الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ماذا تعني الباكستان لفلسطين؟

نشر بتاريخ: 22/11/2020 ( آخر تحديث: 22/11/2020 الساعة: 17:33 )

الكاتب: ناصر دمج

تَوَاطَأَ صناع القرار ومراكز صناعة الرأي الغربيين، على وصف الباكستنان برجل آسيا المريض، وأطلق هذا الوصف على جمهورية الباكستان الإسلامية، تمهيداً لمجموعة مواقف متدرجة، بدأت بهذا التوصيف وستنتهي بالتصفية المادية لدولة الباكستان، وهو منهج اعتادت عليه دول الاستعمار الغربي، وقد سبق لها أن أطلقت الوصف ذاته على اثنتين من الإمبراطوريات الكبيرة في التاريخ، وساهمت الدول الغربية بتصفيتهما وهما:-

1- الإمبراطورية الصينية تشينغ 1644م - 1912م، حيث أجبرت على تقديم تنازلات إقليمية هامة في شرق آسيا انتهت باحتلالها من قبل اليابان وبريطانيا.

- الإمبراطورية العثمانية 1299م - 1924م، والتي سميت برجل أوروبا المريض، في إشارة إلى ضعفها مع بداية الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، إلى أن هُزمت أمام الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1917م، وتم احتلال أراضيها من قبل القوات اليونانية والفرنسية.

وباكستان أو (جمهورية باكستان الإسلامية) كما تعرف رسمياً، تقع في جنوب آسيا وشمال غرب الهند، انفصلت عن الهند البريطانية على أساس ديني، حيث اعتبرت دولة المسلمين الهنود، والهند دولة الهنود الهندوس والسيخ، وكلمة باكستان تعني (الأرض النقية أو الأرض الطاهرة).

الباكستان دولة إسلامية كاملة من حيث الانتماء الديني للسكان، بل إن الإسلام شكل مبررها الأساسي في الوجود، فلا توجد أي مقوّمات أخرى يمكن أن توحد باكستان غير الدين، ولذلك فإن الباكستانيين متعصبون جدّاً للدين لأنه أساس بقائهم، ولولاه لما وجد الشعب الباكستاني، لأن الدين الإسلامي هو سبب انفصالها عن الهند كما أشرنا، لذا فإن كل ما تمتلكه الباكستان من ثروات هو أمراً يشبه الوقف الإسلامي، وفي مقدمة ذلك القنبلة النووية، فالإسلام بالنسبة للباكستانيين تحول إلى هوية قومية أيضاً.

السكان

بلغ معدل الزيادة في تعداد سكان باكستان ثلاثة ملايين نسمة سنوياً وتضاعف عدد سكان البلاد خمس مرات منذ تاريخ استقلالها عام 1947م، ليصل مع نهاية عام 2019م إلى (191 مليون) نسمة، فيما كانوا (32 مليون) نسمة عشية يوم الاستقلال، لتصبح باكستان اليوم سادس دولة في العالم من حيث الكثافة السكانية، إذن، ثمة شكوك كبيرة حول مرض هذه الدولة الإسلامية التي تمتلك هذا المخزون البشري المسلح بالذرة.

يستدل من ذلك على أن إطلاق هذا الوصف على دولة ما، مسعى لا يراد من وراءه الخير لها، لكن الباكستان وصلت إلى هذا المنزلق بسبب السياسات الاستعمارية التي كان لها اليد الطويلة في تصميمها كدولة، من الناحيتين الطبوغرافية والديمغرافية الإثنية، فبنائها الاجتماعي عبارة عن خليط من السنديين البنجابيين والبوتوهاريين والسرائكيين والبلوشيين والهزارة والمكرانيين والكشميريين والبشتونيين والهندكوه والأفغانيين، وقبائل شرسة تسكن المناطق الجبلية المحاذية لأفغانستان، وهذا الخليط غيرمتجانس، وينطق بلغات مختلفة ما عمق الشرخ البيني في المجتمع الباكستاني.

فضلاً عن استهداف البلد لموقعه الاستراتيجي لاستخدامه في إدارة صراع الاستعمار الغربي مع الاتحاد السوفيتي السابق، واستغلال موارده وإمكانياته على نحو مرهق ومذل، كإجباره على الانخراط في الحرب على الإرهاب، الأمر الذي أورثه وضع داخلي مهلهل ساعد في بروز مشكلات لا حصر لها، وأهمها تدمير الحياة المدنية وشن الحرب على سكان مناطق القبائل.

