الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قرارات التحلل من الاتفاقيات مع الاحتلال: معضلات وآفاق

نشر بتاريخ: 20/06/2020 ( آخر تحديث: 20/06/2020 الساعة: 19:04 )

الكاتب: د. وليد سالم

تعالج هذه المقالة الموجزة أربعة جوانب متعلقة بقرارات التحلل من الاتفاقات مع إسرائيل والتي أتخذت في أيار الماضي في ضوء إعلان الحكومة الاسرائيلية عن نيتها إضفاء الطابع القانوني على ضمها للمستعمرات الاسرائيلية ولمنطقة غور الاردن إليها.

تتمثل هذه الجوانب الاربعة بانعكاس قرارات التحلل على المقاصة وآثار ذلك ، ومسائل التعاون الامني ، والعلاقة مع قطاع غزة ، ومسألة التحلل من الاتفاقيات من الجانبين الرسمي والشعبي ، بما يشمل قضايا التحلل من الاحتلال في حالة القدس الشرقية. وتهدف المقالة إلى إقتراح حلول أولية بشأن المعضلات التي تترتب عن هذه القضايا الاربع.

فيما يتعلق بالمقاصة وهي الايرادات التي تجبيها إسرائيل لصالح فلسطين ، والتي يصل مردودها إلى ٥٥٠ مليون شيكل حسب احصاءات وزارة المالية الفلسطينية لشهر أيار ٢٠٢٠، فقد رفض الجانب الفلسطيني استلامها منذ ذلك الشهر نظرا لاصرار الجانب الاسرائيلي على التوقيع الفلسطيني المباشر لإسرائيل بإستلامها ، وهو ما طالب الجانب الفلسطيني باستبداله بالتوقيع لجانب دولي وسيط منعا للعلاقة المباشرة مع اسرائيل التي تم التحلل منها. وإذ رفضت إسرائيل التوقيع عبر طرف ثالث، فإنها لم تحول أموال المقاصة لفلسطين. ترتب عن عدم إستلام المقاصة تراجع الدخول وبالتالي تراجعت الايرادات الفلسطينية من ٣٠٠ مليون شيكل إلى ١٣٧ مليون شيكل فقط في أيار الماضي، وأضيف لهذه الايرادات مبلغ ١٠٠ مليون شيكل تم استلامه من مصادر الدعم الخارجي ، وبالتالي بلغت ايرادات السلطة ٢٣٧ مليون شيكل في ذلك الشهر ، وبلغ العجز في موازنة الحكومة الشهرية ٨٦٣ مليون دولار حسب احصاءات وزارة المالية .

سيترتب عن استمرار عدم تحويل المقاصة من إسرائيل مشكلات عدة أهمها اثنتان : الأولى تتعلق بوقف دفع الرواتب ، والثاني وقف التحويلة المالية الشهرية لقطاع غزة والتي تصل إلى ١٠٥ مليون دولار شاملة الرواتب والتكاليف الطبية وغيرها. وقد حاولت الحكومة الفلسطينية كحل مؤقت طلب قرض بقيمة ١٠٠ مليون دولار من وزراء المالية العرب الاسبوع الماضي ، وذلك بدون إستجابة حتى الان ، ولا شك أنها ستحاول انتهاج طرق أخرى باتجاه حلول مؤقتة إضافية . ولكن الحل البعيد المدى لا يبدو أقل من بناء ممكنات الاقتصاد الوطني الانتاجية زراعيا وصناعيا بما يمكن من إحلال الواردات وخلق إعتمادية أقل على الاستيراد من الخارج سواء عبر المعابر الاسرائيلية أو تلك التي مع مصر والاردن والتي تتحكم بها أيضا إسرائيل.

أما مسائل التعاون الأمني الذي توقف فتشمل التعاون للكشف عن المجموعات المسلحة ومنع تنفيذها لعمليات، وقد أشار وزير الشؤون المدنية السيد حسين الشيخ حسبما نقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز يوم ٨ حزيران الجاري إلى أن حكومة فلسطين ستستمر في منع المسلحين من تنفيذ عمليات وإعتقالهم طالما هم لا زالوا على أراضيها ، كما أنها يمكن أن تبلغ اسرائيل عبر طرف ثالث في حال وصول هؤلاء إلى داخل إسرائيل . وقد رد خبراء إسرائيليون أن التبليغ عبر طرف ثالث قد لا يكون ناجعا لأسباب تتعلق بتأخر الطرف الثالث بتبليغ إسرائيل وهو ما قد يترتب عنه قيام المسلحين بتنفيذ عملياتهم داخل إسرائيل قبل أن يقوم الطرف الثالث بالتبليغ، وهو ما سيترتب عنه ردود فعل اسرائيلية ربما تصل آثارها إلى الاجهزة الامنية الفلسطينية، هذا علما أن تلك الاجهزة تحاول تفادي ذلك حتى الان حيث تختفي عن الانظار عند دخول القوات الاسرائيلية لمناطق أ من الضفة لإجراء إعتقالات ولا تصطدم بأي شكل من الاشكال معها. يبقى مع ذلك هنا إمكانية تدهور الاوضاع إلى مواجهة كبرى إثر أي عملية كبيرة قد تحصل في إسرائيل ويترتب عنها تصعيد إسرائيلي شامل ضد فلسطين.

