الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مراكز حماية الطفولة... قصص وتحديات

نشر بتاريخ: 13/09/2020 ( آخر تحديث: 13/09/2020 الساعة: 12:35 )

الكاتب: رولا سلامة

الطفوله هي أهم المراحل التي يمر بها الانسان ، فهي الأساس في بناء شخصيته وصقلها ، وهي المرحلة التي يتمتع بها الأطفال باللعب والتعليم ، يتم بها صقل شخصيتهم وغمرهم بالحب والحنان والرعاية من قبل الاسرة الصغيرة والكبيرة .

فالوضع الطبيعي للطفل أن ينشأ ويترعرع ويعيش ضمن اسرته مع والديه واخوانه وأخواته ، وبين أعمامه وعماته وأخواله وخالاته وبقية الأهل والأقارب ، ينهل من حبهم واهتمامهم ورعايتهم ، يتعلق بهم ويتعلم منهم ، ويعيش في كنف من أحبهم وأحبوه ، يتعلم أولى خطواته نحو الحياة ، يتعلم المشي واللعب والكلام ، ينطلق للحياة ويتمتّع فيها الطفل بمجموعةٍ من الحقوق مثل الأمن، والحماية من الاستغلال والإيذاء وكذلك الحماية من العنف بكل أشكاله ، فهذا هو الوضع الطبيعي للأطفال في كل دول العالم .

ولكن الاستثناءات كبيره وكثيره ، والحياة ليست وردية ، فبتنا في هذا العالم نسمع قصصا لأطفال حرموا من الحب والحنان ، حرموا من العيش ضمن اسرهم ومع أهلهم واخوانهم ، فالمشاكل الأسرية المتعددة والتي زادت كما ونوعا خلال الأعوام الماضية ، باتت تشكل الخطر الأكبر على أطفالنا ، على تنشأتهم ورعايتهم وتربيتهم ، على أخلاقهم ومستقبلهم ، وبات الهم الأكبر للقائمين على مراكز حماية ورعاية الأطفال أن يوفروا لهم كل احتياجاتهم من حب وحنان ورعاية وكذلك أن يقدموا لهم كل أشكال الدعم النفسي والاجتماعي ليعوضوهم عما فقدوه بعد أن ابعدوا عن اسرهم ، وكذلك ليمحوا من ذاكرتهم كل مشاهد الحزن والغضب والصراخ والعنف والقتال الذي شاهدوه أو سمعوه .

كثيرة هي المشاكل الأسرية التي يدفع ثمنها في معظم الأحيان الأطفال ، قصص كثيرة نسمعها ونقرأ عنها وتراودنا مخاوف وقلق من النتائج التي سيحصدها المجتمع الفلسطيني بأكمله نتيجة هذه المشاكل ، وكيف سينشأ جيل حرم من حنان الأم والأب ، حرم من العيش ضمن الأسره ومع الأخوة والأخوات ، قصص كثيرة هي دخيلة على مجتمعنا الفلسطيني وعاداتنا وتقاليدنا ،

فزيارة واحدة لمراكز حماية ورعاية الطفوله المنتشرة في العديد من مدن الضفة الغربية كافية أن تضعنا في صورة من صور معاناة الأطفال ، قصص ترويها وجوههم البريئة والتي تتساءل دوما دون حاجة للكلام اين أهلنا وأين اخواننا ولماذا نحن هنا ، فلنتخيل أن الأسره التي عمادها الأب والأم والأطفال يحصل فيها خلل ما ، فنجد الأطفال لوحدهم دون ذويهم ، ولنفاجىء أن الطفل عليه أن يدفع ثمنا لأخطاء والديه وتقصيرهم برعايته والعناية به وتوفير الأمن والأمان له.

