الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل نجح الاحتلال في ضرب النسيج الاجتماعي في الداخل الفلسطيني؟

نشر بتاريخ: 09/06/2023 ( آخر تحديث: 09/06/2023 الساعة: 14:46 )

الكاتب: بهاء رحال

يأتي هذا السؤال في ظل ارتفاع وتيرة العنف وزيادة الجريمة في الوسط العربي على نحو مرعب، كما وأن هذا السؤال ليس من باب الترف البعيد عن الواقع، ولا محاولة للهروب من هول المأساة، بقدر ما هو دلالة على حقيقة ما يحدث، وإن ظهرت الصورة للبعض مغايرة عن حقيقتها. فالاحتلال الذي تعمد على مدى العقود الماضية، كسر التماسك الاجتماعي والترابط الإنساني والقيمي، وضرب وحدة العائلات، ووحدة صوتها وحضورها وتناغمها في انصهارها العضوي، كتعبير حقيقي له تجليات انبعاثه، شعبًا واحدًا موحدًا مرتبطًا مع بعضه البعض تجمعه اللغة والأرض هوىً وهوية، الأمر الذي لم يرق له، كاحتلال كولينيالي بغيض، استيطاني احلالي، فحارب تلك الظواهر الجميلة المطرزة بفسيفساء وطنية، خيوطها تقية ندية، وألوانها عذبة شجية، طرزتها أيادي الجدات في وصايا العرف والعادة والتقليد، فكانت نبوءة الاحترام والتبجيل والتقدير كل صباح وعند المساء، وفي تعاويذ الحب والصبر والتآخي والتصالح والتعاضد والعفو والتسامح.

المجتمع الفلسطيني في الداخل، وعبر عقود طويلة من زمن الاحتلال بقي نصفنا الأجمل، الذي حافظ على أرضه وترابه، كما حافظ على هويته وانتمائه ولغة وقوة حضوره، ولأنه نصفنا الأجمل فإن كل حزن يصيبه، يوجعنا، ويؤلمنا، ونتداعى من حوله كما سائر الجسد، إن شكا عضو منه تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى.

من المؤسف جدًا أن نجيب على السؤال في الأعلى بكلمة " نعم" نجح بذلك الاحتلال إلى حد ما، بل ونجح إلى حد أكبر من التوقع، خاصة في السنوات الأخيرة حين بدت المدن والقرى العربية، مسرحًا لجريمة متدحرجة تتسع رقعتها ويزداد ضحاياها وتكبر الفجوة في صدع المجتمع العربي الفلسطيني، وهذا الذي يحدث، من جرائم قاسية مرده الأساسي هو سياسة قديمة وخطط دائمة اتبعها الاحتلال وأركان الكيان، ويبدو أنه نجح إلى حد ما حتى اللحظة، حيث أعداد القتلى يرتفع ويزداد كل يوم، ومع كل يوم نسمع عن جريمة جديدة أكثر بشاعة وأكثر دموية، حتى بات الأمر نكسة لكل واحد فينا، ونكبة تضرب ركيزة أساسية في حياة الشعوب، وهي قوة التعاون والتماسك والتعاضد، والقدرة على درء كل الآفات وعدم السقوط في وحل الجريمة والتشتت والتفتت.

الاحتلال الذي يرفع يد تنفيذ القانون في الوسط العربي لمكافحة ومحاربة الجريمة عن قصد، يهدف من وراء ذلك إلى زيادة الآفات وأبزرها القتل الذي يشتعل كالنار في كوم من القش، فعمليات الثأر لا تتوقف ولا يتوقف سيل الدم، وهذا أخطر ما يحدث وما نشاهده هذه الأيام، وعلى وجه التحديد منذ بداية العام، الذي هو العام الأكثر بشاعة والأخطر في الوسط العربي الفلسطيني، وبالتالي فإن مآسي الحالة تزداد ويزداد معها الانزلاق إلى قاع مجتمع الجريمة، وهذا ما يسعى له الاحتلال، وهذا أكثر ما يخيفنا، فهل اتخذت الجماهير العربية بكل أحزابها وعشائرها وجموع العائلات ورجال الإصلاح والسياسيين والاقتصاديين، وذوي الاختصاص والغيورين وغيرهم، الدور الضروري والواجب لحقن الدماء، ولاستعادة الوعي الجمعي، والدفع نحو مكافحة الجريمة بكل الوسائل والسبل.

ووسط كل ما يحدث فإن الرهان على عودة ترابط المجتمع، والخروج من وحل هذه الآفات، والنهوض من جديد، ممكنًا وهذا ما نتمنى أن يحدث وأن نراه ونلمسه في الأيام والأسابيع القادمة، وذلك ينبع من أن الطاقات المميزة والرهيبة والصفوة التي تتميز وتتألق وتبدع في مختلف المجالات، لا يمكن أن يرتهن مصيرها لمجتمع الجريمة، وبالتالي فإن الغالبية في الوسط العربي لا يمكن أن تسمح لفئة قليلة أن تأخذها إلى القاع.