الكاتب: عوني المشني
قد تحتاج أحيانا إلى إثبات خطأ الآخرين ، لكنك بالتاكيد تحتاج دوما لاثبات انك على صواب ، تذكر ان اخطاء الآخرين لا تثبت انك تاخذ الموضع الصحيح ، الضياع الحقيقي ان تثبت ان الاخرين خطأ كما انت .
هذه ليست حكمة او موعظة ، هي تكثيف تجريدي للحالة السياسية الفلسطينية ، تتبادل فتح وحماس الأدوار في اثبات كل منهما خطأ الاخرى ، ورغم ان الفلسطيني لا يثق كثيرا بهما إلا انه يصدقهما عندما يتحدث كل طرف عن الاخر وان كانت عدم الثقة تلك نسبيه إلى حد ما ، انه انه يصدقهما لتتشكل صورة ان كلاهما على خطأ ، وبهذا تفقد النخب الفلسطينية مصداقيتها وثقة الجماهير بها بعد ان فقدت قدرتها على وضع شعبنا على الطريق الصحيح ،
وحتى لو استخدمت فتح رصيدها التاريخي للابقاء على بعض الدعم ، او استخدام حماس رصيدها من قداسة المعتقد فان ذلك لم يعد يشفع لهما ، تآكل الرصيد التاريخي من وفرة الاستخدام ، وحصلت هوة سحيقة ما بين قدسية المعتقد والاداء السياسي الميكافيلي .
استخدام البديهيات السياسية في غير موضعها لعبة لم تعد تنطلي على احد .
احدى المفارقات العجيبة ان البدائل العربية كانت من نفس طينة القوى التي سقطت ، وأحدث اثرا أسوأ مما سبقها ، ما بعد القذافي ملوك طوائف ، وما بعد مبارك لم يكن مبارك ، وما بعد الاسد اسد بلا مخالب ولا انياب . وهذا ما يخيف شعبنا الفلسطيني بان ما بعد عصر الفصائل سيكون عصر انحطاط ، لهذا فان قبول الحاضر هو تعبير عن تخوفات من المستقبل ، وما بين واقع مرير ومستقبل مجهول تغيب الرؤيا ويحتضر اليقين .
وكأن محمود درويش يصرخ باسم شعبنا " اين الطريق إلى اي شيئ ؟!!! " ، كل يكرر سؤال محمود درويش بطريقته ، ولا طريق ، نحن لسنا امام مفترق طرق لا نعلم أيهما نختار ، نحن نبحث عن الطريق ذاتها ، ورحلتنا بالبحث هي رحلة الدم مسلوب والارض المسلوبة للاستيطان ، والمدن المغلقة بالحواجز والمستشفيات التي تحولت إلى مقابر .
هناك من يتلمس الطريق ، ولانه مختلف ، ولانه استبق وقته ببعض الوقت فانه يواجه بتشكيك احيانا ، وبدهشة الاستنكار احيانا اخرى ، يتهم بانتهاك المقدسات ، والمس بالخطوط الحمراء . التفكير خارج الصندوق ليس ترفا فكريا وان بدى كذلك في زمن يستباح فيه كل منطق وينحط فيع العقل .
هل هناك طريقا آخر ؟!!! دائما وابدا هناك طريق آخر فالساقية لها اربع جهات حتى لو كانت دائرية ، ولها اكثر من طريق ، صحيح ان ليس " كل الطرق تؤدي إلى روما " وصحيح ان هناك طرقا تأخذ من الوقت اكثر للوصول ، ولكن هناك طرق تضمن الوصول بسلام وهي افضل الطرق بلا شكوك ولا تشكيك .
ما بين مقاومة تغامر ومفاوضات تقامر ، هناك صمود وطني لا يحتاج لاعادة اكتشاف ، هو فعل يومي يمارسه شعبنا منذ عشرات السنوات ، صمود فاعل ، ايجابي ، متراكم ، متطور ، شامل ، شعبي ، هادف ، واعي ، متأصل ، ممكن ، آمن ، مؤثر ، استراتيجي ، واعد
كل تلك الصفات للصمود لها مدلولاتها ، لها مبرراتها ، ولها سماتها . الصمود هو الفعل وردة الفعل ، هو الغاية والوسيلة ، هو القيادة والقاعدة ، هو الاستراتيجية والتكتيك ، هو المقاومة والمفاوضات ، وهو الممكن والمفترض .
ما ينقص الصمود هو التجريد النظري ، البنية النظرية ، وينقصه الخيال الواسع ، وينقصه الناظم المؤطر ، وينقصه القيادة التي تحصد .
وكما هو الابداع الفلسطيني ، فالعقل الجمعي الفلسطيني اجترح هذا الابداع الكفاحي " الصمود الايجابي الفعال " قبل ان يكتشفه المثقفون وأباطرة السياسة ، ابتعه ومارسه بدون ان يكون له سياق نظري ، وبدون ورشات عمل لبناء استراتيجيات ، وبدون غرامشي وماوتسي تونغ وجيفارا ، استطاع شعبنا ان يكتشف قدراته وطرائق كفاحه دون خطط عمل . المثقفون يأتي الان دورهم لبناء الاطار النظري ، وسيكون ذلك ولو متأخرا …