السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثورة اغنياء فلسطين - لو كان هناك وزير مالية للسلطة لما كانت هناك ازمة

نشر بتاريخ: 19/01/2012 ( آخر تحديث: 23/01/2012 الساعة: 12:01 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير د. ناصر اللحام - من العجيب ان خطة فياض التي أغضبت رجال الاعمال والاغنياء اكثر من اي قطاع اخر تتلقى الانتقادات من الموظفين والفقراء الذين لا تمسهم خطة التقشف اساسا ، لكن الاغنياء كانوا " اذكياء " فقاموا باقناع الفقراء " البسطاء " ان الخطة تستهدفهم وخرج الفقراء ضد الخطة . ومن طالع اعلان رجال الاعمال على صحيفة القدس يوم الثلاثاء سيرى ان هناك ثورة اغنياء في فلسطين ضد سلام فياض ، والغريب ان ثورة الاغنياء يقوم بها الموظفون والفقراء !!!

شهدت الساحة الفلسطينية الشهر المنصرم ازمة اعلامية وسياسية واجتماعية وبنكية مردها الخطة التقشفية التي وضعها رئيس الوزراء د.سلام فياض لحاجته الى تقليص 350 مليون دولار عقب العجز المالي القائم .وانا اعتقد ان لقاء الدكتور فياض على شاشة معا ودعوته الفصائل والقوى والفعاليات لاجتماع طاريء للقرار بشأن الازمة قد انهى الازمة وحسم الجدل . فالقرار الان للجميع وعلى الذين انتقدوا فياض ان يطرحوا للناس وعبر وسائل الاعلام الفلسطينية خطّتهم البديلة لنقرأها ونقارنها مع خطة فياض ونختار الافضل .

ومن وجهة نظري فان الامر يبدو ظاهرة صحية ومسؤولة ، ويستحق الاعلام الفلسطيني كل الاحترام لطرحه هذا الموضوع للنقاش والجدل الشعبي ، كما انه تجربة نادرة للفصائل والقوى ، حيث كان المال تاريخيا بيد القائد والثورة ولم يفكر احد ببحث اليات الصرف او السؤال عن مقدرات الشعب وثرواته واحتياجاته بالارقام والمحاسبات .

وبما ان الموضوع قيد البحث والنقاش ، فاننا نجدها فرصة لمواصلة الاستفادة من هذه الازمة وان نتعلم حس المسؤولية واستخلاص العبر ، ولو كان هناك وزير مالية في السلطة ( بالتأكيد هناك طاقات وقدرات فلسطينية في هذا المجال ) لما كان رئيس الوزراء فياض مضطر ان يعيش هذه الازدواجية السياسية والمالية من دون داع . ورغم تقديري واعجابي بقدرة فياض على ادارة المال العام ، الا انني لا اجد اي تفسير لكونه يحمل 6 حقائب وزارية في يد واحدة ، بل واعتبر الامر اهانة له ولنا ولقدرات الشعب الفلسطيني ، ورغم ان هناك تبريرات كثيرة للامر الا ان ايا منها لا يقنعني ، وحتى لو كان الامر مفروضا على فياض من جهات سياسية عليا ، وحتى لو كان الامر بطلب من سيادة الرئيس فرضا ، على فياض ان يطلب من الرئيس بالحاح ان يتخلى عن هذه المناصب وان يكتفي بكونه رئيس الوزراء وان يأخذ حقه الكامل سياسيا واداريا في تنفيذ المهام . ولو كان هناك وزير مالية في السلطة ، لكان الوزير طرح خطة التقشف علينا وكنا سنهاجمه وننتقده ونرفض الخطة مثلا او نقبلها ، ويقرها مجلس الوزراء بالتنسيق مع الفصائل لاحقا .

وانا اشهد للدكتور فياض ديناميكيته ودعوته عبر شاشة معا جميع القوى والفصائل لحوار وطني حول السياسة المالية ، وهي سابقة تظهر مدى اهمية وسائل الاعلام الفلسطينية ، ومن المشرّف ان يقوم مسؤول كبير بمكاشفة الجمهور عن طريق وسائل الاعلام الفلسطينية المحلية وليس عن طريق الفضائيات التي كادت تسكر المسؤولين لردح من الزمن وتلعب برؤوسهم ، وكأن الاعلام المحلي هو للاخبار الصغيرة والتافهة فقط ، وان الفضائيات العالمية والعربية والامريكية هي التي تصنع القادة والنجوم !!

فياض رئيس الوزراء وإضافة إلى ذلك شغل منصب وزير المالية، و وزير الزراعة، ووزير العمل، ووزير الاقتصاد الوطني، ووزير الطاقة، ووزير التخطيط. وزير القدس وزير الاشغال العامة وهو الان يمسك 6 ملفات اي خمس وزارات مرة واحدة !! وهذا حمل ثقيل لا يجب ان يحمله لوحده بأي شكل من الاشكال .

وقد سمع الفلسطينيون باسم فياض لاول مرة اعلاميا وبشكل بارز خلال حصار الزعيم عرفات ، وقد اصطفاه الرئيس عرفات ليبقى معه في المقاطعة امام جميع عدسات الاعلام في العالم بينما طلب من قيادات تاريخية اخرى ان تغادر المقاطعة ... ومن هنا اخذ سلام فياض فرصة ذهبية ليصبح الخبير المالي الدولي المحاصر مع عرفات في اهم اللحظات التاريخية المعاصرة ... فاطلق شعر لحيته وعاش الحصار بطوله وعرضه .

هاجمته حماس بكل الاشكال والصور باعتباره بديلها السياسي والوجودي في السلطة حتى ان بعض منتديات حماس تشتمه وتهاجمه اكثر مما تهاجم الاحتلال ، اما بعض التيارات في حركة فتح فترى فيه دخيلا اخذ رئاسة الحكومة منها على غفلة من الزمن ولولا تمسك الرئيس عباس به لاستبدلته فتح منذ سنوات ...فيما ترى فيه تيارات اخرى داخل فتح والشعب الفلسطيني انه المنقذ والذي حمى فروة رؤوسنا من الضياع الاقتصادي والاجتماعي و انه رئيس وزراء ناجح وحل معضلات جسام في وقت خطير جدا .

يبدو ان شعبنا ومن خلال تجربته الغنية قد تجاوز بريق الاسماء الى واقع البرنامج ، وانني اشعر بالتقدم والفخر لان الشعب الفلسطيني في الارض المحتلة ينافس الشعوب الاوروبية والامريكية المتقدمة في مناقشة الخطط المالية على شاشات التلفزة وقد طوى صفحة الولاء العشائري والاتجّار بالعناوين المستهلة .... فلا احد من الان فصاعدا يتاجر بتاريخ فتح او بحصار غزة ، وعلى جميع القادة ان يحاججوا ويناقشوا على قاعدة المسؤولية والمحاسبة ، ومن لم يعجبه فياض فهذا جيد ، ولكننا ننتظر من خصومه الماليين و"الخبراء " ان يردوا علي اسئلته وان يعرضوا خطتهم التي تنافس خطته ، واذا ليس لديهم خطة بديلة فمن الاجدر ان يصمتوا ويكفّوا عن تثوير العوام وتأليب الشارع دون اي سبب مقنع .