الأربعاء: 01/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مبادرة "فلحة" الزراعية.. وقصة نجاح وتحدي

نشر بتاريخ: 23/03/2021 ( آخر تحديث: 23/03/2021 الساعة: 17:20 )

الكاتب: رولا سلامة

لا يختلف أحد أن كورونا قد أحدثت زلزالا في كل مناحي الحياة، غيرت الكثير من عاداتنا اليومية، ومن تفاصيل عطلتنا الأسبوعية، ومن علاقاتنا مع أهلنا وأحبتنا، وغيرت من برنامجنا اليومي، ومن أولوياتنا، ولكنها أضافت بعدا غاب عنا لبعض الوقت، أحدثت انقلابا في مفاهيم حياتنا، وتركت لنا مساحة ليست قليلة للتفكير بالغير ايجابا وسلبا.

وقضية من القضايا التي أحدثتها كورونا وما صاحبها من أوضاع اقتصادية سيئة للغاية، وأوضاع اجتماعية لا تقل سوءا عن سابقتها، المبادرات التي انتشرت في مختلف مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، مبادرات تهدف لدعم الاسر المتعففه أحيانا، أو دعم قطاعات مختلفة أحيانا أخرى مثل الصحة، التعليم والزراعة، فمبادرات الزراعة وشراء المحاصيل الزراعية من المزارع مباشرة، كانت من المبادرات الفاعلة جدا والناجحة وكان لها الاثر الأكبر في دعم المزارع والتصدي لجشع التجار.

وأثناء المبادرات نكتشف القصص التي تستحق أن توثق، قصص نجاحات لأسر أو أفراد تعرفنا عليهم أثناء ترتيب المبادرة أو أثناء تنفيذها، ونحن في شهر أذار – شهر المرأة بامتياز – نقف في مبادرتنا هذه مع قصة فيها التحدي والصمود والمثابرة والاصرار على النجاح، "فلحة" سيدة مثابرة نشيطة عملت بالعديد من المؤسسات لمدة سبع سنوات، أثبتت خلالها جدارتها وتميزها، ولظروف خاصة، تركت العمل وقررت افتتاح مشروع زراعي على قطعة أرض تملكها الأسرة، حصلت على تمويل من اتحاد العمل الزراعي، وبتدريب ومتابعة من شباب الاتحاد الزراعي الذين ساعدوها الى أن وقفت على رجليها، وتعلمت الزراعة والفلاحة والاهتمام بالأرض .

تقول "فلحة": "قبل خمس سنوات، قدمنا لهذا المشروع، وحصلنا عليه، وبعد التدريب استطعنا أن ندير المشروع، وها أنا وشقيقتي فاطمة وزوجة أخي وأخي الاخرنعمل به، فنحن نعمل بكل شيء، بالزراعة والفلاحة والقطاف، ونستمع كثيرا بعملنا."

وتضيف "أن العمل بالأرض يزيد من ارتباطنا بها، وحبنا لها، وهذا العمل والمشروع قوى من شخصيتي، وساعدني باتخاذ القرارات الكثيرة دون تردد، ساعدني لأساعد غيري من النساء وجعلني قدوة لهن".

وحول انتخابها عضوة في البلدية، تقول "فلحة": "لقد تم انتخابي عضوة في بلدية النويعمة والديوك الفوقا، وخدمت مجتمعي والكل يشهد بذلك، وواجهت العديد من المشاكل والصعاب كوننا نعيش في مجتمع ذكوري، ولكني صمدت وصبرت واستطعت أن أخدم مجتمعي وأتحمل المسؤولية، وما زال أمامي الكثير لأعمله، فطموحي لا حدود له".

وأثناء جمعنا للخضار والأعشاب في مزرعة "فلحة"، تعرفنا على الحاجة أم مسلم، سيدة في منتصف السبعينات من عمرها، تعمل بالارض منذ عشرات السنين، تقول" توفي زوجي وأنا صغيرة، ولا معيل لي ولأطفالي، فقمت باستئجار قطعة أرض لأزرعها، وأحببت الارض والزراعة، فأعطتني من خيراتها، وكنت اذهب لمدينة القدس يوميا لبيع الخضار وأعود لصغاري وأوفر لهم احتياجاتهم، لم تكن حياتي سهلة أبدا."

"أم مسلم" تتمتع بروح جميلة، تجمع الخضار وتقسمها، وتعلمنا كيف نرتبها بطريقة جميلة حتى لا تفقد رونقها، وتقول: "لدي ابن شهيد وآخر أسير وأنا المعيلة لاسرهم، أصحو عند اذان الفجر ، اصلي وأذهب للارض لجمع الخضار والمحصول".

وأثناء عملنا بجمع الخضار، اقتربت مني "أم مسلم" لتقول: "لم يكن عملي سهلا في يوم من الايام، فأنا امرأة بدوية، لا خيارات كثيرة لدي لأعمل بها، والأرض والفلاحة والزراعة كانت الحل الأفضل، أنا لا أتعب بل أستمتع بالعمل، قبل كورونا كانت حياتنا أفضل بكثير، وكان العمل والوضع المادي أفضل بكثير، أنا الان متعبه من قلة العمل، فبيع المحصول ليس كالسابق، ويتطلب جهدا كبيرا، والمناطق مغلقة، والتنقل صعب، والقدس لا مجال لدخولها، فلم يعد الوضع كما كان سابقا".

إسراء، متطوعة رافقتنا لتساعد في عملية جمع الخضار وترتيبه ومن ثم توزيعه، قالت عن تجربتها في التطوع بهذا المجال: "لم أكن أعتقد أنني سأعشق الارض كما عشقتها اليوم، أحببت رائحة التراب، ورغم الحر الشديد في البيوت البلاستيكية، الا أنني لم أشعر بهذا الحر وتابعت العمل، اليوم تعرفت على نساء مبدعات قياديات قائدات، أفتخر بأنني تعلمت منهن الكثير، لن أنسى هذا اليوم مطلقا، سأعود من جديد لأشتري منهن وأدعمهن".

نساء في خطوط المواجهة، استطعن أن يحمين الأرض ويفلحنها ويزرعن كل ما تحتاجه الاسر الفلسطينية، ويحافظن على سلة فلسطين الغذائية، ويوفرن حياة كريمة لأسرهن، قصص كثيرة وانجازات كبيرة، شاهدناها وسمعنا عنها ونحتاج لنكتب عنها ونوثقها.

ونحن بحاجة أيضا أن نشجعهن ونشتري منهن وندعمهن ونفكر بطرق عدة لمساعدتهن، نحن بحاجة أن نحمي الارض ومن عليها ومن يفلحها، بحاجة أن ندعم الزراعة والمزارعين، بحاجة لخطط كثيرة لنثبت المزارع على أرضه ونشجع صغار المزارعين ونوفر لهم المشاريع والتمويل اللازم لهم.

والسؤال الأهم هنا، هل استثمرنا في الزراعة وفي دعم المزارعين؟ هل حقا طبقنا خططنا التي جهزناها لحماية أرضنا الفلسطينية وحماية مزارعينا وتثبيتهم على أرضهم؟ وهل وضعنا الخطط لدعم المزارع ودعم المنتج الفلسطيني ودعم تسويقه وحمايته؟ فان كل ما نحتاج له ليس وضع الخطط والدراسات والابحاث فقط، ان علينا واجب وطني وأخلاقي واقتصادي يقضي بدعم المزارع ودعم المنتج وشرائه، ودعم الشباب وتوجيههم للاستثمار بالارض والزراعة.

* الكاتبة: الاعلامية رولا سلامة هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني.