الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مواجهة الوباء المعلوماتي (الإنفوداميك) في ظل انتشار فيروس الكورونا

نشر بتاريخ: 09/08/2020 ( آخر تحديث: 09/08/2020 الساعة: 13:47 )

الكاتب: د. عامر ابو هنية



أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا تحول إلى جائحة وأصاب الآلاف حول العالم، كشفت أيضاً أن الكورونا لا تكمن خطورته في عدد الوفيات ضمن المصابين به، بقدر الخطورة من طريقة انتشاره ومكوثه لأسبوعين على الأقل داخل جسد المصاب، وبحسب ما قالت منظمة الصحة، فإن نسبة الوفيات بالفيروس هي 3.4% من حالات الإصابة المؤكدة من المصابين، وقد أدى الفيروس إلى وفاة 1.4% فقط، من الأشخاص الذين أصيبوا به في مدينة ووهان الصينية.
هناك تحدٍّ كبيرٍ آخر، واجهه الكثيرون، خلال هذه الجائحة، وهو انتشار كم هائل من الشائعات؛ التي اعتبرتها منظمة الصحة العالمية أخطر من المرض نفسه. تنتج هذه الشائعات من الأخبار الزائفة المتدفقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث سهلت التكنولوجيا عملية تناقل المعلومات من فرد لآخر بشكل يفوق قدرة الإنسان على الاستيعاب، حيث لا يجد الشخص مجالاً لمعالجة البيانات واستيعابها.
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي، ومنذ عدة سنوات، دوراً هاماً في تشكيل أساليب التواصل بين البشر، حيث أدى ظهور المنصات الجذابة مثل (الفيس بوك، تويتر، يوتيوب، واتس أب، انستجرام وغيرها)، إلى تغير في وسائل الحصول على المعلومة واستخدامها، وأفسحت المعلومات المنقولة عن “المصادر الرسمية” -عبر قنوات ذات اتجاه واحد -المجال أمام معلومات ينشئها مستخدمو ويتبادلونها بشكل تفاعلي، حيث اصبح الأفراد بفضل وسائل التواصل الاجتماعي منتجين نشطين للمعلومات بقدر ما هم متلقين، حيث صممت هذه المنصات لتتيح للمستخدمين صناعة المحتوى بأنفسهم والتفاعل مع المعلومات ومصدرها. تظهر إحصاءات عام 2019، أن هناك 3.2 مليارات مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، أي ما يعادل نحو 42 % من سكان العالم، وهذا الرقم في تزايد مستمر.
تشهد طرق التواصل ومشاركة المعلومات بين المستخدمين تغيراً سريعاً، حيث أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي النشطة عابرةً للحدود، وتمتد عبر القارات، وتسمح للمستخدمين بالوصول إلى المعلومات من مصادرها المباشرة في جميع أنحاء العالم. ولا زال الأثر الذي تحدثه شبكات التواصل الاجتماعي في طرق تلقينا للمعلومات والحصول عليها وتعلمنا معها يتطور على نحو مستمر، وقد تغدو المنظمات والجماعات والأفراد التي تستغل منصات التواصل الحديثة أكثر فاعلية في تحقيق مآربها وتلبية متطلبات المستخدمين، وأصبحت مصدر للمعلومات الآنية. ويمكــن أن توفر هذه المنصات معلومات مهمة حول القضايا التي تشغل الناس، ومنها مثلاً ظهور فيروس كورونا، وكم المعلومات والأخبار المتعلقه به والعابرة للحدود، والذي أدى لظهور زخم معلوماتي حول هذا الوباء، وطرق انتشاره والوقاية منه، والشائعات حول منشئه (كجزء من حرب بيولوجية، وعلاقات الدول المتنافسة على قيادة العالم وإيجاد اللقاح لهذا الفايروس وغيرها) مما أدى إلى نتائج وخيمة أحدثت الرعب والذعر في نفسيات سكان الأرض، وساهم أيضاً في صعوبة الاستيعاب وقدرة التحليل والحصول على المعلومات الحقيقية، وعدم قدرة الكثيرين على التوصل للحكم صحة المعلومات، واتخاذ قرارات صائبة 100% ! وبناء على ذلك ظهر مصطلح جديد في عالم الأوبئة من منظمة الصحة العالمية ألا وهو (الوباء المعلوماتي) نتيجة للاستخدام الخاطئ لمنصات التواصل الاجتماعي وبقية وسائل الاتصال والاعلام . ’’الوباء المعلوماتي’’ غالباً ما يكون مصحوباً بالتهويل المؤدي إلى الهستيريا، كما شوهد في الأسواق في الداخل والخارج خلال عملية شراء الأطعمة بشكل جنوني نتيجة الخوف المسيطر على نفسيات الناس.
وهذا يتطلب منا السيطرة على’’ الوباء المعلوماتي’’ المستجد؛ نظراً لكثرة منصات التواصل الاجتماعي، وعدد المستخدمين وتأثرهم بوسائل إعلام متعددة، ومن الممكن أن تكون صعبة، رغم الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها شركات مواقع التواصل الاجتماعي. ولهذا مطلوب من مستخدمي ومتابعي هذه المواقع، أن يساهموا بدورهم في مساعدة المواقع والمؤسسات الإعلامية الرسمية المعتمدة لدى الدولة، بالتحري وعدم الانخراط في الشائعات، عبر تصديق أي معلومة، وعدم نشرها، والمساعدة في التوعية الرقمية في مكافحة الإشاعات والأخبار المغلوطة، قبل نقلها وتداولها، حتى يتم التأكد من ذلك عبر الصحفيين الرقميين بشكل خاص والمؤسسات الإعلامية؛ لأنهم هم السباقون إلى نشر الخبر. كما أنه في ظل الظروف الراهنة يتم نشر الأخبار والإشاعات الكاذبة - على سبيل المثال - ظهور حالات مصابة في مدينة أو قرية ما من قبل اشخاص هدفهم إحداث حالات إرباك وبلبلة وذعر بين الأهالي من خلال هذه المنشورات، لذا يُنصح بعدم التعاطي معها وعلى كل من يرى أو يسمع مثل هذه الشائعات أن يتوجه دون تردد إلى الجهات المختصة للتعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص، ويعلم أغلبنا أن هناك لجان طوارئ وجهات أمنية مختصة في الأمن الالكتروني، وعلينا جميعاً طرق هذه الأبواب للحد من نشر تلك الأخبار الكاذبة، لتعم الطمأنينة والسكينة في قلوب السكان. وسبق بالآونة الأخيرة اعتقال اشخاص عملوا على نشر بعض التسجيلات الصوتية منتحلين شخصيات عاملة في الصحة تقول أن هناك حالات جديدة أصيبت بالفايروس وهي آخذة في ازدياد!
ونظراً لعدم التوصل للقاح ضد فايروس كورونا فإن التغلب على وباء كورونا يكون بالالتزام في بيوتنا واحترام تعليمات وزارة الصحة حول الوقاية من هذا الوباء، وهي متوافقة مع تعليمات منظمة الصحة العالمية أيضاً، كما يمكننا الحد من انتشار’’ الوباء المعلوماتي’’ أيضاً بقراءة الأخبار والاستماع لها من مؤسسات الإعلام الرسمية، ومن مصادرها الموثوقة، وعدم نشر أي معلومة دون التحقق منها.