السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحماية من الأوبئة والأمراض المعدية من منظور شرعي

نشر بتاريخ: 04/08/2021 ( آخر تحديث: 04/08/2021 الساعة: 11:05 )

الكاتب:

الدكتور سهيل الاحمد

إن نظرة الشرع الإسلامي لحفظ النفس وصيانة الكرامة الإنسانية مسألة متجذرة في قواعده ونصوصه ومبادئه سواء أكان ذلك نظريًا أم عمليًا، وهذا لاعتبار أن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم العطرة وتوجيهاته العظيمة تعمل على إظهار القيم الحضارية السامية عند انتشار الأمراض المعدية والفيروسات القاتلة، وهو ما تنظمه القواعد الطبية المعاصرة وتؤسس لترسيخه في علاقة الطب بالمجتمعات الإنسانية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص، وذلك من خلال القواعد والمباديء التي توجب على الجهات الطبية والصحية المختصة أن تتخذ إجراءات وتدابير لتنظيم العلاقات المجتمعية حال انتشار الأمراض المعدية، بما يعطي صورة مشرقة للتشريعات الإسلامية التي تتفق مع أحكام الطب وإجراءاته المعتمدة في مثل هذه الحالات. والناظر في التشريع الإسلامي يجد أنه يعمل على إرساء قواعد تحقيق سعادة المجتمعات وتحصيل مصالحهم المرغوبة، برفع الضرر والضرار عنهم، وبما يدرأ الفساد ويوجد المنافع، وذلك أن المقصد العام من تشريع الأحكام التي جاءت بها التشريعات الإسلامية يقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد. وإذا تعلق الأمر التشريعي بنظام الطب الوقائي والحماية من الأمراض المعدية القائم على تحقيق هذا المقصد؛ فإن نصوص الشرع الإسلامي لا تغفل مسألة كهذه، وذلك لأهميتها في سلم الضرورات الشرعية من حفظ النفس ومتعلقات الإنسان وفق المعايير الشرعية، والتوجيهات النبوية الشريفة. فالطب الوقائي مما لا يتم الواجب إلا به شرعًا ولذلك فهو واجب لحفظ النفس ومنع أن يقع الضرر عليها، وهو من التشريعات الخاصة بمنع وقوع الضرر والضرار، حيث لا بد من إزالة الضرر، وهذا لا يتحقق ـــــ حال انتشار الأوبئة والأمراض المعدية وفايروس كورونا (وفيروسات كورونا هي سلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان. ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر أمراض تنفسية تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة. ويسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض كوفيد-19، وهو مرض معد يسببه آخر فيروس تم اكتشافه من سلالة فيروسات كورونا. ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس الجديد ومرضه قبل بدء تفشيه في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ ديسمبر 2019، (منظمة الصحة العالمية، https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses ) ـــــ إلا بتطبيق إجراءات الطب الوقائي ونظام التباعد الاجتماعي عن الأشخاص المصابين، حيث يعد هذا النظام من قبيل الوسائل التي تعبدنا الله تعالى بها كما تعبدنا بالمقاصد والغايات. ومن هنا جاءت النصوص النبوية الشريفة بتوضيح حقيقة التباعد الاجتماعي وعزل الأشخاص المصابين بالأمراض المعدية حتى لا يؤثر ذلك على غيرهم من الناس المعافين غير المصابين، امتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها" (البخاري، محمد بن إسماعيل، الصحيح، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، ح برقم 5728). وهذا يعني ألا يدخل أي شخص إلى هذا البلد الذي قد ظهر فيه مرض معد ولا يخرج منه كذلك حتى ينتهي هذا المرض وألا يصل إلى غيره من البقاع غير المصابة، وذلك من باب احتمال أهون الشرين وارتكاب أخف الضررين، وبالتالي حصول الوقاية وحفظ حياة الناس وفق إجراءات تتخذها الجهات الطبية المختصة في الدولة لتمكينهم من العيش بسلام وطمأنينة مطلوبة شرعًا وعرفًا وذلك لاعتبارها مصلحة راجحة مرغوبة ومطلوبة. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في سبيل تحقيق مبدأ العزل الاجتماعي وعدم مخالطة المصاب بمرض معدٍ: "لا يوردن ممرض على مصح" (مسلم، الصحيح ، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة...ولا يورد ممرض على مصح، برقم 104 (2221)، البخاري، الصحيح، كتاب الطب، باب لا هامة، برقم 5770)، وهذا الإجراء الشرعي والطبي الوقائي يعمل به إذا تعلق بشخص أو عدد محدود من الناس، فما بالنا بتطبيقه لو تعلق الأمر ببلد أو عدد كبير من الأفراد في المجتمعات الإنسانية بشكل عام؟. إن وجود الأمراض المعدية في المجتمعات الإنسانية يقتضي أن تتخذ التشريعات تدابير تعمل على حفظ النفس وتراعي مباديء الطب الوقائي المعروفة وأنظمتها عند انتشار الأوبئة والأمراض المعدية ومنها فايروس كورونا، وهذا بقصد منع الضرر الذي قد يصيب الشخص السليم عند مخالطته المصاب بمرض معد محقق أو محتمل الوقوع. ولتحقيق هذه المقاصد وإرساء هذه المباديء أجاز التشريع الإسلامي للمكلف ترك الواجبات والتكاليف الشرعية كالصلاة مثلًا في المسجد، دلالة منه بأهمية الإنسان وحفظ حياته ولزوم إيجاد ما يسعدها ويعمل على بقائها، ومن الأحكام الشرعية أن من شاهد أو سمع أي شخص يستغيث سواء أكان هذا الشخص طبيبًا أم لا؛ فان الواجب عليه في هذه الحالة الإغاثة وفق القدرة والاستطاعة، كالاتصال بالإسعاف أو القيام بأعمال الإغاثة بعمومها وخصوصها، وهذا مقتضى الواجب الكفائي في المفهوم الشرعي الذي طلب الشارع فعله من مجموع المكلفين لا من كل فرد منهم بحيث إذا قام به بعضهم فقد أدوا الواجب وسقط الإثم والحرج عن الباقين وإذا لم يقم به أي من المكلفين أثموا جميعا بإهمال هذا الواجب، فالقادر يكون إثمه لإهماله واجبا قدر على أدائه، وغير القادر فقد أثم لإهماله حث القادر وحمله على فعل الواجب المقدور له وهذا مقتضى التضامن في أداء الواجب (خلاف، علم أصول الفقه، ص84)، والقيام بالعمل الطبي من جميع جوانبه الشرعية والعملية، وتوفير كذلك الحماية اللازمة لحفظ صحة الإنسان ومتعلقاتها، وبالتالي مراعاة القواعد المنظمة للرعاية الصحية والنفسية للإنسان، وإظهار أهميتها في الحد من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية وخاصة فايروس كورونا.