الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المحكمة الدستورية العليا والطعن بالمرسوم الرئاسي رقم (19) لسنة 2009

نشر بتاريخ: 05/08/2021 ( آخر تحديث: 05/08/2021 الساعة: 16:56 )

الكاتب:

المستشار القانوني علاء بدارنه مركز الدفاع عن الحريات

الطعن بالمرسوم رقم (19) لسنة 2009 تم تقييده لدى قلم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 24/12/2019، هذا المرسوم الذي أصدره الرئيس محمود عباس بمناسبة يوم المرأة العالمي بتاريخ 8/3/2009، بشأن المصادقة على اتفاقية "سيداو"، هذه المصادقة الداخلية التي كان من المفترض أن يكون لها أثار على مسألة توطين الاتفاقية، كانت بإرادة منفردة دون إيداع صك الانضمام للاتفاقية لدى الأمين العام للأمم المتحدة، لاستحالة تنفيذ هذا الإجراء بسبب عدم تمتع فلسطين بصفة دولة في حينه، الأمر الذي تم بعام 2012 حيث أصبحت فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وتمكنت من الانضمام إلى الاتفاقية بتاريخ 1/4/2014، ويتكون المرسوم الرئاسي الطعين من مادتين الأولى تتضمن كلمة المصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، والثانية تدعو الجهات كافة، كل فيما يخصه تنفيذ أحكام هذا المرسوم والعمل به من تاريخ صدوره، وكذلك نشره في الجريدة الرسمية، الأمر الذي تم بالفعل بالعدد الثمانون الصادر بتاريخ 27/4/2009.
الطعن بالمرسوم الرئاسي رقم (19) لسنة 2009 سالف الذكر كان بالدعوى الدستورية رقم 32/2019 والتي تتضمن كل ما ترتب على المرسوم وما بني عليه من قرارات أو قرارات بقوانين أو أي أثر قانوني ناتج عنه أو مرتبط به، بما في ذلك انضمام دولة فلسطين إلى العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بتاريخ 01/04/2014م، وكذلك الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ودعوى الطعن مقدمة من طرف المدعيان: رحمة موسى جميل محفوظ/ القدس - بيت حنينا، بلال أيوب "محمد علي" محفوظ/ القدس - بيت حنينا ووكيلهما المحامي بلال أيوب محفوظ ، والمدعى عليهما فخامة السيد رئيس دولة فلسطين بالإضافة الى وظيفته وعطوفة النائب العام بالإضافة الى وظيفته، وصدر الحكم بها من المحكمة الدستورية العليا المنعقدة في رام الله باسم الشعب العربي الفلسطيني، في جلسة يوم الاربعاء الثاني من ديسمبر(لسنة 2020م)، وتم نشر الحكم في جريدة الوقائع الرسمية بتاريخ 24/12/2020، وقد أسس المدعيان دعواهم على مجموعة من النقاط أهمها:
أولاً: بداعي الدافع والمصلحة، تضمنت الدعوى الدفاع عن القيمة الدينية والعربية، ومن منطلق الحرص على القيم توجها إلى القضاء باستعمال حقهما القانوني وطلب من المحكمة أن تراجع إرادة صاحب القرار الفلسطيني ومدى تأثره بالظروف الخارجية والداخلية وضغط المؤسسات النسوية التي شكلت ضغط عليه.
ثانياً: قام المدعيان بتقييم عام لاتفاقية "سيداو" من إيجابيات وسلبيات، واعتقدوا أن بعض الإيجابيات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأهمها أنها تعمل على كفالة تطور المرأة وتقدمها وضمان ممارستها حقوق الإنسان والحريات الأساسية والقضاء على العادات العرفية القائمة على فكرة دونية المرأة، وكذلك مكافحة أشكال الاتجار بالمرأة واستغالها في الدعارة، كما أنها تمنح النساء حقها في التعليم والمساواة في الأجر مثل الرجال، وممارسة حقوقهن السياسية ترشيحاً وانتخاباً، والحق في الضمان الاجتماعي والوقاية الصحية وسلامة ظروف العمل، وأن هذه المبادئ تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتم عرض سلبيات الاتفاقية وأهمها التناقض القائم بين النص على مراعاة الخصوصيات الحضارية والثقافية والقانونية، حيث ينبغي التفرقة بينهما على مستوى النص والمبادئ والوسائل التطبيقية/ التفصيلية، وفيما إذا كان المستوى مناسباً للعالمية والنظرة الغربية وهي السائدة في الاتفاقية.
ثالثاً: تحفظ المدعيان على مجموعة من مواد اتفاقية سيداو وخصصوا المواد (11،12،13)، المتعلقة بخاصية إسهام المرأة في ميدان العمل وما يتعلق برعاية المرأة صحياً، والتساوي المطلق بين الرجل والمرأة في الجوانب المالية والثقافية والرياضية، وقضية الميراث والمجال الاقتصادي، حصة فيما يتعلق بالذمة المالية للزوجين، من حيث الزواج دون ولي وإلغاء القوامة من تقديم المهر للزوجة وتأثيث المنزل والتكفل بالنفقة وتحديد سن الزواج بثماني عشرة سنة، وانتقلا بعدها لأسباب الطعن في البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية.
