السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ومضات نقدیة في شعر سلیم النفار

نشر بتاريخ: 13/03/2015 ( آخر تحديث: 13/03/2015 الساعة: 13:55 )

الكاتب: د.عمر عتيق

غزة - معا - نشرت الدراسة في موسوعة أبحاث ودراسات في الأدب الفلسطيني الحديث. مجمع القاسمي ْ للغة العربية وآدابها ، أكاديمية القاسمي، الكتاب السادس، 2014

سليم النفار
من مواليد مدینة غزة (1963). نزحت أسرته من یافا أثناء النكبة(1948) إلى غزة في مخیم الشاطئ. واعتقل والده في أعقاب هزیمة حزیران (1967)، ُونفي عام(1968) مع أسرته إلى الأردن، ثم انتقل إلى سوریا(1970) . عمل في مواقع مختلفة للمقاومة الفلسطینیة في سوریا ولبنان منذ عام 1981. وعاد إلى غزة عام 1994. شارك في المشهد الثقافي الفلسطیني في مخیمات اللجوء ،فأقام مهرجان فلسطین للأدباء الشباب في جامعة تشرین باللاذقیة . و شكل ملتقى "أبو سلمى" السنوي للمبدعین الشباب في جامعة تشرين ( 1986) وعمل محررا ادبيا في مجلة الزیتونة. و أسهم في تأسيس جماعة "الابداع الثقافي "في غزة(1997) . وشارك في مهرجانات شعریة عدة ، منها : القاهرة (1998) ، كلاسكو (2005)، الدوحة (2010) ( الدوحة عاصمة الثقافة العربیة). ویعمل حالیا محررا ادبيا في مجلة نضال الشعب.


نشر قصائده الشعریة وكتاباته النقدیة مبكرا في صحف ومجلات عربیة ، نحو :الأسبوع الأدبي والموقف الادبي الصادرتان عن اتحاد الكتاب العرب في سوریا. والبیان الإماراتية ونزوى العمانیة. ومشارف التي أسسها إمیل حبیبي وأخبار الأدب المصریة . و صحیفتي الأیام والحیاة الجدیدة في فلسطین.
للشاعر سلیم النفار إشراقات نقدیة تجلت في غیر دراسة عن شعراء فلسطینیین ، نحو مقالته النقدیة التي رصد فیها الدلالة السیمیائیة لعنوان دیوان الشاعر أحمد دحبور (جیل الذبیحة ) ، والمفاصل الدلالیة لقصائد الدیوان المذكور. (1)


الإصدارات الشعریة
1- تداعيات على شرفة الماء . اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطینیین . 1996
2- سور لها . دار الأمل للطباعة والنشر ، غزة 1997
3- بیاض الأسئلة . مركز أوغاریت للنشر والترجمة ، رام االله ، 2001
4- شرف على ذلك المطر .وكالة أبو غوش للنشر القدس 5,2004- لنا ولكم . ( قید النشر) الإصدارات النثریة :
1- هذا ما أعنیه.. (سیرة ذاتیة) . المؤسسة الفلسطینیة للإرشاد القومي، رام االله ،2004

ثالوث النكبة والنزوح والنفي
یجمع الشاعر بین وهج ذاكرة الأجداد في" یافا " ونبض ذاكرته في " غزة " التي نزحت إلیها الأسرة ، وكان فیها مولده ، والجمع بین المكانین ( یافا و غزة ) تجسید لوحدة أجزاء الوطن ، وتأكید على التعالق بین ماض لا ينسى، وحاضر مؤقت، ومستقبل یحمل البشرى كما في قول الشاعر:( قالت الأیام :/ هنا ُ ، جبلت ّ/ أحلام صباي /وورثت الندى عن أقدام جدي ، / هنا .. قالت جدّتي سرها / يوم ماج الحريق / اين يا يافا تذهبين ؟!)
وفي قصیدة موسومة بـ ( غزة ) یمزج الشاعر بین ذكریات طفولته في غزة ، والنكبة الثانیة للأسرة حینما اعتقل الاحتلال أباه ونفاه خارج الوطن في قوله :ْ( ان الذي بیني وبینك، ُ رمل ألعابي / وظل ٍ أب هنا/
ما زال یطلع لو مضى / فهنا على نعش ِ المكان نما ،/ كأعشاب الطریق .)
وفي موضع آخر تتحول " یافا " من تضاریس جغرافیة إلى خریطة عشق یحدها ماض یسكن مسامات الذاكرة ومستقبل یتوهج حلما ویقینا بعودة یافا في قوله مخاطبا " أحمد دحبور " : (یا عاشق حیفا ،/.../ هل یأتي الزمان الذي نشتهي.../ أم ماذا ... یا صاحبي ... ؟؟/ ُ... !!/ ِ تلك یافاي لم تأت بعد ../ فوق العين ...،/ خلف الظهر لما تزل يافا/قاتل/النسيان ياصاحبي/ رائع .../ ِ ما في جبة الأمس )
ویافا لیست مكانا مجتزئا من الوطن ، بل أیقونة تمثل امتداد الوطن من باب التعبیر بالجزء عن الكل . وهذا العشق المتوهج جعل لغة القصیدة تنبض بالحنین والدفء . والقصیدة نفي واضح لاحتمال النسیان. ولا یخفى أن الجمع بین حیفا ویافا في القصیدة هو جمع بین مكانین نزحت منهما أسرتا الشاعرین ( سلیم النفار وأحمد دحبور .)


