السبت: 27/07/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثقافة الهزيمة …. !!

نشر بتاريخ: 28/05/2024 ( آخر تحديث: 28/05/2024 الساعة: 17:31 )

الكاتب: عوني المشني



الهزيمة لها ثقافة ، لها ابعاد اجتماعية واقتصادية ونفسية ، لها مصلحات لغوية ……ولها طبعا بعدها السياسي الذي ينتج اصطفافات وتحالفات واستراتيجيات ، الهزيمة منظومة ومنهج تفكير وادوات .
انتج الصراع الفلسطيني مثل هذه المنظومة بكل المعاني والتجليات والأبعاد …. مئة عام وبضعة سنوات من الصراع لا بد ان نستنتج ذلك ، لكن وهذا بفضل الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني ، هذا الوعي العميق والمتأصل والذي تضرب جذوره في عمق الموروث الثقافي والاجتماعي الفلسطيني فان مثل تلك الثقافة معزولة ومحدودة التأثير ومنطوية على ذاتها ، فالمجتمع الفلسطيني مجتمع معبأ باسباب الانتصار ومحصن ضد ثقافة الهزيمة وقادر على تجاوز عذاباته ليجترح معجزة الصمود الايجابي والذي هو صاعق الانتصار …. المجتمع الفلسطيني مجتمع يتفوق على نفسه في الابقاء على جذوة الامل مشتعلة ويستطيع صناعة الفرص حتى من العدم ليصنع حبلا يتسلقه نحو احلامه وطموحاته ….
ثقافة الهزيمة هي ثقافة الخضوع لميزان القوى وجعله العامل الذي يحكم المسلك السياسي ، ثقافة الهزيمة هي حساب نتائج المعارك بالأرقام المجردة وإغفال الابعاد الأخرى ، ثقافة الهزيمة هي تسول الإنجازات بدون بذل جهد لتحقيقها ، ثقافة الهزيمة هي البناء استراتيجيات بالاستناد على الافتراضات المنفصلة عن الواقع ، ثقافة الهزيمة هي الفصل التعسفي بين سلامة الوطن وسلامة المواطن وان الأصل في الموضوع هو وطن حر يعيش فيه مواطن بسلام ولا امن لمواطن طالما الوطن محتل . ثقافة الهزيمة هي تبرير التقاعس بالنوري والتراجع بالحكمة والاستسلام بالواقعية . وثقافة الهزيمة هي التي تعجز عن النصر وتنكر على انتصار الآخرين انتصاراتهم ، بل تحاول تقزيم تلك الانتصارات وتبعيتها باستخدام تقنيات الخداع الفكري .
ثقافة الهزيمة ليست موقف دونما سياق ، فلسفة ومنهج بدون استراتيجية او رؤيا ، تغيب الرؤيا والاستراتيجية لا لعدم ادراك اصحاب تلك الثقافة لاهمية الرؤيا والاستراتيجية بل لان مصالحهم الذاتية الانانية هي التي تحدد مسلكهم وممارساتهم . ثقافة الهزيمة تختلق الاوهام عندما تفتقد المعطيات وتقدمها لبيع سياساتها على قاعدة الاوهام ، ثقافة الهزيمة عنيدة امام الخصوم متهاوية امام الاعداء ، وهي غنية بمصطلحات التبرير وفقيرة بمنطق التفسير ، تفصل المقدمات عن النتائج ، تخرج الاحداث من سياقها الطبيعي وتقدمه في سياقات مصطنعة ووهمية ، ي ثقافة أنصاف الحقائق ، انتقائية للمعطيات ، كثيرة الاستدراك ، تقفز من سياق إلى آخر بشكل حاد وفجائي ، تعتمد المنطق الميكانيكي في اخذ الاستدلالات الخارجة عن سياقها .
ثقافة الهزيمة رعناء ، تقفز إلى النتائج وتسبق تداعيات الحدث واحيانا تسبق الحدث نفسه !!!! تضخم مثالب الآخرين وتخفي خطاياها ، متسرعة في استصدار الاحكام الجاهزة والنمطية ، لديها منظومة من المفاهيم المعلبة والجاهزة ، صوت ثقافة الهزيمة دوما مرتفع للتغطية على ضعف الشخصية ، وهي ثقافة وقحة ، تعتذر حين تكون ضعيفة ، تستصغر الدم عند مصالحها ، وتعظم الدم عند مصالحها ، تقدس القيم عند مصالحها ، تدوس على القيم عند مصالحها ، تحافظ على القانون وترعاه حيث يخدمها تدوس القانون عندما يتعارض مع مصالحها تدني العالي وتعلي الدنيئ ، انها ثقافة وقحة نزقة مغرورة بليدة .
ثقافة الهزيمة ثقافة متآمرة ، تعيش في الغرف المظلمة تكره شمس النهار ، انانية يطبعها ، تبحث عن الحقيقة في ذاتها وتصنع من ذاتها معيارا للتقييم ، الأفضل منها هي ذاتها وما دون ذلك لا قيمة له عندها ، متوحشة كما مصالحها ، لها جلد سميك تتحمل النقد والشتم ما دام لا يهدد مصالحها .
ثقافة الهزيمة تقدم الخاص على العام ، الشخصي على الوطني ، تستخدم ما هو جيد لتبرير ما هو سيئ ، تهتم بإبقاء قدر من الغموض المربك حول اداءها ، ليس لديها مواقف ثابتة من القضايا الاستراتيجية وانما سياسات متغيرة ، ثقافة الهزيمة لا تستمد شرعيتها من شعبها ولا من القانون او المؤسسة ، شرعيتها من اطراف القوة المحيطة بها ومن تقبل الاخر لها ومن الطبقة المحيطة بها ، تلوي عنق القانون ، وتتجاوز ارادة الشعب ، المهم ان تسترضي الاعداء واشباه الاعداء ومحيط الاعداء .
في نهاية الامر ثقافة الهزيمة ثقافة لقيطة ليس لها جذور او اصول ولا شهادة ميلاد او هوية ، انها الهزيمة العارية وبدون حتى ورقة التوت .