الإثنين: 02/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

ورقة وتكوف: مبادرة كتبتها تل أبيب وقرأتها علينا واشنطن بصوت دبلوماسي

نشر بتاريخ: 31/05/2025 ( آخر تحديث: 31/05/2025 الساعة: 23:32 )

الكاتب: بسام زكارنه

منذ بداية العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة في 7 أكتوبر لم تتوقف محاولات إنتاج مبادرات تحمل عنوان “وقف إطلاق النار” و”إنهاء الكارثة الإنسانية” لكن جوهر هذه المبادرات ظل محصوراً في إعادة تدوير المطالب الإسرائيلية وتقديمها بلغة ناعمة عبر القنوات الدبلوماسية الأمريكية.

آخر هذه المبادرات ما عُرفت إعلاميًا بـ”ورقة وتكوف” جاء في توقيت يُراد له أن يبدو كـ “فرصة للسلام” بينما هو في الحقيقة محاولة لاحتواء الغضب الدولي المتصاعد ضد إسرائيل ومنحها فرصة جديدة لترميم صورتها التي تآكلت بفعل المجازر اليومية والاتهامات المتصاعدة بارتكاب جرائم حرب.

الرد الفلسطيني على المبادرة والذي تم تسليمه عبر الوسطاء عبّر عن موقف موحد نسبياً للفصائل خاصة تلك الموجودة خارج غزة حيث حمل موافقة مشروطة تتضمن تحفظات جوهرية: أبرزها وقف العدوان فوراً، انسحاب كامل من القطاع، رفع دائم للحصار، إعادة الإعمار دون شروط سياسية، وضمان احترام حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وفي تقرير مصيره.

ومن خلال رد ويتكوف نلمس بوضوح محاولته نصب فخ للمقاومة الفلسطينية حيث لم ينتظر دراسة موقفها أو الاستماع إلى ردها بل سار سريعاً في الضغط على الضحية مبرراً بذلك استمرار العدوان الإسرائيلي دون توقف ، هذا النهج يكشف أن الوساطة الأميركية ليست طرفاً محايداً بل أداة تُستخدم لخدمة مصالح إسرائيل مما يعمّق من مأساة الشعب الفلسطيني ويؤكد غياب الإرادة الحقيقية لإحلال السلام العادل ، فالضغط المستمر على الفلسطينيين لتقديم تنازلات بينما تُعفى إسرائيل من أي التزام هو دليل إضافي على أن ما يُطرح اليوم ليس سوى محاولة لتجديد احتكار الوساطة لصالح الاحتلال لا حل جذري للقضية.

إن ترك ملف الوساطة بيد الولايات المتحدة يعني عملياً غياب أي حل حقيقي للقضية الفلسطينية و ما يُقدَّم اليوم ليس إلا هدنة مشروطة تمنح إسرائيل فرصة لالتقاط أنفاسها وتخفيف الضغط الشعبي والدولي وإعادة ترتيب أوراقها بينما تتواصل الحرب المجنونة بأشكال أخرى ، إن ما يُطرح ليس حلاً بل استراحة محارب لمجرم حرب.

ومن الخطأ الكبير اختزال القضية الفلسطينية في بعدها الإنساني فقط فالمشكلة في جوهرها سياسية تتعلق بالاحتلال والعدوان والاستعمار وإن معالجة الكارثة الإنسانية لا يمكن أن تكون منفصلة عن الأسباب التي خلقتها ، ولا يجوز أن يكون “السلام” لإسرائيل مقابل “الخبز” لمن تبقّى من الأيتام تحت الركام ولا يمكن أن يُبنى أي سلام حقيقي على أنقاض الحقوق والكرامة الفلسطينية أو على مقايضة الحياة بالاستسلام.

و رغم الوضع الكارثي في غزة حيث الموت يلاحق الناس جوعاً وقصفاً فإن الشعب الفلسطيني لم يرفع الراية البيضاء بل أثبت مجدداً أنه أقوى من أن يُكسر وأن إرادته لا تزال صلبة رغم كل الجراح ، هذا الشعب وليس فقط مقاومته هو صاحب الأرض والقضية ولن يقبل بأي حل لا يحقق حريته واستقلاله وكرامته.

في المقابل تعيش إسرائيل أزمة داخلية متفاقمة: تفكك في القيادة، احتجاجات داخلية، فقدان الثقة بالمؤسسة الأمنية، وارتفاع غير مسبوق في العزلة الدولية ، حتى في الغرب بدأت الأصوات تتعالى لمحاسبتها وبدأت صورتها كدولة “ديمقراطية” تنهار أمام أعين العالم.

لهذا فإن أي مبادرة حقيقية يجب أن تُصاغ خارج تل أبيب وواشنطن والمطلوب اليوم هو تفكيك هذا الاحتكار الأمريكي للوساطة وإشراك أطراف دولية محايدة تحظى بمصداقية لدى الشعب الفلسطيني مثل الصين وروسيا ودول الجنوب العالمي لإعادة التوازن للمشهد وكسر الهيمنة التي حولت مفهوم “السلام” إلى غطاء لمشروع الهيمنة الإسرائيلية.

الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن أهدافه المشروعة: الحرية، والكرامة، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس وأي مبادرة لا تعترف بهذه الحقوق لن تكون إلا تكراراً لوصفات فاشلة لم تُنتج يوماً سلاماً بل عمّقت الجراح وأطالت عمر الاحتلال.