رابعاً: التمس المدعيان الغاء المرسوم الرئاسي المطعون فيه وما ترتب عليه وما بني عليه من قرارات أو قرارات بقانون، وقد تقدمت النيابة العامة بلائحة جوابية مطولة تلتمس رد الدعوى شكلاً أو موضوعاً، وبعد اطلاع المحكمة على الأوراق والمداولة قانوناً وناقشت صفة ومصلحة المدعيان الشخصية المباشرة باعتبارها شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، حيث أن مصلحتهم في الطعن تكمن باعتبار اتفاقية سيداو تشكل اعتداء على الدين الإسلامي الحنيف وتمس احترام مشاعر ملايين المسلمين في دولة فلسطين ومخالفتها القيم العربية، وبالتالي عدم دستوريتها لمخالفتها المادة (4) من القانون الأساسي الفقرة الأولى والثانية من القانون الاساسي (1- الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين ولسائر الديانات السماوية احترامها وقدسيتها 2- مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع).
ذكرت المحكمة نعي المدعيين أن الاتفاقية المصادق عليها بالمرسوم الرئاسي مخالفة للفقرة الأولى والثانية من المادة الرابعة من القانون الأساسي هو نعي غير سديد ومخالف بالأساس لما جاء في المرسوم محل الطعن وعلى ما ورد في المادة الأولى منه التي تنص على "المصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة سيداو، بما ينسجم مع وأحكام القانون الأساسي الفلسطيني "بالتالي ينسجم مع ما ورد في الفقرة الأولى والثانية من الفقرة الرابعة، من القانون الأساسي والذي هو أعلى من الاتفاقيات الدولية في المنظومة القانونية التراتبية في فلسطين، وما قررته المحكمة الدستورية العليا في قرارها التفسيري رقم (05/2017) للسنة الثالثة "تفسير" عندما أشارت إلى أنه "تعتبر وثيقة اعلان الاستقلال جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الدستورية في فلسطين، بل وأعلاها سمواً، يأتي بعد القانون الأساسي الفلسطيني ثم المعاهدات والاتفاقيات الدستورية لحقوق الإنسان التي تأتي في مرتبة أقل من القانون الأساسي".
قررت المحكمة الدستورية العليا في قراراها التفسيري رقم (05/2017) إن احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وأسس الإلزام والالتزام بها على الصعيد الوطني يكون بإدماج مختلف المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" ضمن التشريعات العادية داخل دولة فلسطين بما لا يتناقض مع الهوية الدينية والثقافية للشعب الفلسطيني، وعلى أساس احترام مبدأ دستورية هذه التشريعات مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية بحقوق الإنسان والمتطابقة مع القانون الأساسي.
أكدت المحكمة الدستورية العليا في قرارها التفسيري السابق رقم (05/2017 ) ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات التشريعية الداخلية من أجل تسهيل أعمال الحقوق والحريات الأساسية ضمن عملية مراجعة لمختلف القوانين والتشريعات ذات العلاقة بهدف تحقيق اندماج أفضل لكثير من مقتضيات المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تمت المصادقة عليها من طرف رئيس دولة فلسطين، وذلك من خلال مراعة أنظمته القانونية وملائمة التشريعات الوطنية مع الآليات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وكرامته وتحديد الأوليات في مجال الملاءمة، وبناءً على كل ما ذكر أعلاه من أسباب، حكمت المحكمة الدستورية بعد قبول الدعوى وموضوعها الطعن بالمرسوم رقم (19) لسنة 2009 ومصادرة مبلغ الكفالة وإلزام المدعيين بدفع مائتي دينار لخزينة الدولة.
بالقراءة السريعة لأسباب الطعن والتقييم الإيجابي والسلبي لاتفاقية سيداو من قبل الطاعنين وإيراد بعض الملاحظات على بعض المواد من الاتفاقية، وكذلك عرض ونقاش مواضيع حقوق المرأة ومدى ملائمتها مع الخصوصية الفلسطينية ومبدأ العالمية وتركيز المحكمة على موضوع مدى انسجام المرسوم أعلاه مع أحكام القانون الأساسي وتحديداً فيما يتعلق بدين الدولة وفحص مدى تعارض المرسوم مع الشريعة الإسلامية وتحديد نص المادة 4 بفقرتيها، ورفض الدعوى باعتبار أن المرسوم الرئاسي لا يتعارض بمادتيه مع المادة الرابعة المذكورة أعلاه وكذلك ينسجم مع القرار التفسيري للمحكمة الدستورية العليا رقم (05/2017) بالتدقيق بكل ما ذكر وبعد التأكيد على الموقف الحقوقي من المحكمة الدستورية العليا المعلن من حيث التشكيل والقرارات الصادرة عنها نستنتج ما يلي:
1- رفض المحكمة الطعن المقدم لإلغاء المرسوم الرئاسي رقم (19) لسنة 2009 يعني بمفهوم المخالفة للقرار أن المرسوم الرئاسي القاضي بالمصادقة على اتفاقية سيداو المنشور في الجريدة الرسمية ساري المفعول وقابل للتطبيق والتذرع به أمام المحاكم الفلسطينية.
