الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

إسرائيل "ستهز قارب الانتخابات الفلسطينية بقوة"!

نشر بتاريخ: 27/02/2021 ( آخر تحديث: 27/02/2021 الساعة: 09:42 )

الكاتب: د. رمزي عودة




يبدو أن إسرائيل الآن قلقة أكثر من أي وقت مضى من تزايد إحتمال نجاح الفلسطينيين بعقد إنتخاباتهم التشريعية التي تعطلت لمدة تزيد عن 14 عاما. ويظهر هذا القلق جلياً بتصريحات الساسة ومراكز الإعلام والبحث الإسرائيلية بشأن الإنتخابات الفلسطينية، فقد نشر موقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) البريطاني مقالاً يرى فيه كاتبه الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان "أن أجهزة الأمن الإسرائيلية لا ترغب في أن تجري الإنتخابات الفلسطينية التي أعلن عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إذ لا تريد تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، وليست لديها إجراءات تُذكر للتأثير على الإنتخابات المرتقبة"، وفي نفس السياق، فقد دعا مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في تقرير خاص عن الإنتخابات الفلسطينية، صنّاع القرار في إسرائيل إلى محاولة فهم الدوافع الحقيقية حول إصدار المرسوم الرئاسي المتلعق بالإنتخابات، وفهم تداعيات هذا القرار على الأمن القومي الإسرائيلي. من جانب آخر، وعلى الصعيد الميداني، إعتقلت مؤخراً أجهزة أمن الإحتلال الإسرائيلي العديد من كوادر العمل الوطني من مختلف الفصائل، في خطوة فُهمت بأنها رسالة واضحة من حكومة الإحتلال تفضي إلى عرقلة إجراء الإنتخابات، والتأثير سلباً على عملية المشاركة فيها، لاسيما في مدينة القدس المحتلة.
وتعود دوافع قلق وتخوف حكومة الإحتلال من إجراء الإنتخابات الفلسطينية إلى عدة أسباب، أهمها:
أولاً: إن الإنتخابات الفلسطينية قد تكون خطوة في الطريق الصحيح لإنهاء الإنقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الأمر الذي لا يتماشى مع مصالح دولة الإحتلال التي ترى في الإنقسام الفلسطيني حالةً تُكرس إحتلالها للأراضي الفلسطينية.
ثانياً: إن الإنتخابات الفلسطينية ستعزز من قوة حركة فتح في الشارع الفلسطيني؛ فمن خلال تعزيز شرعيات قياداتها وضخ الوجوه الشابة الجديدة في صفوفها، فإن حركة فتح بإعتبارها صاحبة المشروع الوطني، ستكون أكثر قدرة على مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين.
ثالثاً: إن الإنتخابات العامة ستعزز مكانة وحضور السلطة الوطنية الفلسطينية وطنياً وإقليمياً ودولياً، وخاصةً أن هذه السلطة عند إجرائها للإنتخابات ستكون أكثر قرباً من المعايير الدولية للحوكمة والديمقراطية، وهو الأمر الذي سيجعلها أكثر قدرة على التحرك الدبلوماسي والقانوني الإقليمي والدولي ضد إستمرار الإحتلال، كما أن هذه الإنتخابات ستعزز من قبول الدول الغربية والمنظمات الدولية للمطالب الفلسطينية المتضمنة في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة إنسجاماً مع قرارات الشرعية الدولية.
رابعاً: إن إجراء الإنتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية، ومشاركة المقدسيين فيها، سيكون بمثابة رسالة واضحة للعالم أجمع، تؤكد على رمزية القدس ومكانتها الدينية والسياسية بالنسبة للفلسطينيين، بإعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية. وبإعتبار أن المقدسيين يؤكدون في تصويتهم، على هويتهم العربية الفلسطينية ويرفضون كل إجراءات التهويد والضم لمدينتهم. وعلى هذا، تحاول إسرائيل جاهدةً منع المقدسيين الذين يزيد عددهم عن 370 ألف فلسطيني من المشاركة في هذه الانتخابات تصويتاً وترشيحاً. وتتنكر لإتفاق أوسلو 2 عام 1995 الذي أكد على حق المقدسيين في التصويت من خلال مراكز البريد في المدينة. وفي هذا الإتجاه، لم تجب حكومة الإحتلال الى الآن على طلب القيادة الفلسطينية حول إجراء الإنتخابات بالقدس، وعلى حد تعبير الدكتور المقدسي وليد سالم، فإن " إسرائيل ردت على هذا الطلب بالإمتناع عن الرد".
