الكاتب: د.عيسى مبارك
هي ليست "دولة"، وليست "ديمقراطية"
في خضمّ الضجيج الإعلامي الغربي عن "إسرائيل" كـ"دولة ديمقراطية متطورة"، و"واحة العلم والتحضر في الشرق الأوسط"، يُغفل الكثيرون حقيقةً بسيطةً لكنها مفصلية: "إسرائيل" ليست سوى قاعدة عسكرية متقدمة للإمبريالية الغربية، مُصمَّمة لضمان هيمنة المشروع الاستعماري على المنطقة، أسستها بريطانيا، ثم تناوبت أمريكا إدارتها. فكلّ أدوات تفوّقها العسكري والأمني – من الطائرات الشبحية إلى منظومات "ثاد" – هي منتوج أمريكي خالص، وكلّ ادعاءات "القوة الذاتية" ما هي إلا أوهامٌ ترويجية تهدف إلى تزييف الوعي.
الوهم الديمقراطي: دولة عنصرية بامتياز
لا يمكن لمنظومة قائمة على الفصل العنصري الممنهج أن تكون "ديمقراطية". فـ"إسرائيل" تكرّس تمييزًا قانونيًا وعمليًا ضد الفلسطينيين، سواءً داخل الخط الأخضر (حيث يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية) أو في الضفة الغربية المحتلة (تحت نظام فصل عنصري يشبه الأبارتايد). حتى اليهود أنفسهم ليسوا سواسية؛ فالتفضيل لليهود الأشكناز (الأوروبيين) على حساب اليهود الشرقيين (المزراحيم) يُكشف زيف أسطورة "الدولة التعددية".
أما الادعاء بأن "إسرائيل تهتم بالعلم والابتكار"، فهو أحد أدوات التضليل. فـ"التقدم التكنولوجي" الإسرائيلي – خاصة في المجال العسكري – يعتمد كليًا على التمويل الأمريكي الغربي، ونقل التكنولوجيا من البنتاغون. فكيف تكون "معجزة علمية" بينما ٧٠٪ من أبحاثها التطبيقية ممولة من الخارج، وأغلب شركاتها الناشئة تُباع فورًا لشركات أمريكية؟!
القاعدة الأمريكية: جسر جوي لا ينقطع
الحقيقة الأهم هي أن "إسرائيل" ليست سوى ذراع تنفيذية للإمبراطورية الأمريكية الغربية في المنطقة. كلّ مقومات بقائها العسكري تُقدَّم لها كـ"هدايا" دون مقابل:
الطائرات الشبحية (F-35) التي تخترق الأنظمة الدفاعية العربية: أمريكية.
صواريخ "جايلو" التي تستهدف المدنيين في غزة وتغتال القادة في الأنفاق: أمريكية.
منظومة "ثاد" التي تحمي سماءها: أمريكية، وكل صاروخ منها يُكلّف ١٢ مليون دولار (تدفعها الضرائب الأمريكية!).
الجسر الجوي العسكري الذي يُعيد تعبئة مخزونها خلال ساعات في أي حرب: أمريكي.
بل إن القوات الأمريكية تتدخل مباشرةً للدفاع عن "إسرائيل" دون حاجة لطلب المساعدة، كما حدث في الهجوم الإيراني العام الماضي (أبريل ٢٠٢٤)، حيث أسقطت الطائرات والبطاريات الأمريكية – وليس الإسرائيلية – معظم الصواريخ!
اختبار بسيط: ماذا لو توقفت المساعدات الأمريكية الغربية؟
لو أوقفت واشنطن دعمها المالي والعسكري لإسرائيل ليوم واحد، لانهارت قدرتها على الصمود أمام أي مواجهة مع حزب الله أو المقاومة الفلسطينية. فدون التمويل الأمريكي (٣.٨ مليار دولار سنويًا، دون حساب الدعم السري)، ودون الغطاء الاستخباري (الأقمار الصناعية الأمريكية توجّه ضربات "إسرائيل")، ودون الحماية السياسية (الفيتو الأمريكي البريطاني في مجلس الأمن)، ستكون "إسرائيل" دولة غير قابلة للحياة في محيط يرفضها.
الخاتمة: بلاش استعباط!
الحديث عن "قوة إسرائيل الذاتية" هو ضرب من الاستعباط الفكري، أو انعكاس للخطاب الصهيوني المُروّج إعلاميًا. الحقيقة أن "إسرائيل" مجرد واجهة عسكرية للغرب، ومشروعها لن يصمد دون دعم الإمبراطورية. أما زعم أنها "نموذج ديمقراطي"، فهو سذاجة تُغفل أنها دولة احتلال عنصري، ولو كانت في أفريقيا أو آسيا لاعترف العالم كله بجرائمها ضد الإنسانية.
فبدلًا من الانبهار بـ"الأسطورة الإسرائيلية"، يجب فضحها: فـ"إسرائيل" ليست دولة، بل قاعدة استعمارية – وما زال زوالها مسألة وقت.