الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مفاجأة الانتخابات الإسرائيلية. مَن صَنَعها؟ وكيف؟

نشر بتاريخ: 22/03/2015 ( آخر تحديث: 22/03/2015 الساعة: 11:09 )

الكاتب: اليف صباغ

ككل انتخابات اسرائيلية، خلال العقدين الأخيرين بالذات، هناك مفاجئة في النتائج النهائية، وهي الفارق الكبير بين ما تقدمه استطلاعات الرأي العام للجمهور وما بين النتائج الحقيقية بعد انتهاء فرز وإحصاء الأصوات. فما هي الأسباب لتكرار المفاجئة مرة تلو الاخرى؟ وما هو سر المفاجئة في الانتخابات الأخيرة؟
للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من التنويه ان التحليل السياسي لا يأتي بالتنبؤ وإنما بالاعتماد على معطيات جارية، إضافة الى معطيات أساسية في فهم الواقع المجتمعي وسلوكياته، ولا بد من الاعتراف أن جميع المحللين السياسيين قد أخطأوا التقدير، بالرغم من ظهور بوادر المفاجئة عند صدور نتائج صناديق العيّنة التي تنشر عند الساعة العاشرة ليلا، اي بعد انتهاء عملية التصويت، وذلك لأنهم اعتمدوا على المعطيات الجارية دون الالتفات الى ميزات المجتمع الاسرائيلي وسلوكياته والدوافع التي يمكن ان تحركه. ومن منا يستطيع ان يعترض على المعطيات الجارية؟

لفهم ما حصل، ويمكن ان يحصل في المستقبل، لا بد من الاشارة الى حقيقتين هامتين، الاولى ان القانون يمنع نشر نتائج الاستطلاعات في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الانتخابات، اي ان الاستطلاعات الاخيرة التي سمح بنشرها كانت قد اجريت حتى يوم الجمعة 13 آذار 2015 ، وما حدث بعد ذلك التاريخ كان له تأثير كبير على النتائج الفعلية، المختلفة عما اوردته لنا الاستطلاعات المنشورة. والحقيقة الثانية، ان التصويت في صناديق العيّنة في يوم الانتخابات نفسه، تنتهي عند الساعة الثامنة مساء، اي قبل ساعتين من اغلاق الصناديق الحقيقية، وبالتالي قد يحدث تحرك خاص في الساعتين الأخيرتين، وهو عادة ما يحدث لدى المترددين، مما يؤثر على النتائج النهائية بشكل غير متوقع. مع ذلك، لا بد من الاشارة الى حقيقة ثالثة، وهي ان مراكز الابحاث تستمر في إجراء الاستطلاعات خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، وتتسرب نتائجها فعليا الى الاحزاب والصحفيين والمحللين السياسيين، حتى لو منعوا قانونيا من نشرها، وهذا حصل ايضا.
إذن، دعونا نعود لنتذكر ماذا كان الحال مساء الجمعة؟ وماذا حدث في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الإنتخابات، وكيف أثر ذلك على الاستطلاعات الداخلية وعلى النتائج النهائية؟

اظهرت نتائج غالبية الاستطلاعات التي أجريت يوم الجمعة تفوقا للمعسكر الصهيوني بفارق 4 اعضاء، هذا الفارق الذي استمر خلال الاسبوع الأخير، وقد غاب فيه بيبي نتانياهو عن مواجهة وسائل الاعلام على غير عادته. وأظهرت الاستطلاعات ان قائمة موشيه كحلون قد تكسب ما يقارب عشرة مقاعد، وان قائمة نفتالي بينيط ( البيت اليهودي) قد تحصل على 12 مقعدا في الكنيست .... الخ

مساء السبت، 14 آذار، أجرى معسكر اليمين مهرجانا جماهيريا كبيرا في ميدان رابين بالذات، وفي قلب مدينة تل ابيب بالذات، معقل المعسكر الصهيوني وحلفائه، خطب فيه نتانياهو بعد غياب، وأعلن ان خطاب بار ايلان الذي اعترف فيه بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولته الى جانب اسرائيل لم يعد ساري المفعول، وبدا واضحا انه استطاع رفع معنويات مؤيديه، معتمدا ايضا على معطى هام رافق عمليات الاستطلاع ومضمونه ان 48% من الجمهور الاسرائيلي يرى به أفضل مرشح لرئاسة الحكومة بينما لم يحصل هرتسوغ، في افضل استطلاع، على اكثر من 28% .. هذه الحقيقة وضعها نتانياهو بقوة أمام مؤيديه عامة وطالبهم بالخروج والتصويت لليكود لسد الفجوة بينه وبين المعسكر الصهيوني وتحقيق رغبتهم بان يكون هو رئيسا للحكومة القادمة. لقد ظهرت نتائج هذا التوجه الاعلامي الهجومي لنتانياهو في الاستطلاعات الداخلية، التي أجريت مساء السبت ويوم الأحد ، وسُرّبت الى المهتمين دون نشرها، وأشارت الى ارتفاع التأييد لليكود.