خلفية الاستهداف

استهداف الباكستان على هذا النحو، ينبع من هويتها الإسلامية، وقربها من ساحة الصراع العالمي في الشرق الأوسط، فضلاً عن رغبة الاستعمار باستكمال مشاريع تجزئته القديمة على أسس إثنية ودينية، وهو الأساس الذي شكل شهادة ميلاد الباكستان نفسها بعد انفصالها عن الهند في عام 1947م، لتنفصل عنها في وقت لاحق من عام 1971م بنجلاديش بتشجيع من قوى الاستعمار ذاتها، إنَّ كلَّ الدلائل تؤكد على أنَّ انفصال الباكستان كان يعبر عن نبوغ استعماري مبكر لمستقبل العالمين العربي والإسلامي، كما يستدل على ذلك من خلال عملية المتابعة الحثيثة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لمهمة تفتيت العالمين العربي والإسلامي، وفقاً لمخططي "برنارد لويس" و"رالف بيترز".

عودة على بدء، إن جمهورية الباكستان أقيمت على أسس مذهبية وعقائدية إسلامية لكن سرعان ما تخلى عنها نظام الحكم بعد إعلان الانفصال عن الهند، وواجه بالحديد والنار كل من طالب بإعلاء راية الإسلام، وأعلنت في البلاد حالة الطوارئ في عام 1953م، ولنفس السبب ساءت أحوال المسلمين في الهند بعد أن أضعف انفصال الباكستان عن الهند موقفهم كمسلمين هنود، وباتوا يُطالبوُن من قبل اليمين الهندي بالرحيل إلى الباكستان بعد أن حكموا الهند منذ أواخر عهد الأمويين وحتى بداية الاستعمار الإنجليزي في عام 1857م، إن المشكلة التي عاشها النظام الباكستاني منذ البداية بقيادة "محمد على جناح" هي مشكلة في انقلاب مهمة الدولة من مرسخة للفضيلة وراعية للقوانين إلى دولة امتهنت الكذب والخداع لأنها أصبحت مجبرة على اللهاث خلف الاستعمار الإنجليزي، لقد حصدت الباكستان نتاج هذا الخداع حالة مقيمة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتواصلة وتصفية الزعماء السياسيين.

وتقدم وضع الباكستان درجة إضافية في سلم الخطورة بعد امتلاكها للسلاح النووي في عام 1998م، وقد حاول الاستعمار بعد هذا التاريخ الاستحواذ على الهند، مستخدماً الخطر الباكستاني، وخاصة بعد انتهاء (زمن الحكام الوطنيين) باغتيال (راجيف غاندي) في 21 أيار1991م، وفي هذا السياق علينا أن نتذكر دور الهند المهم في دعم القضية الفلسطينية ومؤازرة (م.ت.ف) في المحافل الدولية، وقد كانت (أنديرا غاندي) تولى علاقتها بالرئيس عرفات أهمية استثنائية، لدرجة أنها كانت تستقبله في غرفة نومها، دوناً عن زعماء العالم الذين كانوا يزورن الهند.

وقد مهد صعود اليمين الهندي إلى سدة الحكم الطريق لطور علاقات الهند بإسرائيل والاستعانة بالخبرة الإسرائيلية في مطاردة الإسلاميين في كشمير، وتزايد مشتريات الأسلحة الهندية منها، ورفع مستوى العداء للباكستان وازدياد التعسف الداخلي ضد المسلمين وهدم مساجدهم في العديد من المقاطعات والمدن الهندية وقد تمكن المتطرفون الهندوس من هدم المسجد البابري الشهير في عام 1992م، في مدينة أيودا، كخطوة تمهيدية لرفع أعمدة معبد الإله راما على أنقاض المسجد، بل وانتهكت حرمة كثير من المساجد منذ ذلك التاريخ في حوادث سجلها ناشطون في منظمات حقوق الإنسان الهندية، قدموا شهادات عن اقتحام الهندوس للمساجد وتنصيب تماثيل وصور الآلهة الهندوسية على جدرانها وفي مداخلها.

بل إن (تيستا سيتالفاد)، وهي إحدى الناشطات في منظمة محلية للمرأة، تمكنت من زيارة مسجد "بابان شاه" في إحدى قرى (إقليم غوجرات) الذي شهد آخر نوبة للعنف الهندوسي ضد المسلمين في عام 2002م، فكتبت تقول: "لم يتعرض القرآن لتمزيق صفحاته ودهسه فحسب، بل كان لدى المتطرفين الهندوس الوقت الكافي للتغوط عليه".

