الخميس: 31/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

الضفة الغربية ما بين براثن المستوطنين وخطة الحسم

نشر بتاريخ: 30/07/2025 ( آخر تحديث: 30/07/2025 الساعة: 09:35 )

الكاتب:

إسماعيل جمعة الريماوي

تشهد الضفة الغربية في الآونة الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على القرى والتجمعات البدوية والأراضي الزراعية، في سياق يبدو متعمدًا ومدروسًا، يتجاوز طبيعته كأعمال عنف فردية، ليشكّل ركيزة في مشروع سياسي إحلالي واضح يهدف إلى ترسيخ واقع جديد على الأرض، يُفضي في نهاية المطاف إلى ضم الضفة الغربية بالكامل، وطرد سكانها الأصليين أو دفعهم للنزوح تحت وطأة القمع والملاحقة وفقدان مقومات الحياة.

فالهجمات اليومية التي ينفذها المستوطنون، والتي تتم غالبًا تحت حماية جيش الاحتلال وبتواطؤ رسمي من حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه المتطرف، لم تعد مجرد اعتداءات عشوائية، بل باتت تمثل ذراعًا ميدانية لخطة الحسم التي أعلنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والقائمة على إنهاء ما يسمى "الصراع"، عبر فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية وإزاحة الفلسطينيين منها سياسيًا وديموغرافيًا.

تتعدد أدوات هذا المشروع، من مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وتدمير المحاصيل الزراعية، إلى سنّ تشريعات متسارعة في الكنيست تهدف إلى شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية، وتحويلها إلى تجمعات رسمية معترف بها إسرائيليًا، وقد شهدت الفترة الأخيرة إقرار قوانين تكرّس الضم الفعلي، كان آخرها القانون الذي يتيح تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، في تجاهل تام للقانون الدولي الذي يعتبرها أراضي محتلة.

ويؤكد مراقبون وخبراء في شؤون الاستيطان أن ما يجري لا يمكن فصله عن الإطار الأوسع للمشروع الصهيوني، الذي يسعى منذ سنوات طويلة إلى تفكيك الجغرافيا الفلسطينية، وتفريغها من أصحابها، عبر منظومة متكاملة من العنف، والدعم المالي غير المحدود للمستوطنين، والتواطؤ الأمني مع الجيش الإسرائيلي، والصمت الدولي المريب. فالهجمات الاستيطانية لا تجري في فراغ، بل في ظل انشغال العالم بالحرب الجارية على غزة، واستمرار العجز العربي عن اتخاذ موقف سياسي فاعل أو حتى إنساني تجاه ما يجري في الضفة.

وبينما يتم تدمير وتجويع قطاع غزة وتجريفه ديموغرافيًا، يُستكمل المشروع ذاته في الضفة الغربية بأدوات مختلفة: تشريعات، وهجمات، ومستوطنات، حواجزو اغلاقات، وتضييق على حياة السكان، لإجبارهم على الهروب من قراهم إلى المدن المكتظة، أو إلى خارج فلسطين إن أمكن، ما يعني أن السيناريو القادم قد يشهد نزوحًا داخليًا واسعًا، وربما عمليات تهجير قسري، في استنساخ جديد للنكبة، ولكن على مراحل وبأساليب "مشرعنة" من داخل منظومة الحكم الإسرائيلية.

الهدف النهائي لا لبس فيه: طرد الفلسطينيين من أرضهم، وإنهاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، واستكمال الضم الكامل للضفة الغربية، تمهيدًا لتصفية القضية الفلسطينية من أساسها، هذا المشروع الذي كان يتم الحديث عنه كاحتمال أو خطر مستقبلي، بات اليوم حقيقة يومية تتحرك على الأرض، بتمويل وتشجيع من الحكومة الإسرائيلية، وبتراخٍ دولي قاتل.

وفي هذا المشهد المأزوم، تبدو السلطة الفلسطينية غائبة عن معركة الوجود في الضفة الغربية، أو متورطة في صمت مريب لا يرقى إلى حجم الكارثة، فعوضًا عن قيادة مشروع مقاوم للتصدي لهجمات المستوطنين وخطة الضم، تواصل السلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتعمل على ضبط الأوضاع في المدن، بينما تُترك القرى والمناطق الريفية لمصيرها أمام تغول المستوطنين، هذا الدور السلبي، سواء نابع من العجز أو من خيارات سياسية مهادِنة، لا يسهم إلا في تسريع وتيرة التهجير وتمكين المشروع الاستيطاني، ما يجعل السلطة نفسها جزءًا من معادلة إدامة الاحتلال لا تفكيكه.