الثلاثاء: 10/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل هذا ما كان يعنيه سليم النفار؟!

نشر بتاريخ: 23/02/2015 ( آخر تحديث: 23/02/2015 الساعة: 18:44 )

الكاتب: شفيق التلولي

حزم ذكريات طفولته من شاطئ إلى شاطئ يمتطي صهوات الموج الأزرق، يراوده حلم في يافا لمراكب الصيادين في غزة يغني من هناك في مخيم الشاطئ مضى إلى شاطئ لاذقية العرب ومن فلسطين إلى سورية ظل يبحث عن مرسى تحط به سفينة العودة وزادها حبر الشعراء ومن غربة إلى غربة إلى حلقات تضيق وتضيق وألم طويل طويل حد الوجع سلخ جلد سعادته يوم أن وقفت أشعاره على باب غزة وأغلقت دفاتره ريح الحصار الصرصريرا.

أيها المتنبي هل حقت نبوءة سليم؟ أم ما زال طريقه طويل؟! ليمهله الموت حتى يصل قرطبة الجميلة البعيدة يا لوركا، فلا تموت الكلمات القديمة عند طاغور إلا لتتدفق أنغام جديدة من القلب وحين تضيع الطرق القديمة يبدو في الأفق بلد جديد رائع.


هذا ما كان يعنيه سليم حالة وطن كتبه بدم أبيه هناك في نهاريا يوم أن ارتقى شهيدا وحلم في عودة إلى يافا وصلاة لأم تترحم عليه تحت قباب الأقصى وقلم يسيل يكتب في الناصرة بروح درويش على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وفي رام الله يقبل ضريح عرفات القائد الرمز الشهيد ويقلد الرئيس قصيدة كتبها بماء الذهب من الوريد إلى الوريد.

هل وصلت الفكرة يا قوم؟ هل زرتم الصفحة الشخصية للشاعر الفلسطيني سليم النفار وما كتب بها بحروف من ألم وأنين؟ لمن يشكو سليم أو هل يصرخ أم يبكي؟! لعل صراخه يخترق هذا الحاجز الملعون حاجز إيرز الذي ما زال يحول دون تحقيق أحلامه في وطن درويش الذي عشق فيه الشعر والحياة، أو لعل البكاء يكتب رسالة عاجلة إلى من يهمه الأمر من سليم المرسل من تحت القهر إلى المرسل إليه وله الأمر؟!

لم يمنع النفار في عام قبل عامين ونيف من الوصول إلى الناصرة لأنه يبيع الشعر كي يسدد أجرة بيته الشهرية إنما منع من قبل حكومة الإحتلال الإسرائيلي بسبب التوجه للمشاركة في مهرجان الشعر هناك، أعادوه من حاجز إيرز- بيت حانون ليغتالوا فيه روح الشعر الذي سافر به في تنقله وترحاله من أجل أن يحيا الوطن، إنهم يخشون الشعر ويغتالوه .. فهل يغتالوه؟! أنى لهم يغتالوه .. وقد عاد النفار الكرة اليوم مرة أخرى حين أعادوه من ذات الحاجز اللعين قبل ذلك فيعود ليكتب قصيدة "يا أحبائي" إلى أهله في فلسطين التاريخية ورام الله والذين كان يقصدهم اليوم للمرة الثانية لإحياء أمسية في متحف محمود درويش قبل أن يلج من هناك الأردن لتوقيع ديوانه الجديد "حالة وطن" في العاصمة الأردنية عمان عاد اليوم بذات القصيدة إليهم هناك يخترق الحدود ويجتاز الحواجز بالشعر وبالقرطاس والقلم ولسان حاله يقول:

سنأتي ذات يوم يا أحبائي
إلى أشيائنا الأولى
فلا قتل يباعدنا
ولا زمن سينسينا
هنا في غامض الأوقات
وضوح الحق يعلينا
ويعطي حلمنا سندا
لتاريخ...
بأيام تؤاخينا

ولن يبرح حتى ينهي قصيدته على الرغم من كل الألم والحسرة التي ألمت به اليوم بعد فرحة عارمة عبر عنها حينما قال وأخيرا إلى رام الله بعدما أبلغوه هيئة الشؤون المدنية بحصوله على تصريح لدخولها من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي غير أنهم أعادوه من حاجز إيرز- بيت حانون في اللحظة الأخيرة بعد سحبهم للتصريح بحجج ودواع أمنية ولا ندري ماهية وحجة هذه الدواعي فالشاعر سليم النفار ليس لديه سلاح غير سلاح الكلمة والشعر ليس إلا.. فهل يرهبهم الشعر والكلمة إلى هذا المستوى الذي يجعلهم يمنعونه للمرة الثانية على التوالي خلال ثلاثة أعوام من دخوله رام الله وفلسطين التاريخية؟! أي حكومة تلك التي تحاول أن تغتال فيه روح الشعر والكلمة!! وإذا كان الأمر كذلك فليقدموا للسيد الوزير حسين الشيخ رئيس هيئة الشؤون المدنية تفسيرا لما جرى معه وكيف لهم أن يستصدروا له تصريحا خاصا كما أبلغوه بذلك هيئة الشؤون المدنية بغزة ولما وصل إلى هناك جرى معه ما جرى وأعادوه بعد أن سحبوا التصريح في اللحظة الأخيرة؟!

كم كان اليوم حزينا سليم بعدما جاب شوارع غزة يبحث عن إطار ذهبي يليق بمكانة السيد الرئيس محمود عباس كي يضع فيه قصيدته التي كتبها له قبل حوالي شهرين ويزيد.. لا لمغانم يرجوها إنما دعما له في ثباته على الثوابت الفلسطينية ولإيمانه العميق بحنكته السياسية التي استطاع من خلالها حشر الإحتلال الإسرائيلي في الزاوية ومضيه قدما من أجل تكريس سيادة الدولة الفلسطينية، ربما انتظر هذه اللحظة التي سيهدي سيادته فيها قصيدته الباذخة لكنهم قطعوا عليه هذا الحلم الجميل.

فعذرا سيادة الرئيس إن قدر للشاعر سليم النفار الوصول إليكم فستمسح هذه القصيدة كل الدموع التي تساقطت منه على جنبات الطريق حينما يعلو صوته في حضرتكم ويتلوا منها ما يطيب من أبيات القصيد.

هذا ما كان يعنيه .. فلا جف قلمك أيها السليم .. وهل من مجيب؟!

إلى من يهمه الأمر،،