الجمعة: 25/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

غزة بين نار "الجماعة" والمجاعة

نشر بتاريخ: 24/07/2025 ( آخر تحديث: 24/07/2025 الساعة: 09:07 )

الكاتب:


عبد الهادي بركة
ما زالت الحرب على غزة مستمرة بأبشع صورها، إذ يستخدم الاحتلال في هذه المرحلة الخطيرة أكثر أساليبه العدوانية جُرمًا بحق أهالي غزة الذين دفعوا أثمانًا باهظة جراء حرب الإبادة، التي كانت بدايتها متمثلة في هدم البيوت على من فيها، وتدمير الأراضي ومحاصيلها، ثم اتباع سياسة الحرمان من ممارسة أي عمل في الأرض أو الصيد البحري، بالإضافة إلى منعهم من أدنى حقوق الإنسان، من تعليم وصحة. وقد استهدفت آلة الحرب جميع مراكز التعليم والصحة ودور العبادة.
وإلى اليوم، تستمر #المقتلة عبر آلة الخراب من جهة، وتضليل العالم عن قرب التوصل إلى صفقة بين "الجماعة" (حماس) والاحتلال. وهنا وجب التنبيه إلى أن التفاوض يجري بين حماس من جهة والعدو الإسرائيلي، سواء كان مباشرًا أو عبر وسيط حريص على بقاء حماس في الحكم. إذن، هذان الطرفان هما من يرتب الأدوار كيف ستكون عليها في الأيام القادمة، إذا ما أُعلن وقف لإطلاق النار يعقبه هدنة 60 يومًا... إلخ.
على ماذا تفاوض حماس بينما غزة تدفع الأثمان يوميًا؟
تفاوض حماس على ضمان بقائها في حكم القطاع، وعدم المساس بقيادة "المقاومة" وأموالها. فما الذي ينتظره أهل غزة أكثر من انتظارهم لوقف الحرب؟ جملة واحدة يرددها أهالي غزة، وهي: "يا رب نبقى في غزة"، فيما لو انتهت الحرب بنهاية حكم حماس. لكن من غير الممكن أن يبقى أي من أهل غزة فيما لو كان العكس، بمعنى بقيت حماس في الحكم.
ولذلك، الشكل الطبيعي في حالة انتهاء الحرب على غزة، وما خلفته من مجازر وتدمير للمنازل وخراب للمقتنيات وضرب للمكون التربوي والسلوكي والقيمي لأهل غزة، أن يتم النظر للمراجعات التي وصلنا لها والمعالجة الفورية لضمان بقائنا على الأرض وفي الوطن.
وعلى مدار التاريخ وسير الصراعات في العالم القديم والمعاصر، وبمختلف طبيعة الصراعات وتنوعها، إلا أنها لا تخرج عن قواعد ترسيخ فض الاشتباك، وعادة ما يرسمها المنتصر. هكذا عرفنا، مع أنه أخلاقيًا وحسب بعض المدارس، ترى أنه لا وجود لمنتصر في الحرب، حيث ترى بعض المدارس أن الإنسانية عادة ما تخسر في الحرب. طبعًا، "الجماعة" لا يمكن أن تُقنع بهذه المدارس، فهي تتخذ من الحرب، أيًا كانت تكلفتها، انتصارًا، حتى لو أزهقت غزة عن بكرة أبيها، سترى في دماء الأطفال والنساء والشيوخ قربانًا، كما قال أبو زهري، ومن قبله مشعل حيث يراها "خسائر تكتيكية"، فيما يراها أبو مرزوق و(غ.حمد) مجرد أرقام لا يجب حمايتهم في الأنفاق المحصنة لجنودهم، بينما من واجب المدنيين أن يكونوا مجرد دروع بشرية أمام الدبابات والطائرات.
هذا هو الحال، تجري الحرب كما خُطط لها منذ البداية بأهداف ثلاثة وبشعارات انتقامية ما زالت تتردد حتى الآن في أذهان من لديهم الوعي الكافي بحقيقة ما يجري من إبادة، حين قال &