في زيارة لمركز حماية الطفولة التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في محافظة طولكرم بالضفة الغربية ، وأثناء تعرفنا على الأطفال والمشرفات وطاقم من الهيئة الادارية للجمعية لفت انتباهنا الأطفال وعلاقتهم بالمشرفات ، فهم في تناغم كبير ، يتحدثون اليهم ويلعبون معهم ويضحكون ويركضون حولهم ، فمنهم من تأقلم واستطاع أن يندمج مع باقي الأطفال ويلعب معهم ويتعلق بالمشرفات اللواتي يتواجدن مع الأطفال ليل نهار ، يعوضونهم عن الحب الذي حرموا منه ويوفرون لهم احتياجاتهم ويلعبون معهم ويطعمونهم ويهتمون بتفاصيل حياتهم ، ومنهم من لم يتأقلم كثيرا وما زال يشعر بالوحدة والغربة .

هناك ، في زاوية من زوايا احدى الغرف تجلس فتاة في العاشرة من عمرها يظهرعليها الحزن وعيناها تحدقان في كل شيء حولها ، حاولت جاهده أن اتحدث اليها وأقترب منها لنتبادل الحديث ونلعب سويا ، ولكن دون جدوى ، حاولت مرات ومرات ولكن النتيجة كانت سلبية في كل المحاولات ، لعبنا مع باقي الأطفال وقضينا بصحبتهم أجمل الأوقات ، حاولنا أن نعوضهم عن أهلهم وذويهم فأحضرنا معنا الكثير من الهدايا والألعاب ، وسألناهم عن احتياجاتهم وطلباتهم وألعابهم المفضلة لنحضرها في المرات القادمة وودعناهم ووعدناهم أن نعود بعد اسبوعين لقضاء بعض الأوقات الجميله معهم .

عدنا ثانية بعد اسبوعين ، وكان هدفي أن اقترب من الفتاة الصغيرة وأحاول أن اقضي بعض الوقت معها ، وفعلت ، ونجحت هذه المرة بعد ان أحضرت لها بعض الهدايا كباقي الأطفال ، شعرت أنها بدأت تتحدث معي وتسألني عن عملي واسرتي ، شعرت أنها كانت بحاجة للاهتمام وبحاجة لصديقة تتحدث اليها ، وبالفعل بدأت نفسيتها تتحسن وهذا ما لاحظته المشرفه التي فوجئت باقترابها مني وبابتسامتها التي لم يعتادوا عليها .

هذه القصة هي التي حركتني لاكتب عن الأطفال في مراكز الحماية ، ولأشارككم تجربتي ومن معي ، فقد تأثرنا كثيرا بالأطفال وباللعب معهم وكم أثلج صدورنا استقبالهم لنا والحب الكبير الذي أبدوه لنا أثناء زيارتنا لهم ، وهذه مناشدتي لكل من يجد الوقت ليذهب للاطفال في هذه المراكز المنتشرة في كل المحافظات ليس بالأعياد فقط بل على مدار السنة ، هم بحاجة لنا وبحاجة لاهتمامنا بهم ولنعوضهم عما فاتهم من حب ورعاية وحنان ، فأبواب هذه المراكز لا تغلق بوجوهنا ، بل على العكس يستقبلوننا بكل الحب والاحترام مع الحفاظ على التباعد والتعقيم ولبس الكمامات والقفازات خوفا على الأطفال وصحتهم وحماية لهم من كورونا وأعراضها ، فهم تأثروا كثيرا بسبب كورونا وقلت الزيارات والمساعدات التي كانت تصلهم من الضيوف والوفود التي تأتي لزياراتهم .

فشعوري لا يوصف وأنا من استطاعت بجهد معقول أن أرسم الابتسامة على وجه طفله كانت قد نسيتها منذ وقت ، وقد تحمل بداخلها حقدا أو كرها للمجتمع ، ولكني متأكده الان أن نظرتها لي ولكم مختلفة تماما ، وأنها الان عادت للحياة من جديد ووعدتني أن تهتم بدراستها ان وعدتها بزيارة قريبة ، وهذا ما سيحصل قريبا ، وبالتأكيد سأحمل لها ولباقي الأطفال هدايا اضافة لحبي الكبير واهتمامي بهم وبمستقبلهم ، وأنا على قناعة تامة أننا سنساعدهم ونقف الى جانبهم ليحبوا الحياة من جديد ونهيأهم ليصبحوا قادة للمستقبل ونبعد عن ذاكرتهم كل الخوف والظلم الذي عاشوه .

الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .