الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

البلدة القديمة بالقدس ...واقع أليم وجرح نازف

نشر بتاريخ: 26/02/2021 ( آخر تحديث: 26/02/2021 الساعة: 14:03 )

الكاتب: رولا سلامة

لم يكن يوما كباقي الايام، كان يوما فيه من المتعة والشوق واللهفة الشيء الكثير، وفيه أيضا من الحزن والخجل والقهر الشيء الكثير، لم يسبق لي أن تجولت في أزقة البلدة القديمة من مدينة القدس لساعات طويلة أمر بحاراتها وأزقتها وأبوابها جميعا في يوم واحد، فعشقي لها لا حدود له، وعتبي على نفسي كبير لانني ومنذ أشهر لم أجد الوقت الكافي لاذهب في جولتي لداخل أسوار القدس وأستنسق عبق التاريخ وأتفقد أسواقها واشتري من الفلاحات كل ما تشتهيه الانفس .

انطلقت من منزلي قبل صلاة الظهر متوجهة للقاء ممثل عن تجار مدينة القدس، وعدني بزيارة مميزة ورحلة لن تنسى، وأخبرني أننا سننطلق لنبحث عن الحقيقة ونصور بأعيننا صورا لن تمحى من الذاكره ، فدائما كان في عقلي الكثير من الاسئلة عن واقع الاسواق والتجار وحركة البيع والشراء، وحالة الركود الاقتصادي قبل كورونا وخلال كورونا، كنت دائما أضع التصور وافكر في الحلول وأتخيل الاسواق تعج بالناس، وأتخيل الحياة تعود من جديد للبلدة القديمة، وسألت كثيرا عن هذا الموضوع وبحثت عن الشخص الذي يستطيع الاجابة عن كل تساؤلاتي، ووجدته .

حركة الناس قليلة ومحدودة، فبعض الاسواق التي مررنا بها كانت شبه فارغة، لم نشاهد أكثر من أطفال يعبرون الحارة ومعهم حقائبهم المدرسية، وبعض السيدات ومعهن أطفالهن وبعض الاكياس، فيبدو أنهن قد تسوقن احتياجاتهن وعدن لمنازلهن .

كانت غالبية المحال التجارية مغلقة، وبالكاد نرى محل أو اثنين في بعض الحارات مفتوحة وبها البضائع معروضه، وقرب هذه المحال عشرات المحال الاخرى مغلقة، فنظرت باستغراب للتاجر بصحبتي والذي رتب لي الزياره وسألته ما الذي يجري هنا ولماذا معظم المحال مغلقة ؟ فأخبرني أن عدد المحال المغلقة داخل البلدة القديمة يبلغ 312 محلا تجاريا، أي ما نسبته حوالي 21% من مجمل المحلات في البلدة القديمة، والباقي أي حوالي 1060 محلا مفتوحا.

ان أسباب الاغلاق يعود الى سياسة الاحتلال لتفريغ المدينة المقدسة، وفرض الضرائب الباهظة على التجار، في الوقت الذي تعاني منه الحركة الاقتصادية من ركود كبير بسبب عدم وصول القوى الشرائية لهذه المحال، وهذا له أسباب كثيرة منها، أن الاغلاق وعدم السماح لسكان الضفة الغربية بالدخول قد أثر على الحركة التجارية بشكل عام، وكذلك فان أصحاب هذه المحال لم يعد بامكانهم الصمود وتحمل الوضع الاقتصادي الصعب، فانتقلوا لأماكن اخرى داخل أو خارج أسوار البلدة القديمة، والتي قد يصل لها بعض المتسوقين ، والسبب الاخر الذي لا يقل أهمية عن السببين السابقين، فهو حالة الاكتفاء الذاتي التي انتشرت في بعض احياء مدينة القدس، سواء داخل الجدار أو خارجه، مثل أحياء العيزرية وأبو ديس والرام وغيرها، حيث أن هذه الاسواق أصبحت تحوي كل شيء تقريبا، وتغطي احتياجات المتسوقين، وبالتالي لم يعد هناك حاجة للمشترين بالقدوم للبلدة القديمة والشراء من تجارها .

