الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مع فوز "أردوغان" هل نحن على أبواب عالم متعدد الاقطاب؟!!

نشر بتاريخ: 29/05/2023 ( آخر تحديث: 29/05/2023 الساعة: 13:32 )

الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة

بعد اعلان نتائج الانتخابات التركية بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان لفترة رئاسية ثانية، أصبح من الضروري قراءة هذا الفوز من ناحية أثره على ما يعرف "عالم متعدد الأقطاب"، خاصة بعد اندلاع الازمة الأوكرانية وإعلان التمرد على هيمنة الولايات المتحدة (شرطي العالم) على النظام العالمي لصالح نظام متعدد الأقطاب بدلا من القطب الواحد؟؟!!.

أولا/ العلاقات التركية الروسية:

فور فوز أردوغان، أبرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتهنئة لـــ«صديقه العزيز» كما وصفه، وهذا يوحي بأن العلاقات التركية-الروسية لم تكن منذ عقود طويلة بأفضل مما هي عليه اليوم، وأن هناك "كيمياء" علاقة خاصة بين بوتين وأردوغان، خاصة في ظل استمرار الازمة الأوكرانية وحاجة الروس لتركيا لتحويلها إلى مركز دولي لتوزيع الغاز الروسي، وما اختيار تركيا بالذات لتصبح مركزا لتوزيع الغاز الروسي، لهو قرار ذو طابع إستراتيجي، يوحي بعزم روسيا على المحافظة على علاقات وثيقة مع تركيا لعقود طويلة مقبلة. هذا الدفء المستجد في العلاقات التركية-الروسية خلقته المصالح السياسية، وليس تعبيرا عن أي علاقات شخصية خاصة بالتأكيد، ولأن الساحة الدولية في طريقها إلى تموضعات جديدة، فقد يستمر هذا التلاقي لوقت أطول مما قدر له، وربما يكون انقلابا إستراتيجيا في علاقات تركيا التحالفية من "الناتو" إلى الروسي الصيني.

ثانيا/ التحالف الغربي وتركيا:

من المعروف أن تركيا هي عضو في "حلف الناتو" الغربي، وهي تقوم بكل التزاماتها، وتحرص على القيام بالواجبات التي تفرضها عضوية الناتو، بما في ذلك ما يتعلق بأوكرانيا؛ ولكنها ترفض الاشتراك بالعقوبات التي فرضتها أمريكا والدول الأوروبية على روسيا، طالما أنها ليست عقوبات دولية ولم تكتسب قوة القانون الدولي. في الوقت نفسه، تصر تركيا على حقها في الحصول على طائرات إف-16 المتطورة، بديلا عن طائرات إف-35، بعد أن أخرجتها امريكا من قائمة مستحقيها. كما أن الجيش التركي، لا يزال ملتزما بكونه أحد جيوش حلف الناتو من حيث التسليح والنظام.

إلا أن فوز اردوغان هو هزة قوية للتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والعالم الان امام تحول جديد في مبنى وهيكل العلاقات الدولية لصالح التعددية القطبية وتضاؤل نفوذ وهيمنة المركزية الغربية.

دول عربية مثل السعودية وابو ظبي أيضا هنئوا اردوغان وفي رسالة التهنئة اكدوا على ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين كل من البلدين وانقرة، وهذا دليل على أن العالم يتغير، ولكن الضربة الكبرى للتحالف الغربي ستكون عندما تقبل منظمة "البريكس" تركيا في عضويتها مع السعودية ومصر وايران .

ثالثاً/ تركيا وإسرائيل:

وماذا بخصوص إسرائيل في هذه المعادلة الجديدة، نحن بحاجة الى قراءة مختلفة لمنظومة العلاقات الدولية الجديدة، والسؤال المحوري هو : في ماذا تحتاج تركيا او السعودية او الخليج لإسرائيل؟؟!!. فعندما تؤكد مراكز الأبحاث الغربية أن الدور الوظيفي لإسرائيل في تراجع فذلك يعني الكثير، وحتى تأثير اللوبيات اليهودية في الادارة الامريكية قل كثيرا عما سبق، فهي لم تكن منقسمة كما هي اليوم بين "جي ستريت" و"الايباك"، ولا حاجة لدولة مثل تركيا لإسرائيل لا عسكريا ولا امنيا ولا اقتصاديا، والعلاقة الدبلوماسية مع اسرائيل من قبيل التوازن في العلاقات وتصفير المشاكل مع الجميع.

إسرائيل اعتمدت في الماضي على كونها الدولة الإقليمية الوحيدة القوية، وتصاعد قوة ونفوذ دول أخرى في الإقليم كإيران وتركيا والسعودية هو أمر يقلق إسرائيل بالتأكيد، وذلك لأنه يقلل من نفوذها ويخفض من هيبتها، وهي تعلم أن هذه الدول ستستمر في سياساتها التي حققت لها هذا التصاعد في النفوذ، لذلك تسعى "إسرائيل" بكل ما أوتيت من قوة لاستباق هذا الأمر عبر محاولات تطبيع العلاقات مع أكبر عدد من دول المنطقة لتعويض ما تخسره من نفوذ.

الولايات المتحدة اليوم منشغلة في قضايا مركزية تتعلق باستمرار سيطرتها على العالم، والخصم الاهم والصاعد والمربك والذي لا يخفي عمله الحثيث لتغيير منظومة العلاقات الراهنة هما : الصين وروسيا، وما الشرق الاوسط وفي المركز إسرائيل، إلا مجرد قطعة شطرنج صغيرة في هذه اللعبة الكبيرة، بيد أن هذا لا يعني بالتأكيد أن تركيا تعمل على قطع روابطها الغربية التقليدية، وإلى تبني سياسة توجه شرقي إستراتيجي. ما يعنيه أن تركيا تسعى إلى تأسيس علاقة أكثر توازنًا مع أطراف الساحة الدولية المختلفة، تحددها المصالح التركية في الجوار الإقليمي، وليس رغبات الحلفاء الغربيين.