إن تأجج الصراع الهندي الباكستاني شجع كلا البلدين على الالتحاق بركب التحالف مع الولايات المتحدة، بينما كانت هي تستخدم كل طرف ضد الآخر لتحقيق مآربها المتمثلة بالسيطرة المطلقة عليهما، واقتيادهما كما تشاء إلى مشاريعها وخططها الاستعمارية في آسيا، وفي مقدمتها استخدام الهند في التصدي لصعود الصين واستخدام النظام الباكستاني في التصدي لنمو الروح الجهادية لدى الجماعات الإسلامية الباكستانية المرتبطة بالقبائل الأفغانية، وهي جماعات متعددة، تجاهر بتعصبها الإسلامي، كالجماعة الإسلامية وجمعية علماء الإسلام بجناحيها وجمعية علماء باكستان وجمعية أهل الحديث والحركة الإسلامية.

وقد أصبح للباكستان دوراً أكثر خطورة بعد الحادي عشر من أيلول 2001م، وإعلان الولايات المتحدة حربها على (الإرهاب)، وانخراط النظام الباكستاني بكل قواه في هذه الحرب، وتزامن ذلك مع وجود استعدادات سياسية لدى نظام (برويز مشرف) لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لضمان مساعدة الولايات المتحدة له ضد خصومه الداخليين ومن الخطر الهندي، وهذا الدور كان سبباً مباشراً لنمو وازدهار الجماعات الإسلامية في الداخل الباكستاني ليظهر إلى العلن تنظيم جديد يحمل اسم (طالبان باكستان) إن فشل الجيش الباكستاني في لجم نشاطات تنظيم القاعدة على الحدود ومنطقة القبائل أدى إلى تدخل الولايات المتحدة عسكرياً منذ بداية عام 2008م، والقيام بقصف يومي متواصل لمناطق الحدود الأفغانية الباكستانية.

لقد كانت هذه النتيجة إحدى ثمار الانخراط الباكستاني في الحرب على (الإرهاب)، الذي لا ناقة له فيها ولا جمل، إن هذا المتغير دفع الولايات المتحدة إلى التفكير بتغيير قواعد وأدوات اللعبة في الباكستان وطلبت من (برويز مشرف) التخلي عن الحكم، والسماح بعودة (بناظير بوتو) ابنة رئيس الوزراء السابق (ذو الفقار علي بوتو)، الذي قتل في عام 1979م بعد أن قرر عدم الإصغاء للتهديد الأمريكي لثنيه عن السماح للعالم النووي الباكستاني (عبد القدير خان) الاستمرار في أبحاثه النووية، فقال له (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأميركي حينذاك: "إذا صنعت قنبلة ذرية سأجعلك أمثولة للآخرين".

وهذا يندرج ضمن مخطط أمريكي شامل للتدخل في الشأن الباكستاني الداخلي، ليتم تصفية (بناظير بوتو) بنفس طريقة اغتيال (رفيق الحريري) تقريباً، توطئة لتدخل الأمم المتحدة التي ستوصي بقرارات تخول مجلس الأمن بتنفيذها لاحقاً، ضمن صلاحيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز لنفسه شن عمليات عسكرية ضد دولة ما، كما كان الحال ضد كوريا الشمالية 1950م ـ 1953م، وضد يوغسلافيا عام 1999م، والعراق في العام 2003م، وتشكلت بموجب أحكام هذا الفصل قوات (حفظ السلام) في كوسوفو، وتيمور الشرقية، وسيراليون، والكونغو.

إن نجاح السياسات الاستعمارية ليس أمراً سحرياً بمقدار ما تشكل خلافات الخصوم السياسيين في الدولة الواحدة مدخلاً فريداً لنجاحه، حيث أن الفشل في إدارة الخلاف ذي النزعات المادية والإثنية بين الخصوم السياسيين يودي في البلاد دائماً إلى الجحيم، وهو استغلال عبقري من جانب الاستعمار الذي يذكي نار هذه الخلافات بالمال والسلاح، وهكذا تدور الأحداث بلا توقف وهي تطحن الشعوب المقهورة، كون "الخلافات هي المحرك الأساسي للتاريخ" وفقاً لهيجل، وثبت أن إدارة الخلاف أهم من موضوع الاختلاف، وهي هواية دول الاستعمار بلا منازع، لذا فإن الخسارة دائماً تكون من نصيب الطرف الأقل تدبراً وإمساكاً بخيوطه، إلى ذلك فقد تمكنت إمبريالية القرنين التاسع عشر والعشرين من صناعة الخلافات بين الدول، وتحكمت بمسار تلك الخلافات وسرعاتها ولربما سيستمر هذا الوضع لسنين طويلة قادمة.