أحد أصحاب المحال التجارية في حارة التصارى قال لنا " ان الحركة الشرائية متوقفه بسبب كورونا، وبسبب تضرر السياحة، والاغلاق المستمر المفروض على البلاد نتيجة لكورونا، وكذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة للناس، كلها عوامل أثرت علينا جميعا وأصبحنا على حافة الانهيار.

التاجر أبو محمد، والذي يملك محلا كبيرا عباره عن قهوة ومركزا ثقافيا، وفيه جلسة جميلة تصلح للقاء الاحبة وعقد الانشطة المختلفة ، يقول لنا أن الاوضاع غاية في الصعوبة، وأنه أحيانا يفتح محله من الصباح الباكر للمساء، دون أن يستفيد شيئا وأحيانا لا يزوره أي شخص، ويقول أن الاوضاع كارثية، وأن التجار لن يستطيعوا الصمود والبقاء هنا، دون أن يكون هناك من يقف الى جانبهم ويساعدهم ويساندهم ويوفر لهم الدعم على اختلاف أشكاله .

وفي مشوار العودة، سألت التاجر المعروف والذي رافقني بزيارتي للبلدة القديمة، وله باع طويل بالعمل مع التجار، لتثبيت صمودهم وتوفير سبل لدعمهم، عن الطريق الانجح لانعاش البلدة القديمة، وبث الروح فيها من جديد ، فقال لي " يجب وضع خطة للترويج للبلدة القديمة، وتحريك مشاعر الناس للقدوم والشراء من التجار داخل الاسوار، ودعمهم ليتمكنوا من الصمود"، وعندها، فكرت بخيارات كثيرة، فلماذا لا نفكر في ترتيب المهرجانات داخل البلدة القديمة، وتوفير الالعاب والمهرجين والانشطه المختلفة للأطفال، لنسليهم ونشجع ذويهم على احضارهم معهم، والتمتع باجواء البلدة القديمة، وعلينا كذلك أن نبحث عن الممولين ورجال الاعمال من فلسطين، ومن خارجها لدعم التجار، ودعم صمودهم ومساعدتهم بدفع ما عليهم من ضرائب وفواتير مياه وكهرباء ، علينا أن نعيد لاسواق البلدة القديمة حيويتها وتألقها ونشاطها، وأن نشجع كل من يستطيع القدوم للقدس، بأن يشتري من تجارها ويدعمهم.

وأثناء تجوالي شاهدت العديد من اليافطات بأسماء مؤسسات مقدسية، تعمل داخل البلدة القديمة، بعضها سمعت عنها وعن أنشطتها الشبابية والثقافية المختلفة، ولها حضور مميز على الساحة الفلسطينية والمقدسية بشكل خاص، والبعض الاخر لم أسمع عنها بالمطلق، وهنا قد تكون وقفتي الاخيرة ومناشدتي لكل المرجعيات والمسؤولين وكبار التجار، وكل محبي القدس وأحيائها وأزقتها وشوارعها ، لكل من عاشت فيه القدس وسكنت قلبه وفواده ، أن فكروا وابحثوا عن كل الطرق لنعيد للمدينة الحزينة بهجتها وتألقها ونعيد لها نشاطها، وندعم المؤسسات وندعم أنشطتها ونشجع على اقامة المهرجانات والمخيمات الصيفية والمخيمات الكشفية، ونوفر كل الامكانيات للكبار والصغار،علينا أن نركز على تاريخ المدينة، وأهميتها الدينية والتاريخية والثقافية، ونصيحتي لكل من يملك القرار والامكانيات المادية والمعنوية، أن يتحرك بسرعة وقبل فوات الاوان ، فالقدس تنادينا جميعا .

الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .