الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

جمعية الدراسات العربية - بيت الشرق وتغييب أمير القدس

نشر بتاريخ: 15/03/2023 ( آخر تحديث: 15/03/2023 الساعة: 10:37 )

الكاتب: يونس العموري

لكل مدائن الفقراء كبار عاشوا فيها، وعايشوا تفاصيلها وكانت ان ارتبطت اسماؤهم بها وارتبط اسمها بهم، فكبروا من خلالها وعلو حينما كانوا يعبرون عن تفاصيلها وتفاصيل عشقها، فقد كانوا يرتلونها ترتيلا ويعوا اسرار جمالها واين تكمن خباياها والوحيدون القادرون على استيعاب احباطاتها فاسمح لي يا سيد القدس وكبيرها ان اتوجه اليك بالشكل المباشر وانا اعلم ان روحك ما زالت ترفرف بسمائها. اخط هذه الكلمات بعد ان عبرت قريبا الى عتبة بابك في جمعية الدراسات العربية / بيت الشرق ، وبيت الشرق / جمعية الدراسات العربية ، وهي المؤسسة التي ارتبطت بشكل جدلي بالتاريخ الحديث للقدس ، هذه المؤسسة التي شكلت لبنة أساسية من لبنات مكونات المجتمع المقدسي ، وكان لها الكثير من المحطات المؤثرة والمتأثرة بالقدس وكانت تسمو من خلالها وهي التي شيدتها مع رفاق دربك المؤسسين وشكلت الحاضنة للباحثين والعاملين في سبيل القدس العربية عاصمة الحلم الفلسطيني ، وجدتني اعيد قراءة التاريخ ولماذا غابت او غُيبت مؤسسة بحجم جمعية الدراسات العربية محاولا الإجابة عن حقيقة التوجه وحيثياته، وهنا لا اقلل من شأن قرار سلطات الاحتلال بأمر الاغلاق العسكري للمؤسسة الا ان قرار الاغلاق لم يكن فقط هو المسؤول عن غياب تلك المؤسسة ، وهنا اجدني اطرح الكثير من الأسئلة والتساؤلات حول حقيقة المخطط للخلاص من سيد ورئيس جميعة الدراسات العربية وحقيقة هذا التوجه وما آلت اليه أوضاع مؤسسة بحجم جمعية الدراسات العربية لها الكثير من البصمات في المجتمع الفلسطيني عموما والمقدسي على وجه التحديد، مما يثير علامات استفهام وتعجب حول حقيقة طمس وطفس جمعية الدراسات العربية وكونها أصبحت على هامس هوامش المجتمع المقدسي لدرجة انها قد تلاشت ، وهل المسؤولية هنا منوطة بقرار الاغلاق الاحتلالي فقط ..؟؟ ام ان هناك شركاء اخرين لفعل التهميش والتغيب ..؟؟

والتوجه هنا له علاقة بحل لغز غيابك واخفائك وقد اقول قتلك. ما زلت مؤمنا ان وفاتك يا سيدي لم تكن طبيعية ولم تأت في الإطار الطبيعي وقد اقول لا تتوفر القناعة بالأسباب الطبيعية للوفاة مع ايماني المطلق بالقضاء والقدر، وفي هذا السياق وبعد كل هذا الغياب ومن خلال استعراض تداعيات غيابك وقتلك على الساحة المقدسية، اخرج بنتيجة واحدة لا غير مفادها ان قتلك كان فعلا احتلاليا بامتياز حيث ان ما حدث للقدس وما يحدث بالظرف الراهن ما كان ليكون الا بعد ان تمت سلسلة من الاجراءات والتحضيرات لتمهيد مسرح احداث القدس لتستقبل بالتالي تنفيذ المخططات التي نشهدها هذه الايام وهذه الاجراءات، وتحضير مسرح الاحداث بدأ اولا بضرورة تغييبك عن الساحة واخماد صوتك ونشاطك وحركتك وبالتالي اقفال المؤسسة التي كنت تتحرك من خلالها وباسمها بيت المقدسيين والتي بُنيت مداميكها بسواعد الرجال الرجال حراس احلام القدس، وما كان ليكون اقفالها الا من خلال غيابك وتغيبك قسرا عن مسرح الاحداث، واذا ما تتبعنا باقي فصول القصة نلاحظ ان كافة المؤسسات المرتبطة بشكل او بأخر بمؤسسة بيت الشرق ، كان ان تم اقفالها ايضا وملاحقتها ومطاردة رؤساءها وموظفيها ليتم العمل وبشكل مبرمج ووفقا لخطط مدروسة لإفراغ القدس من محتوياتها الوطنية من خلال فعل التهجير القسري للمؤسسات تارة، واغلاق ما تبقى منها تارة اخرى، ومن خلال بعض التواطؤ بالشكل المقصود او غير المقصود لا فرق والنتيجة واحدة، ان القدس قد أُفرغت من مؤسساتها واصبح الطريق ممهدا للبدء في سياسات هدم المنازل وسحب الهويات وتكثيف الفعل الاستيطاني ومصادرة الاراضي وبناء جدار الفصل العنصري وعزل القدس عن محيطها وتواصلها العربي وتنفيذ الكر والفر تجاه الأقصى، والمباشرة بتهديده بالشكل المباشر والمصارحة العلنية والفعلية بنية الاحتلال هدمه وتشييد هيكلهم المزعوم، وكأن هذه السيناريوهات قد ارتبط تنفيذها والمجاهرة فيها والعمل عليها بتغيبك وغيابك،

والأهم برأيي من كل هذا ما شهدته وتشهده الحركة الوطنية في القدس من بعدك يا سيدي حيث التراخي لدرجة التلاشي للفعل الوطني المؤطر والمبرمج والذي من الضروري ان يخدم التوجهات الفلسطينية عموما وتطاير الجميع من حول القدس واصبح الموقف مختلف تماما فبعد ان كانت القدس قائدة ورائدة العمل الوطني تراجع دورها ليصبح هامشيا بعد قتلك واضحى كل شيء مسموح ومباح في هذا السياق وابناء القدس اتجهوا بكل الاتجاهات الممكنة فمنهم من قضى بسيرته ليُحال الى التقاعد المبكر ومنهم من هاجر وسافر الى اصقاع اخرى وهناك من بقي بالقدس محاولا ان يعايشها متوافقا وقوانين احتلالها في سبيل ان يبقى حيا في كنفها ومسرح الاحداث ما زال يتحضر لتنفيذ ما هو اعظم واكبر لإحالة القدس بالنهاية الى مدينة داودية توراتية وفقا لرؤيتهم والمجاهرة اصبحت علنية بذلك بل ان المخططات قد نُشرت والصور للتصور المستقبلي لما يسمى بمدينتهم قد اصبحت بمتناول اليد والسواد يكلل نواصي بيوتنا العربية بعد اصبحت بكل زقاق من ازقة القدس بيت يرفع علم يهوذا ويسطر على المشهد ومداخل القدس اضحت مهددة فباب العمود الذي كنت تعبره كل يوم خميس بجولتك المعهودة في البلدة القديمة سيغلق عن قريب لتفيذ المخطط الأشمل والأكبر بتاريخ فعل التهويد والأسرلة .... وتلك الجولات التي اذكرها تماما كانت الأجمل في المشهد المقدسي حيث اللقاء والمزاح والكلام والإستماع للشكاوي ومحاولة ايجاد الحلول والتوجيه والاستماع للنصائح وكل ذلك كان يتم بالشكل المباشر وبالتواصل الحسي المباشر ايضا ... كنت تتأثر بشكل ملحوظ ويسيطر عليك الشعور بالمسؤولية المطلقة وتصبح كل القضايا وكأنها قضاياك الشخصية والخاصة وهي كذلك ..

مرة اخرى يا سيدي نحاول الإجابة على السؤال الأكبر هل كان غيابك طبيعي ام انه قد كان قتلا مع سبق الإصرار؟ في واقع الأمر اعتقد الأجابة واضحة وضوح الشمس بعد استعراض مؤشرات وقائع القدس بظرفها الحالي..

هل تم قتلك لأنك تجاوزت خطوطهم الحمراء ... بعد تمردك على قوانين اوسلو وما فرضته من حيثيات في القدس؟ وبعد ان اتجهت مخاطبا العالم من طهران؟ وبعد ان طوعت الخلاف مع امراء الكويت الى البدء بمصالحة لصالح القدس؟ ام ان السبب كان لأنك عقدت العزم ان تتوجه الى بغداد لمقابلة الزعيم المتمرد آنذاك؟ ام ازعجهم ان ناكفتهم كثيرا من اجل القدس ووضعت صخرة الرفض امامهم لأي تسوية محتملة تتجاهل معادلة القدس بأن تكون العاصمة الفعلية للدولة العتيدة ... ام لإنك قد قلت يوما اذا ما نظرت باتجاه الشرق فسننظر ايضا باتجاه الغرب من القدس ... ام هي بسبب فرض سياسة الأمر الواقع عربيا وفلسطينيا في القدس والتي اتت بثمارها والقت بظلالها بالمنحنى الإيجابي على قوانين معادلة الصراع ....

سيدي فيصل... قبل ايام جاءنا بالنبأ الجديد ان زعيم خفافيش الليل الذين سطوا على العتيقة وسرقوا ونهبوا من تاريخها في محاولة لتطويعها وفقا لما يريدون، وقال في حضرة الأضواء المنبعثة من سراب اوهامهم انه لا فرق بالنسبة له ما بين معالية ادوميم وتل ابيب ولا يعير الإنتباه للحلول المقترحة في اطار ما يسمى بالحل الأممي المطروح على طاولة البحث والقاضي بدولتين لشعبين. كل هذا التبجح قد جاء كنتيجة طبيعية وفعلية لغياب القادة وانت واحدا منهم ...