الجمعة: 08/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

خربشات في ظل محرقة غزة...

نشر بتاريخ: 12/02/2024 ( آخر تحديث: 12/02/2024 الساعة: 17:33 )

الكاتب: يونس العموري

مرة اخرى نجدنا نمارس فعل المشاهدة القسرية لمسلسل عرس الدم... ومرة أخرى نشاهد فعل الذبح لفلسطيني لا ذنب له إلا لكونه كنعاني الإنتماء والهوية.... مرة أخرى تكون المجزرة الفعل المُباح بأمر ملوك وأباطرة صناعة الموت والقتل..

هي غزة من جديد تأبى إلا أن تتصدر عناوين نهاية العام.وبداياته وستظل المتصدرة الى أجل غير مسمى .. ليكون الاحتفال بصلب سادة الفقر ، والفقراء على جلجلة المحرقة.... فلكم القتل والتقتيل والصراخ والعويل، ولنا أن نشاهد حلقة من حلقات رقص الذبيحة وهي تلوذ بالتيه. والسؤال ما زال بلا إجابة... أي عصر هذا الذي نحيا..؟؟ وبأي ذنب توأد من كانت تحاول ان تلهو بأطراف نهاية العالم..؟؟ ومن أنتم حتى تقتلون وتذبحون..؟؟ من أنتم حتى توجه لكم اتهامات إزعاج القاتل...؟؟ ولابد من اعتذراكم للسكين..؟؟

يا أحياء غزة مع وقف التنفيذ... ويا شهداء حواري الموت... لا تنتظروا أحدا منا.. لا تنتظرونا فلن نأتيكم على متن الريح لنجدة ابتسامة رضيع يحاول أن يبحث عن صدر أمه المقتولة...

يا شهداء غزة لن نمارس إلا فعل الكلام والصراخ ثم الصمت... لنعود لاحتفالات الليل بحضرة صخب فنون التنظير وتحليل وقائع افعال الضحية... وربما سنعلق بعضا من صوركم على جدران مقاهينا ليُصار لنا مكانا في أزقة ثقافة العويل والرقص لإحياء الذكرى من جديد....

يا أحبة الحياة ان استطعتم الى ذلك سبيلا... هو الموت المتربص بكم فلا تتسولوا حياتكم... واعلموا أنكم قرابين للدين الجديد ولنصرة إمام العصر وسادة القذف والقصف... ولا باس من عطايا السماء بليلة العيد الماضي والقادم والصوم على الأبواب ... فلا شك أنكم كنتم بالانتظار وانتم على موعد مع هدم البيت فوق رؤوسكم... والسيدات لن يمارسن فنون التجميل فقد أجبرن على مغادرة الليل تحت جنح عباءة الموت دون كلمة أو شهقة حزن أو حتى ابتسامة في وجه العاشق المتسلل لمخدع الحياة....

يا ضحايانا... هل لكم أن تعتذروا عن إفساد صخب ليلهم...؟؟ هل لكم أن تقدموا أسفكم فقد أفسدتم حفلنا ورقصنا وليلنا ونهارنا واجبرتمونا أن نتمترس أمام شاشات فضية لنشاهد احتفالاتكم بعيد الميلاد من جديد وعيد العشاق القادم واعياد الرب عند الكل عربا وعجما والسجد الركع ...

في ظل الأحمر القاني أما آن الأوان لهذا الكفر من نبي يوقف غيه...؟؟ وأما آن الأوان لهذا العهر من مخرج...؟؟ وأما آن الأوان لهذا الإنهيار والسقوط من قاع يتوقف عنده كل هذا الخنوع.... ؟؟ صار القتل طبيعيا والقتلى يسقطون هناك بعاصمة الفقراء التي تسمى اليوم مجازا (غزة)، وهي مرتع لممارسة كل أشكال القهر وتجربة النظريات الحديثة في فنون السادية البشرية... والمباشرة بتطبيق حكم أمراء الإمارة الجديدة في ظل استواء مقارعة الحجة بالحجة والكلمة بالكلمة.. وبالتالي لابد من سقوط القتلي من على هوامش سجال الكفر والعهر وعبثية الكلام والصراخ...

ونحن قابعون هنا نرقب المشهد من جديد، ولعلنا نشترك مع عواصم العرب والعجم بالأسف عما يجري.. صرنا غرباء عنهم وكأننا في بلد آخر غير تلك التي تسمى غزة... وصرنا نحتسي قهوتنا وننعم برغد عيشنا ولو نسبيا ونرقب مشاهد القتل والذبح من الوريد للوريد...

