي عاملة تزوّد عجلتهم الاقتصادية بالقدرات البشرية متدنية المستوى، لا تنفع الا للأعمال ذات الدرجات الوظيفية المتدنية خاصة تلك التي يأنف منها عرقهم السامي الخالص النقيّ الأصيل!

كريم يونس بذاته الفلسطينية الضاربة المتجذرة الراسخة في عمق الوجدان الفلسطيني يعلن أن الروح الفلسطينية واحدة ولا تتجزأ أبدا، أي ذرة من تراب فلسطين هي كل فلسطين وأي نبض ينبض به قلب أي فلسطيني ما هو الا نبض فلسطين كلّها، هي جسم واحد قلبه القدس.

وعى الفتى الفلسطيني ذو السحنة الكنعانية الاصيلة أن كل ما يقيمه الإسرائيلي على هذه الأرض الفلسطينية هو باطل وفاسد ولا محالة هالك، مهما انتفش الباطل وعلا لكنه سيذوي ويذوب لا محالة، سار بعكس التيار، استمع لنداء الواجب المزروع في صدره ولم يحسب حسابا لشيء، الحساب الوحيد الذي علا في راسه هو حساب الحرية وتحرير فلسطين، ولم تكن في حينها الكثرة الغالبة تسير في هذا المضمار بل كانت قلّة قليلة التي تهب نفسها كلّها لفلسطين، فكان كريم ومن معه من هذه الكوكبة المتقدمة في روحها ووعيها وإرادة فعلها.

كان من طلاب احدى الحسنيين: النصر او الشهادة بقوّة فاعلة وإرادة لا تلين إلا أن كان له ثالثة وهي الاسر ودخول المعتقل ليجعل منه حسنى ثالثة، بصبره الجميل وثباته على ذات الروح والفكرة، فكان حديد السجن يصدأ فيُطلى ويجدد المرة تلو الأخرى بينما إرادة كريم لا تصدأ ولا تلين ولا تئن من وطأة السنين الثقيلة وقهر سجان لا يتقن سوى لغة القمع والتنكيل وتفعيل ألوان التعذيب كافّة ما عرف منها البشر وما لا يعرف. في السجن يمارس كامل وطنيته رغم أنف سجّانه، تطلق روحه كل اشراقاتها الجميلة فتضيء عتمة الزنزانة وتحيل العذاب الى فرصة للمزيد من التوقّد والى مصدر توعية ومعقل حرية ومصنع ارادات، كريم مثال حيّ ومصدر عظيم من مصادر زراعة روح الانتصار، كان ثورة متكاملة وعندنا سجن دخلت معه الثورة الى زنزانته فجسّدها خير تجسيد واستمرّ بممارسة الثورة وهو في أحلك الظروف وأشدّها وطأة وقساوة. ونحن هنا لا نتحدث عن سنة او سنتان او خمس ، نتحدّث يا قوم عن قرابة أربعة عقود، هنا عندنا في فلسطين من بلغت سنواته الاربعين او قاربت: نائل البرغوثي ، وماهر يونس ومحمد أحمد الطوس، إبراهيم نايف أبومخ، رشدى حمدان أبو مخ، وليد نمر دقة، ابراهيم عبدالرازق بيادسة، احمد على ابو جابر، سمير ابراهيم أبو نعمة، .. الخ.

ثمّة تقصير لا بدّ من ذكره وهو تمسك الإسرائيلي بعدم اطلاق سراح أسرى فلسطين المحتلة ثمانية واربعين وتمرير ذلك من خلال المفاوضات او الصفقات على اعتبار انهم مواطنون في هذا الكيان! لا يمكن لنا أن نمرّ عن هذا لمن قدم كل هذه التضحيات وحمل من سني القهر ما تنوء عن حمله الجبال الراسيات، لا بدّ أن يكونوا لنا خطّا أحمر وعيب كبير علينا أن يمرّر اعداؤنا هذا الاستخفاف وهذا الصلف الذي لا حدود له. فالحرية لهم أولا ولا يجوز تقديم أحد عليهم أبدا.