العنفوان والتحدي
تنبض قصائد الشاعر بالتحدي والعنفوان على الرغم من نزیف الجرح الغائر في خاصرة الوطن . وفي هذا الفضاء تتجلى غایة الشعر الذي ینبغي ألا تقتصر على فن الوصف وتسجیل الوقائع ، بل ینبغي أن یدعو للتغییر ابتغاء غد أفضل ؛ فالشعر بشرى بالحلم القادم ، والشاعر یرسم بكلماته طریقا للخلاص ویزرع بذور الأمل على أرصفة الانتظار ، كما في قوله :( قد تأكل السكین/ ما تبقى من ضلوعي/ قد تهشم الآلات/ ما تبقى من حجارة/ لكنهم ..../ آتون في الطریق/ هم یصنعون الحیاة !! (


ویتحول التحدي والعنفوان إلى یقین بالنصر على الرغم مما یفعله المغتصبون من تزویر على الأرض التي یأبى ترابها وهواؤها قبول الغرباء ، نحو قوله : ( من صلب غیمك جئت من / صلصالك/ فلیحرثوا ُ ّوهما ً/ على وهم/ ستنقلب الحكایة كلها / انَّ التراب مغايرٌ / في كل ما ابتدعوا علیه ْ/ في شكله/ في روحه/ في حلمه/ ِ ان الهواء مغاير ).


فقد وظف الشاعر مفردات الخلق والنشو ء ( الصلب ، الصلصال ) ودوال الحیاة ( الشكل والروح ) لنفي دیمومة طغیان الآخر ؛ لأن " جینات " وجوده على هذه الأرض لا تنسجم ٌ مع ماهیة التراب والهواء ؛ لذلك لجأ إلى التكرار في عبارتي ) إنَّ التراب مغاير/ إنَّ الهواء مغایر) ، وكأن َ الآخر نبت غریب لا ینمو في
تر ابنا وهوائنا ، وأن مصیره الذبول والموت على الرغم من حرصهم على مد ً جذورهم في تراب یلفظهم / وهو المعنى الذي عبر عنه الشاعر بقوله : (فلیحرثوا وهما / على وهم )


أنسنة الطبیعة والحنین إلى الوطن
یلوذ الشاعر بالطبیعة حینما تشتد قسوة المنفى ، فالطبیعة الأم هي الملاذ للاجئ المغترب تمنحه الیقین بالعودة و یفرغ الشاعر فیها احتقان القلب . و مظاهر الطبیعة في سیاق المنفى علامات سیمیائیة تختزل تفاصیل الوطن الغائب جغرافیا والحاضر ذهنیا ووجدانیا ، ففي قول الشاعر : (اجمعینا في/ ظل زیتونة/ حتى الرمال تضیق في المنفى/ تضیق ولا شيء یؤوینا/ فاحضنینا/ كي یزهر اللیمون(.


