الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأهمية التشريعية لقاعدة "التصرف على الرعية منوط بالمصلحة" في المادة (58) من مجلة الأحكام العدلية

نشر بتاريخ: 01/09/2021 ( آخر تحديث: 01/09/2021 الساعة: 23:44 )

الكاتب:

الدكتور سهيل الاحمد

إن ابتغاء المصلحة المشروع تحقيقها والعمل على تحصيلها هو التصرف الطبيعي لكل من يتولى أمرًا في المجتمعات الإنسانية، ومن هنا وجدت القاعدة الفقهية التي تنص على أن: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة، وذلك ان تطبيق هذه القاعدة قد يختلف بين حاكم وآخر تبعاً لاختلاف المصلحة من حيث الزمن أو الرؤية الخاصة بتقدير المصلحة وظروفها. حيث تحكم هذه القاعدة تصرفات الحاكم الاجتهادية كلها، لأن تصرفاته ينبغي أن يكون الغرض منها تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، ومن ثم يتبيَّن هنا أن كل تصرف لم يراع فيه تحقيق المصلحة ولم يتخذ الوسائل المؤدية لذلك؛ فقد وقع غير منتج للأثر الذي يراد منه (محمد بن شاكر الشريف، المصلحة في تصرفات ولي الأمر، https://eldorar.info/science/article)، لأن تدخل الحاكم منوط بالمحافظة على تنفيذ الأحكام ومراعاة التشريعات الخاصة بذلك، ولهذا كان تدخله في شئون الرعية منوط بتحقيق مصالحهم ورعاية حاجاتهم المتعددة. جاء في كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام: "يتصرف الولاة ونوابهم بما ذكرنا من التصرفات بما هو الأصلح للمولى عليه، درءاً للضرر والفساد، وجلباً للنفع والرشاد، ولا يقتصر أحدهم على الصلاح مع القدرة على الأصلح إلا أن يؤدي إلى مشقة شديدة، ولا يتخيرون في التصرف حسب تخيرهم في حقوق أنفسهم.. وكل تصرف جرَّ فساداً أو دفع صلاحاً فهو منهي عنه". (العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 2/89). إن الذي أسس لاستنباط قاعدة التصرف على الرعية منوط بالمصلحة؛ هو ما رآه الفقهاء من بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي أحاطت بكثير من الأحكام في بضع كلمات، فالفقهاء عن طريق مرانهم ومعايشتهم توصلوا إلى نتيجة مفادها أن تقعيد القواعد أمر مهم لتفادي التبدد والتنافر بين الفروع عند كثرتها (أحمد علي الندوي، القواعد الفقهية، ص 271)، وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف...، ومن يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت... ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وتفهمها في بادئ الأمر، وبالتالي كان ذكرها يوجب الاستئناس بالمسائل، ويكون وسيلة لتقررها في الأذهان(القرافي، الفروق، 1 /3).

وقاعدة التصرف على الرعية تبيَّن أن النصوص الواردة في الأمر بطاعة ولي الأمر مقيدة بكون أوامره المبنية على الاجتهاد يراد منها المصلحة، التي يجب أن تنشد في أفضل صورها، وليس المراد أن الأوامر مجرد الجواز الفقهي، بل لا بد أن تكون أكثر الممكن تحقيقاً للمصلحة، فالإمام يخير بين الأمرين تخيير رأي ومصلحة لا تخيير مشيئة، ويتم تحمّل التبعة الناتجة عن التصرفات التي لم يراعِ فيها تحقيق المصلحة؛ لأن التصرف المأذون له فيه ما كان منوطاً بالمصلحة (الشريف، المصلحة في تصرفات ولي الأمر، https://eldorar.info/science/article)، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" (صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرفق والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم 1829). ومن لوازم هذه القاعدة؛ أن تتوفر في الولي شروط الوكيل، لأنه لا يتصرف لنفسه، وإنما هو وكيل عن غيره في رعي شؤونه وتدبير مصالحه، ثم أن يكون تصرفه منطويًا على منفعة معتبرة للمتولي عليه، تعود عليه بعائد الخير الدنيوي أو الأخروي، أو بهما معًا، بحيث يحمل موليه على أحسن الوجوه في التصرف، منتقيًا أنسب الوسائل إفضاء للمقصود (شبير، القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، ص355، الريسوني، قاعدة تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة وتطبيقاتها المعاصرة في المجال البيئي، ص 483).