39;: "لا ماء، لا غذاء، لا دواء" ملخصة بـ (المجاعة)، وهي الأسلوب الذي يُمعن فيه الاحتلال القتل بالتبرير عند تجمعات استلام المساعدات نظرًا لشدة حاجة الناس لها، فتكون طريقة سهلة للقتل والتبرير بـ "التزاحم".
أمام هذه المقتلة واستمراريتها، ما الذي علينا فعله الآن؟
لأن السياسة فن الممكن، علينا أن نتوقع كل شيء، ربما ينتج أمر الصفقة ويتم الاتفاق مع حماس على وقف إطلاق النار. ما الذي علينا فعله الآن، وأثناء وقف إطلاق النار إن حدث؟
هنا خطورة الأمر، الحرب كما قلنا منذ بدايتها لم تكن حربًا متكافئة ولا يمكن وصفها إلا في إطار الإبادة والظلم. لكن وللأسف، أطراف عديدة ساهمت في إطالتها وصولًا إلى هذا الحد من الإجرام، حيث يموت يوميًا في غزة من 5 إلى 10 أفراد من أطفال وشيوخ جوعًا، فيما يسقط الشباب الباحثون عن الطعام من 100 إلى 120 شخصًا تزاحمًا على كيلو من الطحين. تلك هي قذارة العدو مجتمعة مع غباء وغضاضة المتفاوض عن حماس.
بالعودة إلى ما علينا فعله، كما عرفنا عبر التاريخ، أن هناك مبدأ الحساب والعقاب لكل من كان سببًا في أية حرب أو أزمة. لا بد من النظر بالكيفية التي توقف هؤلاء عند هذا الحد من عدم المسؤولية وعدم الاكتراث لما حدث. ولهذا هنا يجب أن يبرز الدور الشعبي متمثلًا بالشباب والطاقات، بالإضافة إلى الدور المجتمعي من مجتمع مدني ومحلي ومخاتير ووجهاء وكبار الشخصيات التي يجب أن تلعب دورًا خلال الـ 60 يومًا التي ترى فيها حماس أنها تستعيد نشاطها، وتحكم سيطرتها على الناس من جديد. آن لنا أن نتخلص من الاحتلال وممن تسببا بهذه الحرب التي أخرجتنا من مضموننا الآدمي، إلى صورة مشينة لم يسبق وأن وُصم بها الفلسطيني، لكنها الحرب من أفرزت هذه الظواهر الغريبة والدخيلة على مجتمعنا. وعليه، فإن البقاء بغزة مرهون بالإرادة التي يجب أن تفرض نفسها، وليس الضلالية ممن يتصورون لأنفسهم لمجرد وقف الحرب سيعودون إلى حكم القطاع من جديد، وهذا والله جرم على جرم لا يستحقه أهل غزة.
والخطير في الأمر إذا ما تُرِكنا وحدنا كالعادة التي نرى فيها أمتنا العربية والإسلامية، عندها تكون الكارثة. إذ تنتظر بعض الدول العربية هي الأخرى وقف الحرب لترى كيف يمكن أن تساعد الشعب الفلسطيني في تعافيه من الحرب أو تساهم في إعادة الإعمار، وهو ما لم يتم الحديث عنه لا من قريب ولا من بعيد. فالتفاوض الذي يجري، لأنه كما قلنا، يجري على أشياء لا تساوي حجم الدماء التي أُزهقت، ولا تناولت قضايا مهمة كنا نطالب بها سابقًا كحق العودة وتقرير المصير والعودة إلى نصوص الشرعية الدولية، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن 194، 242، 338، والقرارات ذات الصلة. رحم الله المفاوض الفلسطيني صائب عريقات.
فرض الإرادة أم نترك الملعب للاحتلال يحدد من سيكون حاكمًا له في غزة بالعصا ليس إلا؟
وهو ما تستجديه حماس يوميًا، وكلفت نفسها الحديث مع ترامب مباشرة وقدمت له عِيدان عربون بقائها.
كما ويجب أن نعلم أنه من غير المنطقي أن يسمح الاحتلال بوجود السلطة الفلسطينية، ومن غير الممكن أن يرضى بوجود غير حماس يحكم غزة. هذه المعادلة التي يجري العمل بها. هو من جهة يسير في مخططاته ويرى في حماس أداة تنفيذ رهيبة من خلال الأدوار التي تؤديها، إما بغباء أو بالخيانة. ولهذا، جولات التفاوض تعددت وطال وقتها، والناس فقدت صبرها، والمجاعة ضربت أطنابها، فيما وسائل الإعلام تعج بالتضليل.
وبين لحظة الإعلان وعدمه، يوميًا أكثر من 120 شهيدًا.
وعليه، أين إلارادة عند أهل غزة والعرب والمسلمين. اتجاه قضيتهم المركزية الأولى.