تجسد ظلال الزیتونة فضاء جغرافیا وجدانیا یتسع لتفاصیل الوطن ، و تبدو الرمال الجافة القاحلة معادلا موضوعیا لقسوة المنفى ومعاناة اللجوء ، وبین الظلال والرمال علاقة ثنائیة ( نعیم الوطن وشقاء الغربة ( ، وهكذا یبدو حرص الشاعر على أنسنة الطبیعة في تجربته الشعریة التي صقلتها " رمال " المنفى ، العودة آفاق دلالیة وفنیة تجلت في ظلال الطبیعة ومفاتنها َ ُ ومنحها الحنین . والطبیعة في ُ للوطن وحلم شعره أیقونات تضيء دهالیز الوطن المنتظر ، وعلامات سیمیائیة تحمل بعدا فكریا مشبعا بالیقین بأن ٕ الوطن قاب قوسین أو أدنى ، (فهو لم یصور الطبیعة من أجل التصویر و انما نجده یفعلها ویتفاعل معها ، دون كلفة أو مشقة ( وكلما أضاء الیقین بالخلاص والعودة للوطن قلبه وهدأت عواصف الشك ازداد الأفق التخیلي للتصویر الفني في رحاب الطبیعة كما في قوله : ( أینعت ْ یا وجع الطریق / ِ أینعت في ملح َ السنین /ِ في درب ْ غربتنا الطویل.) (( 3 فالفعل ( أینعت ) یشیر إلى ذروة الدلالة الرمزیة للطبیعة الأم التي ( ْ أودع الشاعر في مظاهرها وتجلیاتها یقینه بالعودة والتحرر.


علامات سیمیائیة
البحر من أبرز العلامات السیمیائیة التي تشكل عصبا دلالیا نابضا في جسد القصائد . وقد توزعت دلالات البحر في شعره على مسارات رمزیة مختلفة ، ومنها التعالق بین البحر والنزوح عن الوطن . ولا یخفى أن ارتباط البحر بالنزوح في الشعر الفلسطیني یشكل علامة فارقة في المستویین الدلالي والفني للقصیدة .ولكن هذا الترابط بینهما في قصائد سلیم النفار یتخذ خصوصیة أسلوبیة تمیز تجربته الشعریة عن التجارب السابقة ؛ إذ یغلب ارتباط البحر بالحنین للعودة في الشعر المعاصر، أما في قصائد سلیم النفار فیرتبط بدیمومة الترحال ، فیبدو البحر " خائنا " لا تشیر بوصلة سفنه نحو الوطن المنتظر ، كما یبدو في قوله: كم مرة قلنا/ بأن البحر یمضي نحو غایته / ونحن مسافرون ؟!/ كم مرة قلنا ، بأن جلودنا حفظت أقانیم السفر !/ وعلى مساءات الأسى/ ْ خطت خرائط للوطن !!/ ٍ كم مرة ؟/ البحر خان ْ ؟ ً/ أمانتي / .زمناً وأغواني سفر.) . وفي موضع آخر یبدو البحر مساحة جغرافیة تمنع اجتماع العائلة الواحدة باعتباره المنفذ الوحید للخلاص من الغربة والشتات في قوله :ُ(منذ سنین ْ طویلة َ/ جاء الأعداء إلى بلدي/وسدوا البحر علينا ،/ فضعنا في حزن ./ بين العم وبين الخال /لكن:/دوما حاولنا ان نحيا / ياولدي )


 ولم یغفل الشاعر " الصورة النمطیة " في الشعر الفلسطیني المعاصر ؛ لأنها تشكل وشما في الذاكرة الجماعیة الفلسطینیة التي تختزل مشاهد النزوح الجماعي عبر البحر ، لذلك ربط الشاعر البحر بالعودة في قوله : (یا عاشق حیفا ، / انتظر السفن الراحلة / فكلانا شربنا من الكأس/... شربنا ,/ هل یأتي الزمان الذي نشتهي . والمقطع من قصیدة مهداة إلى الشاعر " أحمد دحبور " ابن مدینته ( غزة ) ورفیق غربته في المنفى . وتكرار دلالة البحر في القصیدة یشیر إلى دلالة البحر في شعر " أحمد دحبو ر " فالشاعر صاحب القصیدة یتخذ من البحر إطارا فنیا یرسم فیه تجلیات الصداقة والذكریات بینه وبین الشاعر أحمد دحبور.