القلق المستمر

إن قلق إسرائيل وحلفائها الغربيين من الباكستان ينبع من إمكانية وقوع البلد في قبضة القوى الإسلامية، وهو احتمال قائم على أي حال، وتسعى تلك الجماعات إليه ليل نهار وبكل السبل، فإذا استولت هذه الجماعات على الحكم، يعني وقوع الخطر وترقب انعكاساته بالنسبة للإسرائيليين والأمريكيين، بعد أن أصبحت هذه الجماعات تملك مفاتيح تشغيل وإطلاق الصواريخ والقنابل النووية، فانعقد الرأي لدى الدول الاستعمارية على أنه لا حل للمشكلة الباكستانية إلا بإشعال حرب وقلاقل أهلية داخلية لا نهاية لها، أو صناعة عدواً دائماً للباكستان يمكن أن تفرغ حمولته النووية عليه، وقد لجئوا إلى إذكاء نار العداء بين الباكستان وجارتها الهند، مؤكدين للباكستانيين دائماً على أن عدوهم الوحيد هم الهندوس وليس إسرائيل، وأن القنبلة الباكستانية يجب أن توجه ضد الهند وليس إلى غيرهم، بالمقابل يقال للهنود بأن عدوكم الحقيقي هو باكستان، وإن القنبلة موجهة إليكم وليس للإسرائيليين والأمريكيين.

عقبات في وجه المخطط

وفقاً لتقرير التنمية الإنسانية الصادر عن الأمم المتحدة للعام 2006م، "فإن الباكستان تمتلك مجتمع مدني ناضج ونقابات مهنية قوية"، كنقابة محامو باكستان التي أفشلت أكثر من قرار للحكومة الباكستانية، وأهمها فرض الإقامة الجبرية على رئيس المحكمة العليا، ويوجد في الباكستان شبكة أسطورية من المدارس الدينية، يصل تعدادها إلى أربعة آلاف مدرسة أنشئت في سبعينيات القرن العشرين، وكانت تقوم بمهمة تجنيد وتعبئة المقاتلين العرب والمسلمين من مختلف دول العالم، لمساعدة المقاومة الأفغانية في قتال السوفييت، وساعدت الدول الغربية في تمويل ودعم تلك المدارس وهي الآن ممنوعة وملاحقة.

يضاف إلى هذا، أن التنوع المذهبي في باكستان كان دائماً في صالحها، وتبدل هذا الوضع خلال فترة (برويز مشرف) وما زال، وخاصة بين السنة والشيعة الذين يصل تعدادهم إلى خمسة عشر مليون نسمة، حيث تقوم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بحملة متواصلة لإثارة النزاع بين المذهبين الإسلاميين بتجنيد العملاء الإنتحاريين الذين يفجرون المقامات الشيعية والسنية المقدسة، في محاولة لصناعة مدخل يفضي إلى التأسيس لقسمة مذهبية باكستانية على شاكلة النموذج العراقي.

إن بلداً إسلامياً بحجم الباكستان، يبلغ تعداد سكانه (191 مليون) نسمة، أي ضعف عدد سكان فرنسا، أكثر من نصفهم أطفال تقل أعمارهم عن (15) عام وهذا يعني امتلاك باكستان لثروة بشرية شابة، إلا أن انتشار الأمية والفقر في صفوفه، جعل من أغلبية هذه الثروة مجرد طبقة عاملة، حيث تعتبر باكستان من أهم الدول المصدرة للعمالة على مستوى العالم، وبالأخص إلى دول الخليج العربي، فيما تصل نسبة النساء (47.5%) من إجمالي عدد السكان.

وهذه المعطيات وفرت البيئة المناسبة لنهوض الخيار الإسلامي، الذي يحاكي الوجدان الإنساني ويعالج الفقر بالصبر على البلاء. إن الاطلاع على الحالة الكلية لشعوب وسط جنوب أسيا وتحديداً (باكستان وأفغانستان) تشعرك بأنهم بحاجة للقرآن أكثر من حاجتهم للأكل، إن نمو الروح القتالية والجلد على الصعاب هو أمر موروث ومكون أساسي لشخصية الإنسان الباكستاني، وهو أمر لربما لا تدركه الدول الاستعمارية، أو تعلمه علم اليقين وتصر على تجاهله.