2- لم تتطرق المحكمة في معرض نقاشها للقرار الطعين إلى ما يفيد أن المرسوم صدر قبل أن تتمتع السلطة الفلسطينية بصفة دولة، أو أن المصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، كانت بالإرادة المنفردة ودون الالتزام بآلية تعاقدية تابعة لآليات الحماية لحقوق الإنسان في منظومة الأمم المتحدة.
3- اكتفت المحكمة بعلاج شرعية القرار الطعين بكونه لا يتعارض مع المادة (4) من القانون الأساسي بفقرتيها الأولى والثانية من القانون الاساسي (1- الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين ولسائر الديانات السماوية احترامها وقدسيتها 2- مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع).
4- لم تذكر المحكمة أن المرسوم الرئاسي محل الطعن جاء منسجماً مع القانون الأساسي الفلسطيني وتحديداً المادة (10) التي اعتبرت أن حقوق الإنسان واجبة الاحترام ودعت السلطة الفلسطينية إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وبالقياس على الأساس القانوني لصياغة المرسوم يمكن القول ببساطة أن القانون الأساسي وضح مكانة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في القانون الوطني، حيث أن الرئيس محمود عباس احترم دعوة القانون الأساسي وأصدر المرسوم محل الطعن وانضم للاتفاقيات الدولية بعام 2014 .
5- أعادت المحكمة من جديد التأكيد على موائمة مختلف المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ومنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" ودمجها ضمن التشريعات العادية داخل دولة فلسطين بما لا يتناقض مع الهوية الدينية والثقافية للشعب الفلسطيني، وعلى أساس احترام مبدأ دستورية هذه التشريعات مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية بحقوق الإنسان والمتطابقة مع القانون الأساسي.
6- اكدت المحكمة الدستورية العليا في قرارها التفسيري رقم (05/2017 ) على مكانة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان حيث أعطاها مكانة ثالثة بالترتيب بعد وثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي ، عندما أشارت إلى أنه "تعتبر وثيقة إعلان الاستقلال جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الدستورية في فلسطين، بل وأعلاها سمواً، يأتي بعدها القانون الأساسي الفلسطيني ثم المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي تأتي في مرتبة أقل من القانون الأساسي".
7- ذكرت المحكمة بقرارها التفسيري السابق رقم (05/2017 ) الذي أكد على ضرورة اتخاذ تدابير والإجراءات التشريعية الداخلية من أجل تسهيل عملية أعمال الحقوق والحريات الأساسية ضمن عملية مراجعة لمختلف القوانين والتشريعات ذات العلاقة، وأكدت بمفهوم المخالفة لقراءة النص أن إصدار المرسوم الرئاسي محل الطعن ونشره في جريدة الوقائع يأتي باتجاه إتاحة تطبيق اتفاقية سيداو والاستناد على نصوصها في المحاكم الفلسطينية.
بهذا الصدد كتبت بتاريخ 23/12/2018 حول المرسوم محل الطعن أعلاه في مقال منشور على المواقع الالكترونية ما يلي "عند قراءتي لنص المرسوم الذي يتكون من مادتين فقط وجدته يثير مجموعة من الأسئلة حول القيمة القانونية للخطوة التي اتخذتها السلطة الوطنية الفلسطينية من طرف واحد والتي أعلنت من خلالها الالتزام بنصوص إحدى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان كما نص المرسوم، وما صحة أن تتحمل شخصية قانونية دولية غير دولة الالتزام بأحكام اتفاقية، وهل أن نشر كلمة المصادقة في الجريدة الرسمية بدون نشر نصوص الاتفاقية كاملة يعني إمكانية التذرع بنصوصها أمام القضاء، وإن لم يكن كذلك ما الهدف من وراء إصدار هذا المرسوم ونشره" وبعد سؤال عدد من السادة القضاة شفاهياً آنذاك حول إمكانية التذرع بالمصادقة المنشورة أمام المحاكم الوطنية فكانت الإجابة بإمكانية ذلك، وعملت شخصياً على إيصال هذه الفكرة إلى العديد من الناشطات النسويات.
وأخيراً كان رأيهن أنه لا بد من نشر نصوص الاتفاقية بالكامل في الجريدة الرسمية حتى يمكن التذرع بها وتطبيقها أمام المحاكم الوطنية، هذا الأمر الذي لم تتطرق له المحكمة الدستورية في سياق سرد أسباب رفض القرار الطعين، ورفضت إلغاء المرسوم الرئاسي رقم (19) لسنة 2009 الذي صادق على اتفاقية سيداو على المستوى الوطني، ومرة أخرى أتوجه إلى المدافعات عن حقوق المرأة الفلسطينية لنقاش موضوع المرسوم والطعن الدستوري المقدم محل النقاش مع كل التحفظات التي لنا عليه التي ذكرت أو التي لم تذكر وهي كثيرة، واستخدامه للبحث عن دور للتقاضي الاستراتيجي بهدف إحداث اختراق نحو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والقضاء على التمييز في المجتمع الفلسطيني.