يتعلق الموضوع الثالث بالعلاقة مع قطاع غزة ، فهل ستلتزم حماس بقرارات التحلل، أم أنها ستمضي لدفع التفاهمات حول الامور اليومية مع إسرائيل قدما متذرعة بعامل إضافي يتعلق بوقف الحكومة في رام الله لتحويل ١٠٥ مليون دولار شهريا إلى غزة نظرا لإنقطاع واردات الاخيرة من المقاصة وتقلص الدعم الدولي لها ؟ هل ستمضي حماس في الحصول على الدعم القطري وزيادته ونقله لها بموافقة إسرائيلية وبدون تنسيق مع الحكومة الفلسطينية؟ وهل ستمضي بالطلب من السيد نيقولاي ملادينوف مبعوث الامم المتحدة للتواصل مع دولة الامارات العربية لجلب دعم طبي وغيره يصل عبر مطار تل أبيب ومنه ينقل إلى غزة؟ ، وغيرها من الاسئلة التي تعزز الانقسام الفلسطيني وتمنع بلورة موقف موحد من قضايا التحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل.

اخيرا هنالك مسألة التحلل بين الموقفين الرسمي والشعبي. حتى الان تحلل الجانب الرسمي من الاتفاقيات كرد على تحلل إسرائيل منها ، وإن لم يلغ بعد الاتفاقيات ولم يسحب رسميا الاعتراف بإسرائيل ، كما أنه قد يعود عن قرارات التحلل من الاتفاقيات إذا لم تنفد اسرائيل عملية قوننة ضم الغور والمستعمرات. من جهة أخرى طرح الجانب الرسمي الفلسطيني ضرورة أن تعود إسرائيل لممارسة مسؤولياتها كقوة محتلة تجاه الشعب الخاضع للاحتلال . من الناحية العملية تم ترجمة ذلك بتوجه الالاف من الفلسطينيين مباشرة إلى الادارة المدنية الاسرائيلية لتحصيل تصاريح دخول وعمل في إسرائيل ، ولعل من شأن إستمرار هذا الارتباط المباشر تعزيز الحكم الاسرائيلي المباشر في الضفة ، وإضعاف ثقة الفلسطينيين بالسلطة وتوجيه موظفيها للعمل في إسرائيل في ظل عدم دفعها لرواتبهم، وإذا ما استمر هذا السيناريو لعدة شهور فهو كفيل بجعل السلطة تصل إلى حالة الافلاس الكامل وبالتالي الانهيار إذا لم تتوفر بدائل أخرى تنقذها ، وسيفتح ذلك الباب مشرعا أمام ظهور بدائل أقرب لسياسات الاحتلال وتكون مستعدة للتقاطع معه وتنفيذ سياساته. وفي حالة القدس يتخذ هذا الامر طابعا أكثر دراماتيكية في ظل عدم وجود السلطة الوطنية الفلسطينية رسميا في المدينة.

لم تصل الحالة بعد إلى السيناريو الدراماتيكي الذي تطرحه الفقرة السابقة ، فالسلطة ستسعى لحلول مؤقتة من العرب والعالم من أجل إستدامتها لفترة أطول، كما أنها تسعى لوسائل ضغط على إسرائيل مثل الاستمرار في وقف تحويل الحالات المرضية للمستشفيات الاسرائيلية مما يفقد تلك المستشفيات عشرات الملايين من الدولارات سنويا، وذلك بعد فشلها في منع استيراد العجول من إسرائيل والحصول على موافقة إسرائيل على إستيراد النفط من العراق ومحاولات اخرى . من جهة أخرى فإن سياسة نتنياهو تجاه قرارات التحلل لا زالت حذرة ، فهو يريد الاستحواذ على الارض بدون أن يدخل في صراع مع حكومة فلسطين ولا مع حماس ، لذا قد يبادر بطرح آليات إضافية للإستمرار في إدارة النزاع على نار هادئة وذلك من خلال استمرار التعامل غير المباشر مع حماس وتسهيل وصول المساعدات القطرية والاماراتية لغزة ، وفي نفس الوقت إيجاد صيغ أخرى مماثلة للتعامل مع الحكومة الفلسطينية بشأن القضايا الحياتية اليومية طالما أراد إستمرار وجود هذه الحكومة وعدم التوجه لاستبدالها بوجوه أقرب إلى إسرائيل . في سياق ذلك سيستمر نتانياهو في فتح الباب أمام العمالة الفلسطينية في إسرائيل والمستعمرات لتعميق الشرخ بين السلطة وبين شعبها على طريق استبدال القيادة الفلسطينية بأخرى تكون أقرب لتنفيذ التوجهات الاسرائيلية. سياسة اقتصادية فلسطينية تحررية مرتكزة على الناس هي السبيل الانجع للحؤول دون تحقيق طموحات نتنياهو هذه.