الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحكيم بين الزوجين من المباديء المؤثرة في تحقيق العدالة

نشر بتاريخ: 17/10/2021 ( آخر تحديث: 17/10/2021 الساعة: 21:02 )

الكاتب:

د. سهيل الاحمد

شرع التقاضي بين الناس ونظمت أحكامه بما يحفظ لهم الحقوق ويحصل لهم القدرة على الوصول إلى ذلك بيسر وسهولة، تحقيقًا للعدالة، ومراعاة لمصالح الناس وحاجات المجتمعات، سواء تعلق ذلك بالعلاقة الإنسانية بشكل عام أم الزوجية بشكل خاص، حيث كان من جملة التشريعات المنظمة لطبيعة هذه العلاقات؛ ما يتعلق بموضوع التحكيم عند وقوع النزاع والشقاق، وهذا على اعتبار أن مبدأ الفصل بين المتداعيين في القضاء من الحقوق القضائية للإنسان التي دعت التشريعات إلى احترامها وتحقيقها لضمان المحاكمة العادلة بين الناس، وهو ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (8) حيث قال: "لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون"، وكذلك جاء في المادة (10) منه بقولها: "لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته". ومن المعلوم شرعًا وقانونًا أن وجود النزاع والشقاق يجعل المحاكم تلجأ إلى التحكيم بين الزوجين باعتباره من المباديء الشرعية والقضائية القائمة على تلبية حقوق الناس وتحقيق العدالة لهم، وهو أداة مهمة لتمكين الأسرة من الاستمرار والاستقرار والعمل على حفظ مكوناتها وحمايتها من التفكك والانقسام، فقد نصت المادة (10) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنه:" تقر الدول الأطراف في هذا العهد بما يلي: 1. وجوب منح الأسرة، التي تشكل الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة، وخصوصا لتكوين هذه الأسرة وطوال نهوضها بمسؤولية تعهد وتربية الأولاد الذين تعيلهم"، وهذا أمر يهدف إليه تشريع التحكيم بين الزوجين حال وجد نزاع وشقاق بينهما من المنظور الشرعي. والتحكيم اختيار شخص وتفويض الأمر إليه للفصل بين المتنازعين، حيث يولي كل من الخصمين (الزوج والزوجة) حكمًا من أهله إعمالًا لقوله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" [النساء:35]؛ وذلك لأنهما أعرف بالحال وأشفق، ولأن الأقارب أخبر بالعلل الباطنة، وأقرب إلى الأمانة والنظر في المصلحة، وكيفية صلاح الزوجين وما يحبان وما يكرهان، ولأن الأهل يسكن إليهم ويطمئن إلى حكمهم بخلاف غيرهم من الناس، ويُعدُّ التحكيم من الوسائل الأسرع في فض المنازعات بشكل عام؛ حيث يعرف بأنه القضاء الخاص الذي يلجأ إليه أطراف النزاع بإرادتهم الحرة من أجل حل المنازعات بطريقة ودية اتفاقية، ويتميز التحكيم بالسرعة والسرية والمحافظة على طبيعة العلاقة المطلوب تحققها بين أطراف النزاع، مع قلة التكاليف المترتبة حال سلوك هذا الطريق لحل النزاع بين المتخاصمين. وذلك وفق مبادئ الحياد والشفافية والاستقلالية، وبعيدًا عن تكدس القضايا وإطالة أمدها، كما هو الحال مع القضايا المنظورة أمام المحاكم وأروقتها.