الكاتب: عبد الرحمن الخطيب
ينتظر الأطفال حول العالم عطلتهم وإجازتهم الصيفية المدرسية بفارغ الصبر، للاستمتاع بالسفر والتجول والتعرف إلى أماكن جديدة وفعاليات مسلية.هنا، يجد أطفال فلسطين أنفسهم وكأنهم خارج منظومة الحق في الطفولة أو خارج منظومة الحياة كلها، هي أيام يقضيها أطفالنا كاختبار لهم للبقاء على قيد الحياة فحسب، وسط واقع سوداوي أمامهم فمناظر التقتيل والحصار والتجويع والتهجير لا تفارقهم، تضعهم وأهليهم العيش في ظروف أقل ما يقال عنها لا إنسانية وغير طبيعية.
يعيش أطفالنا في كل أماكن تواجد شعبنا في القدس والضفة الغربية وغزة ومخيمات الشتات ظروفا تجعل من أبسط حقوق أطفالنا أحلاما صعبة المنال، فمدارسهم دُمرت وأغلقت، وساحات اللعب صارت خياما ومناطق مأهولة أو عسكرية محظورة، انعدام الأمن والأمان والهدوء والطمأنينة ما يسود، فالتقارير الدولية ذات العلاقة تؤكد أن غالبية الأطفال الفلسطينيين يعانون الجوع والخوف، وأن حتى اللعب الطبيعي بات غائبا.
برغم كل هذا الإحباط، تبرز أدوات وتطبيقات لذكاء الاصطناعي كبارقة أمل جديدة وغير تقليدية أمام الأطفال بشكل بسيط ومجاني في بعضها، تطبيقات تحول هذا الواقع القاسي إلى فسحة من الحرية والتعلم والجمال، فهناك تطبيقات وأدوات للسفر والسياحة مثل تطبيق Talespin والذي يكيّف قصص الأمكنة بحسب حاجة الطفل وتفاعله، ويأخذه في رحلة معرفية إلى أماكن كالأهرامات وسور الصين وغابات الأمازون، ووفرت منصات مثل "أكاديمية التحدي" فرصا لتعلم البرمجة من خلال رسائل عبر واتساب، ما مكّنهم من تصميم ألعاب تعكس واقعهم وتجاربهم الشخصية، وأخيرا التطبيقات التعليمية كتطبيق MathAI هو تطبيق شامل للرياضيات يتيح للأطفال تعلم الرياضيات والعلوم بطريقة سهلة وسلسة.
ظهرت الكثير من التطبيقات التي تتيح لأطفالنا الخروج من عالمهم الصغير بحكم الإغلاق والحصار والتنكيل إلى عالمهم الكبير الجميل الممتع، فتطبيقات الرسم والتخيل باتت حاضرة والطفل قادر الآن على تخيل بيت حانون مثلا بعد إعمارها ورسمها بشوارعها وحارتها ومبانيها كتطبيق Craiyon الشهير، وتطبيقات تجعلهم نجوما وأبطالا في الشعر والغناء وحتى الرياضة تمكنهم من رسم مستقبلهم في تحد كبير بكبر أحلامهم وطموحاتهم.
تغيب الخدمات الأساسية عن أطفالنا بحكم ما ذكرنا، وهنا ظهرت ألعاب وتطبيقات تعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي في محاولة تعويض تلك الخدمات "كالمنقذ الإفتراضي" الذي يدرب أطفالنا على خدمات الإسعاف الأولي، أو حتى محادثات Chatbots التي تجيب على استفسارات الأطفال وتعاونهم على فهم العلوم وما يدور من حولهم لتكون الرفيق الذكي وليعبروا به ما مروا به من أزمات صعبة وقاسية.
نعم، فالتحديات التقنية في فلسطين وتحديدا في غزة كبيرة جدا بفعل الاحتلال وممارساته، فانقطاع الإنترنت والكهرباء وندرة توفر الأجهزة هي عوامل كانت من الممكن أن تنسف كل ما تحدثنا عنه في مقالنا هذا، لكن العزيمة والإصرار لدى شعبنا بكل مكوناته وحتى بأطفاله قادر على تحويل هذه التحديات إلى فرص وقد رأينا من الأمثلة الكثير كاستخدام الطاقة الشمسية في شحن الأجهزة والتدريبات التي نفذها معلمون ومتطوعون من الخارج عبر الإنترنت، كلها أثبتت أن الإرادة تتغلب على الحصار.
الذكاء الاصطناعي في حالتنا الفلسطينية ليس ترفا وليس أداة صماء، بل أصبح وسيلة حياة وصمود، تزرع الأمل وتمكن أطفالنا من اللحاق في ركب الطفولة المسلوبة منهم قسرا ، الذكاء الاصطناعي بات أداة بقاء في انتظار نور الحرية والتحرر، تمنحهم فرصة للحياة رغم القتل، وفي كل مرة يبتكر فيها أطفالنا لعبة أو فكرة أو رسمة عبر تطبيقات وأدوات ذكية، فإنه لا يوجد لنفسه عطلة بديلة، بل يضع حجر أساس في بناء جيل لن ينكسر.