الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحقيقة المرة: فقاعة ريادة الأعمال في فلسطين

نشر بتاريخ: 13/03/2015 ( آخر تحديث: 13/03/2015 الساعة: 13:17 )

الكاتب: محمد زيد الكيلاني

لن نختلف على معنى مفهوم ريادة الأعمال Entrepreneurship، فأصبحت آذاننا مشبعة من هذه الكلمة مؤخراً لما تلعبه من دور فعَّال للنهوض في إقتصاد الدول، وبتفسيري المتواضع بعد خبرة 10 سنوات بمجال الريادية، أُعرَّف الريادية على أنها الإيمان بفكرة مشروع أو شركة ناشئة تتسم بالإبداع من حيث الفكرة والتطبيق وتمتلك رؤية مستقبلية من حيث النمو والتميز، وليكتمل التعريف، يجب ان يكون هناك قائد ريادي مسلح بالتصميم والارادة والمعرفة لينقل الفكرة من الورق الى الافق بالرغم من ندرة المصادرة المتوفرة.

إختلفت مدارس الإدارة ان كان من المحتمل تعليم الريادية ام انها تولد مع الأشخاص، واكاد أميل قليلاً الى أن الريادة تُبنى بشخصية الانسان مثلها مثل العصبية والخجل والتسامح، فرائد الاعمال شخص مغامر يملك إرادة قوية و نظرة ثاقبة في قراءة المستقبل وترجمة المشكلات الى حلول، باحث عن الاستقلالية اينما كانت وجهته.

دعونا نطوي صفحة المفاهيم والمثاليات، ونستيقظ من الحلم ونعود الى واقع ما يسمى بالريادية في فلسطين، والتي يتغنى بها أصحاب الأفواه الكبيرة، وللأسف معظمهم لم يدرس الريادة ولم يكن ريادي في حياته وانما بمنصب يعطيه الحق للحديث عن رائدي الأعمال واصدار القرارت التي لم تبنى على أسس علمية ولم تأخذ تجارب رائدي الاعمال بعين الاعتبار، هؤلاء رائدي الاعمال الذين رهنوا حياتهم بهذه المشاريع التي ينظر اليها العالم انها منجم الذهب الذي سيخلق الوظائف وينعش الاقتصاد.

فبعد البحث الذي أعددته خلال دراسة الماجستير في مجال الإدارة والذي يدرس الريادة و تحدياتها في فلسطين من جوانب مختلفة، وبعد خوض تجربة الريادة في السنوات السبع السابقة بمعدل5 تجارب،نجحت في إثنتين وفشلت في أخرتين وحاليا ومنذ 8 أشهر قررت ان اترك عملي، وأن أُنشئ مشروعي الخاص الذي أعمل على تطويره ليل نهار، وبعد التعرف على معيقات رواد الاعمال الاخرين في المجتمع الفلسطيني،قررت ان أقدم لكم طبق، يحتوي على عصارة من تجارب ومعاناة مختلفة، ممزوج بصدق وأمل بتغيير واقع قطاع رائدي الاعمال، متمنيا ان يجده أصحاب الشأن مذاقا جيدا وفرصة مثمرة للتغيير الجذري، لذلك، سأعرض عليكم الواقع المرير الذي يعيشه رائدي الاعمال الفلسطيني والقطاعات التي تقف عائقا امام رائد الاعمال الفلسطيني:

الحكومة: في جميع دول العالم المتقدم وبعض من دول العالم الثالث، تطبق سياسات على الصعيد الوطني والتي من شأنها شق الطريق أمام رائد الاعمال، اما في فلسطين، مازلنا نفرض رسوم تصل الى 1300 دولار لتسجيل الشركة فقط في وزارة الاقتصاد بدلا من تسجيلها مجانا واستثمار هذا المبلغ لاغراض تطوير المشروع، إضافة الى فرض الضرائب ومساواة الشركة الرائدة بأي شركة خاصة قائمة دون الاخذ بعين الاعتبار خصوصية الشركات الناشئة والموازنة المحدودة التي يملكونها، علاوة على ندرة البرامج الحكومية الموجهه لدعم وتشجيع رائدي الاعمال في فلسطين حيث ان الدولة الرائدة هي التي تبحث عن الاستقلال الاقتصادي وعدم الاكتفاء بالتمويل الخارجي الذي يجعل الدولة خاملة، وفي النهاية، الى متى سننتظر ناقوس الخطر ليدق ابواب الدولة لتقتنع انها من يحتاج لرائدي الاعمال وليس العكس؟

