الأربعاء: 04/06/2025 بتوقيت القدس الشريف

حصار رام الله أم حصار العواصم العربية؟

نشر بتاريخ: 02/06/2025 ( آخر تحديث: 02/06/2025 الساعة: 09:27 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

القرار الصارم ، ولا أقول المفاجئ، الذي اتخذته اسرائيل بمنع الوفد الوزاري العربي من الاجتماع بالسيد الرئيس محمود عباس في رام الله ، قرار خطير جداً، ذلك أنه يحاول جاهداً منع أن تكون رام الله صانعة قرار أو مركزه أو مشاركة فيه على الأقل ، فالرمزية هنا لها قوة الحضور والتجسد، فاجتماع مثل هذا المستوى وفي مدينة رام الله بالذات يعني أن الديبلوماسية العربية والإسلامية تريد أن ترمم التسوية التي تم اختراقها أو حتى تجاوزها.
مثل هذا الاجتماع كان يهدف ضمن أمور أخرى إلى الإسراع والمساعدة في اعداد السلطة الوطنية الفلسطينية للمهمات والتحديات الخطيرة المقبلة، وإلى تقويتها أمام الغطرسة والعنجهية الاسرائيلية التي لا تخفي رغبتها في إنهاء السلطة أو إجبارها على وظائف وأدوار أخرى ، مثل هذا الاجتماع كان يهدف أيضاً إلى الابقاء على خيار التسوية بحدوده الدنيا من خلال مسار حقيقي لا رجعة عنه لإقامة دولة فلسطينية بشروط قد تكون جديدة، وهنا لا أدافع ولا أبرر بقدر ما أعرض الأمر كما أراه ليس إلا، ومن هنا ، فإن قرار إسرائيل بمنع هذه الوفد من عقد الاجتماع في رام الله إنما هي رسالة اسرائيلية واضحة لا تقبل التأويل موجهة إلى كل العواصم العربية وللإدارة الأمريكية وللاتحاد الأوروبي أنها تجاوزت حل الدولتين وتجاوزت فكرة المشاركة أو الاندماج أو القبول أو حتى البحث عن التطبيع كما يفهمه العرب على الأقل، وأنها لن تتعامل مع الخطة العربية الإسلامية الجديدة ، وأنها لن توقف مخططاتها بالتهجير والتدمير والضم ومحاصرة السلطة الوطنية والبحث عن أشكال أو هيئات جديدة فلسطينية ، وأنها لم تعد تؤمن بإدارة الصراع كما عرفناه على مدى عقود، بل هي تتجه إلى حسم هذا الصراع بأقسى وأقصى ما لديها من أدوات وغطرسة لفرض ذلك على الجميع.
إن قرار إسرائيل بمنع هذا الوفد من الوصول الى رام الله يعني أن إسرائيل وبكامل الاستهتار تعرض علاقاتها الديبلوماسية وغيرها للخطر مع ثلاثة دول على الأقل كانت مشاركة في هذا الوفد وتعرض علاقاتها المستقبلية بالدول الأخرى للخطرأيضاً، فإسرائيل ترى في أن هذا الاجتماع قد يقود أو يؤسس أو يقنع الادارة الأمريكية باستئناف عملية التسوية بدعم أوروبي
دولي، أو أن يقود هذا الاجتماع إلى إيقاظ كل المشاريع التي عملت إسرائيل على دفنها وتجاوزها طيلة عقود كاملة من الزمن.
إسرائيل ليست في وارد التسوية، ولم تعد ترى في السلطة الوطنية شريكاً، ولم تعد ترى في إقامة دولة فلسطينية مهما كانت معقمة شرطاً للاستقرار والهدوء، ولم تعد ترى في الشعب الفلسطيني شريكاً أو جاراً أو حتى عدواً يمكنه التفاهم معه ، اسرائيل تعتقد أنها بهذا القرار المتسرع وغير الحكيم على الإطلاق أنها تستطيع احباط فكرة التسوية حتى بشروطها الدنيا وأنها تستطيع اجهاض المؤتمر الدولي المزمع عقده في منتصف الشهر القادم تقريباً بمشاركة مئة دولة لتأكيد حق الشعب الفلسطيني في الوجود والدولة والكرامة والحرية ، وأنها تستطيع ان تمنع المسار التاريخي الطبيعي لكل صراع، وأنها تستطيع أن تلغي شعباً كاملاً يطالب بحريته.
والسؤال هو أن اجتراء اسرائيل على هذا القرار وعدم التراجع عنه يتطلب ردوداً حقيقية وملموسة من قبل الدول الستة التي منع وزرائها من دخول رام الله، ومثلما أطلقت اسرائيل النار على ممثلي ثلاثين دولة أوروبية وعربية في جنين قبل عشرة أيام تقريباً، فهي تطلق أيضاً عدواناً ديبلوماسياً مماثلاً على دول عربية تمثل تيار الاعتدال العربي، ولا بد حقيقة من الرد، وهناك الكثير من أدوات الرد الدبلوماسي وأشكاله ، وأن عدم استخدامها ليزيد من شهية إسرائيل وعنجهيتها في البلطجة السياسية واتخاذ مثل هذه المواقف مستقبلاً.
ولا يمكن تبرير الصمت أو ادعاء الحكمة أو التريث أو استخدام الوسائل الخفية في معالجة موقف علني مثل هذا، وأن هذا الصمت اذا طال يجبرنا جميعاً أن نقارن بين من يجاهر بمقاطعة المواقف الاسرائيلية ويدعو الى حصار احتلالها وبين من يدعي أن قطع تلك العلاقات ليس من الحكمة في شيء. ولن ندخل في جدل فلسفي حول الحكمة وأنواعها وألوانها وأشكالها . فالغضب في بعض الأحيان ليس مطلوباً فقط ولكنه يرقى إلى مرتبة الفريضة.