هو الذبح العشوائي والعبثي... وممارسة لهو الكلام.. وسادة العصر ينطقون بأسماء القتلى بكل مكان.. ويصرخون ويملوؤن الدنيا ضجيجا... ويتوعدون ويهددون وربما يمارسون فن صناعة الخطابات وأصول البلاغة بالكلام... وأشلاء القتلى متناثرة بكل الأمكنة... وصارت لعنة بكل الطرقات وتناشدهم بأن اخرسوا وكفوا عن مهاتراتكم... وصهيل خيولهم صارت مزعجة... ففي ظل الأحمر القاني لابد أن يمسك الكل عن الكلام... ولأن المشهد قد صار قاسياً بقسوة سماء غزة، ولأن يومنا هنا قد صار مشوهاً، ولا مجال لفعل الركوع لرب عزة السموات والأرض حيث صار فعلا إرهابيا، ومطاردة ذواتنا بحواري الضفة هنا... وغزة هناك تشغل بال كل الكاميرات التي تحاول أن تختبئ ما بين الأجساد المتراكضة هرباً او ربما خوفا من أن لا تصل الصورة إلينا....

مرة أخرى أيها السادة نجدنا عجزة ونجد أنفسنا تقف عند أعتاب خيانة الموقف... ربما نذرف الدموع أو تقشعر أبداننا على بشاعة المشهد.. وربما نلوم من التقط صور تكور وتقطع أجسادهم... مرة أخرى نحاول أن نتعايش وهذا اللامعقول وهذا الجنون... وربما أيضا نتضرع إلى الرب بقبولهم واحتسابهم شهداء، ولعلنا نمارس شيئا من فعل النضال عندنا... وإن كنا سنبالغ اكثر، ربما نصرخ أو نتكور على أجسامنا ونعاقب ذواتنا بتلك الليلة ونتمتع عن ممارسة اللهو ونساءنا...

ولأننا صرنا الممزقين ما بين غزة وكل المدن ، صرنا التائهين بكل شيء، وصرنا نشك بعروبيتنا وسالامنا ومسيحيتنا وربما باانسايتنا ، ونشك بأحلامنا، ونشك بأجسادنا، وهل من الممكن أن نمتلك زمام مبادرة أحلامنا من جديد...؟؟.. كل شيء صار مباحا وفعل القتل مباح.. وتمزيق الأجساد أيضا مباح... واغتيال الصورة مباح... لكن السؤال الأكبر.. من الذي أباح كل هذا..؟؟ هل هو من يتربص بأحلامنا ويقذف نيرانه علينا...؟؟ أم أنه ذاك المتربص بحوارينا ويمارس فن تطويع أذهاننا؟؟

وحيث أن هؤلاء جميعاً قد صاروا الأمراء والزعماء... فمن الطبيعي إذن أن يتحول السجال والكلام إلى احتراف أصول فعل السياسة ودهاليز تسجيل النقاط بلغة المواقف على الآخر التي أصبحت هي اللغة السائدة والأم التي يتحدث الجميع وصار طبيعيا أن يراق الدم... وغابت عن ذهنهما لغة الثورة المقاومة والممانعة التي انسحبت من مشهد وقائع الفعل الفلسطيني الراهن، وبالتالي لابد أن يأخذ الجرح الفلسطيني المعتق دوره في المعركة.. ولابد أن يعود ليقص حكايته من جديد كشاهد عيان على التضحية، وكضحية في ذات الآن.. وقد أنيط به دور الطعم الذي يتم به اصطياد الغنائم.. فهذا زمن تباع فيه بلاد وتشترى أخرى زمن تعرض فيه فلسطين بالمزاد الدبلوماسي، أو يصطحبها أصحاب المغانم معهم في الحفلات التنكرية كبرستيج تراثي...

هو فعل الإنتظار من جديد.... هكذا صارت فلسطين تنشد رحمتها من سادة المدن الأخرى.. ويهرب ونهرب معهم نحن أبناء هذا الوطن بعد أن صرنا الغرباء عن المكان وصارت ذاكرتنا لا تحتمل المشهد الذي يأتينا... أي أننا نهرب من الرمضاء إلى النار... ولنا أن نختار ما بين الهرب في وضح النهار أو متسللين تحت جنح الليل خلف جدران العتمة....

وصار الناطقون المتمنطقون بالحجج ووثائق أوهام الحقيقة أبطال اللغة وسادة الموقف.. والناطق الرسمي باسم الجرح باهتاً مطارداً مطروداً خارج ذاكرة الزمان والمكان، والسادة قد انسحبوا بإرادتهم تمهيداً لما سيكون من مشاهد المخيمات المترامية على مساحات الذاكرة المدججة بالمذابح.. ثم هاهم المثقفون الذين يبصمون بالحبر على قدسية الدم فيعتقون نبله...