المستثمرون: لمن يجهل هذا القطاع، يظن ان رائد الاعمال الفلسطيني "مدلل" لتنوع الخيارات والبرامج الاستثمارية المسخرة أمامه، ولكن لمن يعيد النظر ويقترب اكثر، يكاد يلتمس الحقيقة المره التي يعيشها معظم مستثمري هذا القطاع، فلا تتفاجئ بحجم الاموال التي يتباهون بتخصيصها لهذا القطاع، فحالهم كحال من يعطيك سمكة ويبخل بتعليمك الصيد، جميعها تمويلات خارجية تعتمد على استراتيجيات دعم غير ممنهج يبحث عن ترويج سمعة الممولين من خلال برامج لا تستند على دراسة السوق واحتاجاته ولا تنظر الى رائد الاعمال كشريك وانما كحقل تجارب تتنافس فيما بينها كأنها في مضمار سباق، فماذا لو توقف هذا الدعم؟ والسؤال الاهم، اذا كنتم تتباهون باستثماراتكم، ماذا فعلتم في السنوات الخمس السابقة؟ وكم تجربة ناجحة توصلتم لها؟

ملائكة الإستثمار: مصطلح يطلق على رؤوس الأموال والذين دائما يبحثون على استثمار اموالهم ليس بالبنك، وانما برواد الاعمال واصحاب المشاريع التي يتوقع ان لها مستقبل واعد، هذا القطاع مهم لتنمية قطاع ريادة الاعمال، ولكن وللأسف هذا القطاع معدوم في المجتمع الفلسطيني، فإما انهم لا يثقون برائد الاعمال الفلسطيني واخذ المخاطرة معهم، او انهم لا يملكون الوعي والثقافة بدور استثماراتهم بهذا القطاع، وعلى كلا الحالتين هناك خلل بحاجة الى دراسة.

الاحتلال: ليست بالشماعة التي نعلق عليها عجزنا، وانما من اكبر الصعوبات التي تواجه قطاع ريادة الاعمال هو الاحتلال، فيعزلنا عن العالم الخارجي وكأننا نعيش على كوكب اخر، فيمنع الاستثمارات الخارجية للاستثمار بالمشاريع الفلسطينية، و يفرض محددات خانقة على التحويلات البنكية والتحويلات الالكترونية الخارجية التي هي قلب معظم المشاريع التكنولوجية التي تعتمد على الاسواق الالكترونية، علاوه على ذلك، منع اسرائيل لخدمة الجيل الثالث (3G) على الهواتف النقالة، ولم لا يعلم، فأن تقنية الجيل الثالث اصبحت نقطة تحول في مجال المشاريع الرائدة حول العالم، فتطبيقات الهواتف المحمولة احتلت المركز الاول من حيث النجاح والايرادات في السنوات الاخيرة، وفي النهاية، يجب ان لا نقلل من اهمية العامل النفسي الذي يعيشه رائد الاعمال المشتت ما بين عدم الاستقرار والخوف من المجهول في دولة تعيش تحت الاحتلال.

الثقافة السائدة:الريادة هي نهج حياة، يبدأ بالبيت ويمر بالشارع وينتهي بنجاح او فشل الفكرة، وفي كلتا الحالتين هي تجربة تصب في مصلحة الفرد، والمجتمع والدولة بشكل عام، ما يؤسفني حقا، مفاهيمنا المغلوطة للنجاح والفشل، والسرعة في الحكم على رائد الاعمال من منظور يعتمد على ان الوظيفة هي الاستقرار الحقيقي والمبتغى الذي يسعى الجميع لتحقيقه دون النظر على ما يملكه هذا القطاع ليقدمه من خلال حل مشكلة البطالة و رفع الناتج القومي للدولة، فرائد الاعمال بحاجة الى الدعم والتشجيع من المجتمع مثله مثل المنتخب الوطني لكرة القدم الذي يمثل الوطن ويرفع علمه.

التعليم: لتكن رائد اعمال يجب ان تفكر خارج الصندوق، وعندما نحاول التفكير خارج الصندوق، نصدم بأننا داخل صندوق مغلق اسمه التعليم في فلسطين، فلا زلنا نعتمد المناهج العقيمة التي تقتل الحس الابداعي وتفتقر الى التفكير الخلاق، فالسمة السائدة في التعليم بالمدارس والجامعات يعتمد على التلقين وكأن المعلومة حكر على الكتاب الذي تم تأليفه قبل عقد من الزمن وربما اكثر، الى متى سنكتفي بأن العلامة هي مقياس النجاح؟ واين مؤسساتنا التعليمية من البحث العلمي الذي يعتبر الدافع الاساسي لتوليد الافكار الريادية؟

في المقدمة استعرضنا ماهية شخصية رائد الاعمال والريادية، التي اتفق عليها العالم بأسره، فذكرنا التصميم والارادة، ولكن لم نذكر ان رائد الاعمال هو ساحر، او مقامر، او سوبرمان، كذلك، ذكرنا ان رائد الاعمال يطور مشروعه بالرغم من شح المصادر، ولكن لم نذكر ان رائد الاعمال ينجح بمعزل عن المصادر الاساسية، فلضمان نجاح هذا القطاع، يجب ان تتظافر جميع اعمدة البناء الذي يستند عليه صرح الريادة، فأن انهيار احد هذه الاعمدة يساهم في انهيار الريادة بشكل عام، وعندها يجب ألا نستغرب من هجرة هذه العقول الى الخارج واعتمادنا على الممول كدولة مستهلكة لا منتجة.