الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ترامب "الرئيس الأمريكي الأسوء"

نشر بتاريخ: 16/01/2021 ( آخر تحديث: 16/01/2021 الساعة: 10:53 )

الكاتب: د. رمزي عودة

لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يواجه رئيس أمريكي إجراءات العزل القانوني لمرتين في تاريخ ولايته، وهي مسألة ستكون بمثابة وصمة عار على هذا الرئيس الذي طالما تباهى في شعبويته وتطرفه، وأغرق الولايات المتحدة بسلسة من السياسات الداخلية والخارجية المتطرفة تحت شعار "أمريكا أولا". وبالمحصلة أسفرت هذه السياسات الداخلية عن فشل ذريع في إدارة ملف كورونا في البلاد، وعن تصاعد حالات التطرف والعنصرية، وعن تباطؤ حاد في الاقتصاد. كما أدت السياسات الخارجية الترامبية الى إغضاب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين مثل دول الإتحاد الأوروبي الذين إنزعجوا من طريقة إدارة القيادة الأمريكية المنفردة للنظام الدولي. إضافة الى إشتعال الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وإرتفاع وتيرة التوتر والتسلح في إدارة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. زيادة على ذلك، فان صفقة القرن والسماح لإسرائيل بالتوسع الاستيطاني ونقل السفارة الى القدس؛ كلها سياسات أدت الى إحراج الولايات المتحدة عربيا ودوليا، بإعتبارها سياسات إنتهكت قواعد القانون الدولي، ولم تؤدي الى تحقيق السلام في المنطقة كما كان يروج لها ترامب. بالنتيجة، فإن ترامب يستحق بجدارة لقب "الرئيس الأمريكي الأسوء" في تاريخ الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي جعله يواجه إجراءات العزل مرتين في تاريخ ولايته.

بأغلبية 232 صوتا مقابل 191، نجح جميع النواب الديمقراطيين و10 نواب جمهوريين، مساء الأربعاء الماضي في مجلس النواب بالموافقة على إجراءات عزل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وأقرّ لائحة إتهامه في إطار "التحريض ضد التمرد". ويحتاج قرار عزل ترامب موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ (نحو 37 سيناتور). من جانبه، أكّد ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، أنّه لن يدعو مجلس الشيوخ للإلتئام قبل الموعد المقرّر لإستئناف جلساته في 19 يناير الحالي، مبرّرا قراره هذا بأنّه "حتى لو بدأت إجراءات (المحاكمة) في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع وسارت بسرعة، فلن يتمّ التوصّل إلى حُكم نهائي إلا بعد أن يكون الرئيس ترامب قد غادر منصبه". وقد أعرب بايدن في بيانه إستعدادا لحفل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة عن أمله في "أن تجد قيادة مجلس الشيوخ طريقة تمكّنها من أن تتعامل في آن واحد مع مسؤولياتها الدستورية بشأن إجراء العزل، ومع الشؤون العاجلة الأخرى لهذه الأمة".

في الواقع، من غير المتوقع، أن يتم التصديق على عزل الرئيس الأمريكي من قبل مجلس الشيوخ، حيث أن قرار العزل يحتاج الى أغلبية الثلثين؛ وهي أغلبية مستحيلة تحققها لاسيما في قرار مهم مثل قرار عزل الرئيس. ومع هذا، فان إصرار الديمقراطيين الذين يعووا هذه الصعوبة جيدا على محاكمة الرئيس، يمكن فهمها من خلال أربعة أهداف رئيسية؛ وهي:

الهدف الأول: تكريس الممارسة العملية للقيم الديمقراطية الأمريكية العليا المتعلقة بإحترام حقوق الإنسان وإحترام مبادئ الدستور الأمريكي من قبل الرئيس الأمريكي بإعتباره حاميا لهذه المبادئ. وبالضرورة، فإن محاكمة ترامب لإختراقه هذه المبادئ ستكون رادعا لأي رئيس أمريكي قادم يمكن أن يفكر في إنتهاكها كما فعل ترامب.

الهدف الثاني: منع ترامب من العمل السياسي لاحقا، حيث أن الدستور الأمريكي ينص على عدم جواز قيام الرئيس المعزول بالترشح للإنتخابات أو لتقلد أي منصب سياسي.

الهدف الثالث: محاكمة ترامب جنائيا، حيث يؤكد خبراء الدستور في الولايات المتحدة أنه يمكن أن تتم محاكمة ترامب جنائيا لإرتكابه أعمال ترتقي لمستوى الجرائم أثناء ولايته؛ مثل تحريض مؤيديه على إقتحام مبنى الكابيتول، وإرتكابه جرائم مالية، وإنتهاكات لقانون تمويل الحملات الانتخابية، وعرقلة سير العدالة، والفساد، وذلك وفقا لما أوردته شبكة سكاي نيوز العربية نقلا عن صحيفة نيويورك تايمز قبل عدة أيام.

الهدف الرابع: إطالة فترة محاكمة ترامب من قبل مجلس الشيوخ، حيث أن إجراءات المحاكمة والتحقيق في مجلس الشيوخ تستمر في العادة لفترة طويلة، ويجوز حسب الدستور الأمريكي أن تستمر محاكمة الرئيس من قبل مجلس الشيوخ حتى بعد إنتهاء فترة ولايته. وبالضرورة، فإن إجراءات التحقيق والمحاكمة ستعزز من حظوة الديمقراطيين في الشارع الأمريكي، ويمكن إستثمارها لاحقا في تعزيز صعود الديمقراطيين في أي إنتخابات قادمة تشريعية أو رئاسية أو محلية.

وفي المحصلة، فإن عهد ترامب لن ينتهي فقط في العشرين من الشهر الجاري، وإنما سيستغل الديمقراطيين بذكاء إنتهاكات ترامب وشعبويته بهدف إنهاء "الترامبية" في المجتمع الأمريكي. وسيعمدون بالضرورة الى إستصدار تشريعات وسياسات من شأنها أن تمنع تيار الترامبية من الصعود مجددا في العمل السياسي في الولايات المتحدة. وسيتحتم على الجمهوريين لمواجهة هذه الضغوط التي ستستمر طول فترة إدارة بايدن إعادة بناء حزبهم، وإستئصال تيار الترامبية المتفشي بين صفوفهم، إذا ما أرادوا أن ينافسوا بقوة في الإنتخابات العامة القادمة في الولايات المتحدة.