خامساً: إن الإنتخابات الفلسطينية العامة ستسمح للفلسطينيين بتجاوز إتفاق أوسلو رغماً عن إسرائيل، لأن هذه الإنتخابات ستتضمن إعادة إنتاج مجلس وطني فلسطيني يضم مختلف التيارات الفلسطينية بما فيها تلك الرافضة لإتفاق أوسلو أو تلك الداعية الى القضاء على إسرائيل وعدم الإعتراف فيها. وبالضرورة، فإن تعزيز حضور المجلس الوطني في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفق صيغ بعيدة عن أوسلو سوف يكون حتماً تهديداً صريحاً لإسرائيل ولأمنها، لاسيما أن المرسوم بقانون الذي أصدره السيد الرئيس محمود عباس وحوارات القاهرة التي تلت هذا المرسوم أكدت جميعها على عدم إشتراط الإلتزام بإتفاق أوسلو في عضوية المجلس الوطني، وهو الأمر الذي أثار حفيظة إسرائيل التي إعتبرت أن القيادة الفلسطينية قصدت من وراء هذا التعديل تجاوز أوسلو، لاسيما أن السيد الرئيس محمود عباس قد أشار في أكثر من خطاب له بأن أوسلو قد إنتهت بفعل التنكر الإسرائيلي لإشتراطات هذا الإتفاق، وبفعل إصرار الفلسطينيين على إستقلال دولتهم وعاصمتها القدس.
من التحليل السابق، نستنتج بأن اسرائيل لا تنظر بعين الرضا لإجراء الإنتخابات الفلسطينية، وهي ستقوم كما هو متوقع بوضع العديد من العراقيل لمنع إجراء الإنتخابات لاسيما في القدس، ومن هذه العراقيل المتوقعة إغلاق المناطق وقت الإنتخابات ومنع التنقل للناخبين، ومنع المقدسيين من التوجه إلى مكاتب البريد للإقتراع، إضافة الى أعمال الإعتقال والتنكيل، وربما تعطيل الشبكة العنكبوتية أو إختراقها أثناء عملية الإنتخابات الفلسطينية. وبالرغم من وجود هذه العراقيل يصر الفلسطينيون على إجراء الإنتخابات العامة، وقد أشار السيد الرئيس في أكثر من موقع بأن هذه الإنتخابات ستكون مصيرية وستؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من مراحل النظام السياسي الفلسطيني، كما أكد مراراً على إصرار القيادة على إجراء الانتخابات في القدس. وعلى تعزيز ترشيح المقدسيين في القوائم الإنتخابية للأحزاب المختلفة، وهو الأمر الذي أكد عليه المجتمعون في إجتماعات القاهرة الشهر الجاري.
وبالنظر الى أن إسرائيل لا تستطيع منع إجراء الإنتخابات الفلسطينية لعدة أسباب أهمها أنها لا تريد أن تظهر للعالم وخاصةً للإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة بأنها الدولة التي تتغنى بالديمقراطية، في الوقت الذي تعيق فيه العملية الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلافاً لإتفاق أوسلو. ونخلص من هذا الجدلية بأن مقاربة إسرائيل تجاه الإنتخابات الفلسطينية المقبلة تقوم على فكرة قريبة مما كتبه الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان، وهي "لماذا نهز القارب بقوة ؟"، وأشير هنا الى أن اسرائيل جزماً تخشى من نتائج الإنتخابات الفلسطينية، ولكنها لن تجازف حتماً بمنعها، وأقصى ما يمكن أن تعمد إليه هو أن تقوم بوضع "الأمواج الهائجة أمام قارب الإنتخابات الفلسطينية"، وذلك بهدف تصعيب الأمر على الفلسطينيين، وزرع بذوز الفتنة والإنقسام، وتفريغ العملية الإنتخابية من مضمونها المقاوم لها. بالمقابل، فإن على الفلسطينين أن يتمسكوا بقوة بمقاربتهم الخاصة بالإنتخابات، بإعتبارها مدخلاً للمصالحة، ومدخلاً لبناء الدولة والإنسان، ومدخلاً لتأكيد فلسطينية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة. وبالضرورة، عليهم أن يحددوا كافة السيناريوهات المحتملة من أجل مواجهة العراقيل التي ستضعها إسرائيل في وجه هذه الإنتخابات، وأن يتمسكوا بإرادتهم لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة، يكون عنوانها الحرية وقرارات الشرعية الدولية والمواطنة والحداثة وسيادة القانون.