 
جذور ثقافية في تجربته الشعرية
تسهل المقاربة بین الفضاء الدلالي لقصیدة (هلوسة حلم ) والفضاء الدلالي لأنشودة المطر لبدر شاكر السیاب ، والمقاربة بينهما، لا تبرر باللازمة الإیقاعیة الرمزیة التكراریة ( مطر مطر مطر ) لدى الشاعرین فحسب ، بل إن الدلالات التفصیلیة في القصیدتین متشابهة إلى درجة التوحد نفسیا ودلالیا ورمزیا ، فحين نسمع شاعرنا سلیم النفار یقول : مطر مطر/ من شرفتي/ طار القمر/ وتلألأت أنواره/ ِ فهنا على خفق الصباح/ ّْكنا نلون حلمنا/ ّكنا ... وكان الحب .../ رهج الساعة الحبلى / بمیقات الظفر مطر مطر / مطر مطر ). نتذكر السیاق الدلالي لقصیدة السیاب .ولا یخفى أن المطر رمز للثورة في القصیدتین ، و الاحتفاء بالطبیعة في المقطعین معادل موضوعي توسل به الشاعران للتعبیر عن الغد الآتي الذي یبشر به مطر الثورة . والفرق بین القصیدتین أن شاعرنا اقتصر على الجانب المضيء في قصیدته بخلاف السیاب الذي جمع في قصیدته بین حنظل الواقع العراقي ورحیق الثورة المنتظرة ، فقصیدة سلیم النفار سحابة بشرى تسوقها ریاح الانتظار لتمطر ثورة ونصرا وفرحا عارما


 ویستحضر الشاعر أسطورة " سیزیف" التي أضحت أیقونة رمزیة في الشعر المعاصر للتعبیر عن محنة الإنسان في قوله: ِ طویلا طویلا / على صخرة ِ القهر/ و" سیزیف " َّغنى معي/ َ مواویل شعري/ ِ لروحك في أضلعي( . ومن صفحات التاریخ المشرق بالانتصارات یستدعي شخصیة " سیف الدولة الحمداني ... في قوله: ، َ:( موجات البحر/ رائحة الخمرة / وسیف الدولة / نشید مغامرة/ یبكي فردوسا.. ضل الدرب ُ فغطاه دخان الشعر/ وأمضي إلیك / یجرح حلقي سؤالك الذي .. یدفن رأسه في موجات الأندلس .


  ومن البین أن الشاعر عمد إلى التحویر الدلالي فصور سیف الدولة الحمداني یبكي فردوسا ، ومن المعلوم أنه الأمیر الذي حفلت حیاته بالانتصارات ، ولكن الشاعر یرمي من التحویر تحقیق مفارقة بین ماض حافل بالنصر والعزة ، وحاضر مثقل بالهزیمة والانكسار .ویلوذ الشاعر بالتدبیر الرباني في التاریخ الإسلامي فیمتص قصة الغار الذي لجأ إلیه الرسول علیه السلام وصاحبه في قوله : (هل یجئ من الغار/ شعاع ینجدني؟؟ سورة لي ..، / لك ...) ویربط بین خیانة المؤسسة الرسمیة وتخلیها عن فلسطین وغدر أخوة یوسف وكذبهم في قوله: (َ نزت غیوم الحلم عشبها ،/ ّنز ْت/ أما بعد..... ،........./فقد جاءوا على قمیصها بدم كذب ( ومن التوراة یستدعي دلالة یوم " السبت" حینما خالف بنو إسرائيل تعالیم الرب فاعتدوا في السبت ، ویربط مخالفتهم بالبعد الأخلاقي لشخصیة " رحاب " في قوله :( يمضي البحر / إلى ردهة أخرى, /والسبتُ يعلي رایته/ سریعا ..،/سريعا ...../وتقفل رحاب حقائبها / لمهمة اخرى .)


مراجع الدراسة
1- الدیك ، نادي ساري ،أخوة التراب وهموم المكان . ط1 ، جامعة القدس المفتوحة ، بالتعاون مع اللجنة الوطنیة للتربیة والثقافة والعلوم، 2010
2- - النفار، سلیم : سور لها.دار الأمل ،1997
3- النفار ، سلیم : تداعیات على شرفة الماء . اتحاد الكتاب الفلسطینیین ،1996
4- - النفار ، سلیم : بیاض الأسئلة . مركز اوغاریت ،2001
5- النفار ، سلیم : شرف على ذاك المطر.أبو غوش للنشر والتوزیع،2004
6- النفار ، سلیم : أحمد دحبور : نص على نص جیل الذبیحة واستمراریة البحث عن اللؤلؤة المفقودة) . مجلة نزوى. العدد الثالث والعشرون . 2009/7/12