بناءً عليه فإننا سنلاحظ، بأن هناك خطر متجدد يبرز من جديد أمام الإدارة الأمريكية في أفغانستان وباكستان، لذا فإن الرئيس "أوباما" طلب من الحكومة الباكستانية ضمانات خطية في أعقاب إفراجها عن العالم النووي (عبد القدير خان)، تؤكد بأنه لن يعود إلى ممارسة نشاطه في نشر أسرار الصناعة النووية، والإدارة الأمريكية جعلت من أفغانستان وباكستان أولوية لها خلال الأربع سنوات القادمة (2009- 2013م)، لذا من الممكن أن نرى انسحاباً أمريكياً من العراق وتعزيزاً للقوات في أفغانستان، وتكثيفاً للغارات الجوية على الحدود الأفغانية الباكستانية، إن لم تشهدا غزواً برياً لنفس المنطقة.

وذلك بعد سيطرة طالبان أفغانستان وباكستان على كامل المناطق الحدودية الوعرة وهي أمكنه صعبة التضاريس، وكانت رغم ذلك ممراً لعبور المقاتلين العرب والمسلمين من باكستان إلى أفغانستان في نهاية سبعينيات القرن العشرين، وهذا التطور يعبر عن فشل قوات الناتو في السيطرة على أفغانستان حيث تتوسع سيطرة طالبان في الجنوب والشمال الغربي، رغم وجود هذه القوات فوق التراب الأفغاني، فضلاً عن سيطرة الجماعات الإسلامية على كامل منطقة القبائل الباكستانية المحرمة على القوات الحكومية الباكستانية.

إن الاستعاضة عن هذا الفشل بقصف الطيران الأمريكي لمناطق الحدود المذكورة، لن يزيد إلا من خسارة الأمريكيين وتأليب الشارع الباكستاني ضد الحكومة التي ذاقت ذرعاً بموقف المتفرج الذي تلعبه لغاية الآن، إن انتظار الولايات المتحدة الحالي لحدوث اقتتال بين الجيش الباكستاني ومسلحي القبائل، لن تفيد في شيء، لأن ذلك لن يحدث رغم العداء القوي بين الجانبين، إن (تربص العدو الهندي) وفقاً لتعبير الباكستانيين يحرم عليهم الإقدام على مثل هذا الأمر، وإن تجاوز النظام الباكستاني لأزمة تفجيرات فندق مومباي في تشرين الأول 2008م، كان له الأثر الأكبر في توسيع مدارك النظام وقوى المعارضة والمجتمع المدني لما تحيكه الولايات المتحدة ضد بلادهم، لذا فإن الرئيس الباكستاني استجاب لنداء المجتمع الباكستاني برفع الإقامة الجبرية عن عبد الرحيم خان يوم 6 شباط 2009م، صانع القنبلة النووية الباكستانية، وهو أمر يندرج ضمن الاستعداد الباكستاني النفسي الباكستاني لمواجهة الهند وحلفائها.

في نفس اليوم أعلن "بان كي مون" عن انتهاء الأمم المتحدة من الاستعداد للبدء بالتحقيق في مقتل رئيسة الوزراء السابقة "بناظير بوتو"، التي قتلت في 27 كانون الأول 2007م، تمهيداً لتدخل الأمم المتحدة في باكستان على غرار ما حدث في العراق، وهذا أمر وارد جداً، وفي هذا السياق لن يستبعد أن تأمر الولايات المتحدة، الهند بشن حرب جديدة ضد الباكستان.

استنتاج

يستفاد من هذه القراءة لحالة الباكستان الراهنة بأن هناك إصرار أمريكي و أوروبي على تصفيتها كدولة موحدة، وتقسيمها على أسس عرقية ومذهبية بحدود جديدة، لخلق دول جديدة مثل بلوشستان، وفقاً لمخطط (Ralph Peters) صاحب مشروع حدود الدم(Bloodborders How Middle East would look)الذي يدعو فيه إلى تقسيم أفغانستان وباكستان، وهو المشروع والذي صدر في صيغته الأولى باسم مشروع "الشرق الأوسط الكبير" في 12 شباط 2004م، ويدعو إلى تقسيم إيران وأذربيجان وتركيا والمملكة العربية السعودية وسوريا ومصر والسودان ولبنان والأردن والجزائر وتونس.

إن هذا الخطر الذي يهدد باكستان - ذو القدرة النووية- بالشطب أو التقسيم هو خطر حقيقي كما الخطر القائم في فلسطين، وهو تنفيذ لمشروع يفوق "سايكس بيكو" خطورة على مستقبل الأمتين العربية والإسلامية. إن إصرار الدول الاستعمارية على تنفيذه، أمر يستدعي إحلال الخراب في كامل الدول المرشحة حدودها للحذف والإضافة أو التعديل، وبالمقابل يستدعي يقظة الأمتين العربية والإسلامية لمواجهته وإفشاله.

(*) باحث ومؤرخ فلسطيني معاصر