الكاتب:
هبة بيضون
في منطقة تتقاطع فيها التحدّيات مع الطموحات، تبرز العلاقة الأردنية الفلسطينية كأنموذج فريد من التفاهم والتكامل. ليست مجرد علاقة جوار، بل شراكة متجذرة في الوعي الجمعي، تتجدّد مع كل محطة سياسية، وتثبت حضورها في كل اختبار إقليمي.
منذ بدايات القرن العشرين، تشكّلت ملامح العلاقة الأردنية الفلسطينية على أسس من التضامن والمصير المشترك. فقد لعب الأردن دوراً محورياً بدعم القضية الفلسطينية، سياسياً ودبلوماسياً وشعبياً، واحتضن موجات اللجوء دون التخلّي عن موقفه الثابت تجاه حق العودة ورفض التوطين.
لم تكن المواقف الأردنية الفلسطينية يوماً متنافرة في القضايا المصيرية، من الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، إلى التنسيق في المحافل الدولية، ظلّ الصوتان متكاملين بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ورفض الحلول المجتزأة التي تتجاوز العدالة التاريخية.
شكّل الفلسطينيون في الأردن جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني، دون أن يُطلب منهم التخلي عن هويتهم. هذا التوازن بين الاندماج والحفاظ على الخصوصية، هو أحد أسرار الاستقرار الداخلي، حيث أنّ الاندماج الكامل دون مراعاة الخصوصية الوطنية، قد يؤدّي إلى ذوبان الهوية، بينما قد يخلق التمسك المفرط بالخصوصية، دون اندماج، نوعاً من العزلة أو شعوراً بالتمييز، أما التوازن بين الاثنين، فهو ما يسمح ببناء مجتمع متماسك ومتعدّد في آنٍ واحد، يعكس نموذجاً يمكن البناء عليه بتجارب إقليمية أخرى.
أمّا اقتصادياً، فرغم التحدّيات، إلّا أنّ هناك فرص واعدة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، حيث يسهم التكامل الاقتصادي بدعم الصمود الفلسطيني، ويقوّي السيادة الاقتصادية الأردنية بمواجهة الضغوط الخارجية، من خلال توسيع مجالات التجارة والاستثمار، وخلق فرص عمل تخفّف البطالة، وتنعش الاقتصاد المحلي الأردني.
كما أنه وفي عصر السرديات المتنافسة، أصبح الخطاب الإعلامي ضرورة سيادية، وهنا تبرز الحاجة لصياغة خطاب إعلامي أردني فلسطيني مشترك، يعكس الرواية الفلسطينية الأردنية بأسلوب مقنع، ويخاطب العالم دون أن يفرّط بالثوابت، سواء الثوابت الأردنية أو الفلسطينية، والتي هي متناغمة ومتطابقة الى حد كبير، بحيث يعبّر عن وحدة الموقف السياسي، من خلال سردية متماسكة، عقلانية، وعابرة للحدود، تُعزّز حضور القضية الفلسطينية، وتكرّس دور الأردن كحاضن ومناصر أساسي في هذا المشروع المشترك.
إن العلاقة الأردنية الفلسطينية ليست مجرد تحالف سياسي، بل هي مشروع حضاري طويل الأمد، يتطلب أدوات تفكير جديدة، في زمن تتغير فيه أدوات التأثير، ورغم وجود تنسيق فعّال بين البلدين بمختلف المجالات؛ إلّا أنّ المرحلة الراهنة تستدعي إطاراً مؤسسياً رسمياً ثنائياً أكثر شمولاً واستدامة، يُدار من قبل الدولتين مباشرة.د، إطار يُترجم هذا التناغم إلى رؤية استراتيجية موحدة، ويُعيد صياغة العلاقة بوصفها منصة إنتاج وتكامل، لا مجرد رمزية تاريخية.
من هنا، تأتي التوصية بإنشاء مجلس تنسيقي أردني فلسطيني رسمي، متعدّد القطاعات، ويكون على مستويين: السياسي، والتنفيذي الفني، يتولّى هذا المجلس تحويل المفاهيم المشتركة إلى مبادرات فعلية تستند إلى الرؤية المشتركة، ويعزّز الشفافية والمتابعة والمساءلة بتنفيذها، ويخاطب المستقبل بلغة الإنجاز.