هذا الارتفاع شجع نتانياهو ان يستمر في الهجوم الاعلامي، وزاد من لقاءاته مع وسائل الاعلام الاسرائيلية، وشدد على ابراز وتكرار هذا المعطى الهام، وحذر مؤيديه المترددين من ان "اليسار" وبدعم خارجي، يريد الاستيلاء على السلطة، لكي ينسحب من الضفة ويزيل مستوطنات يسكنها غالبية يمينية من علمانيين ومتدينين، وانهم سيقيمون دولة فلسطينية "تكون في ايدي الحركات الاسلامية التي تشكل خطرا على اسرائيل". واضاف نتانياهو، ان الواقع الشرق اوسطي، اي عدم استقرار اي نظام عربي، لا يسمح بتوقيع اتفاقية سلام ولا يسمح بانسحاب من اي منطقة يحتلها الجيش الاسرائيلي لان ذلك يعني استيلاء الحركات الاسلامية الداعشية عليها. لقد لعب هذا التخويف دورا اضافيا في تحشيد الرأي العام اليميني، بما في ذلك جهات كانت مترددة، لتتحرك في صالح نتانياهو.

اضافة الى ذلك، عمل نتانياهو في اليومين الاخيرين على طمأنة الشرائح الضعيفة اقتصاديا وأهمها المصوتين الشرقيين، بأن دعا موشيه كحلون الى حكومته القادمة، معلنا استعداده لمنحه وزارة المالية، لتحقيق اجندته الاجتماعية لصالح الطبقات الفقيرة. وبهذا يكون نتانياهو قد نجح بالعزف على الوتر الاجتماعي كما نجح بالعزف على الوتر الأمني، وهما الوتران الهامان في الأجندة الانتخابية الاسرائيلية .

بيبي نتانياهو لم يكتف بذلك بل أصر على طمأنة المستوطنين، الذي يرون بنفتالي بينيط ممثلهم، ليس فقط بالغاء خطاب بار ايلان من رؤيته السياسية المستقبلية، بل بتقديم الوعود لهم بان يكون الهاتف الاول، بعد فوزه بالانتخابات، الى نفتالي بينيط ليكون حليفه الطبيعي، ونفى بذلك اي امكانية لتشكيل حكومة وحدة "قومية" مع المعسكر الصهيوني، الامر الذي كان يخشاه المستوطنون. كل هذه الوعود، ومع تسرب الاخبار عن سد الفجوة بين الفريقين، زادت من ثقة اليمين بانتصاره، واخرجتهم من حالة القنوط التي تسربت الى صفوفهم في خلال الاسبوع الاخير، خاصة وان الاستطلاعات، غير المنشورة، عشية الانتخابات قد اشرت الى حقيقة سد الفجوة وتفوق الليكود احيانا.

الى ذلك صعد نتانياهو حملته بالتخويف من سيطرة "اليسار، بمساعدة العرب"، على الحكم، وما يمكن ان يشكله ذلك من خطر على المشروع الاستيطاني، وعلى "المعسكر القومي" بشكل عام، بل آثر التحريض العنصري يوم الانتخابات بالذات، وفي ساعات ما بعد الظهر حتى الساعة الاخيرة، وقد ارسل مئات آلاف الرسائل النصية عبر الهواتف النقالة، الى الناخبين الاسرائيليين، حيثما وجدوا، يقول فيها: " ان منظمة حماس تدعو العرب الى التصويت بكثافة ضدنا" وان "ابومازن يرسل المصوتين العرب بالباصات الى صناديق الاقتراع، ليسقط "المعكسر القومي". وأخذ نتانياهو يتوجه الى المترددين ويحثهم على الخروج للتصويت لليكود ولصد "الهجوم العربي". "العرب يتقاطرون بالباصات الى صناديق الاقتراع ليأخذوا منكم السلطة". هذا التحريض العنصري على المواطنين العرب وفي المدن المختلطة والكبرى بالذات، حرك مشاعر الكراهية لدى المهاجرين الروس الذين تركوا ليبرمان بسبب ملفات الفساد ووقفوا جانبا مترددين حتى اللحظة الأخيرة، كما حرك اوساط عنصرية مختلفة للتحرك وزيادة نسبة التصويت عامة ولصالح الليكود خاصة. وقد اشار عدد من المستطلعين الى نتائج هذا التحرك لاحقا، فقالوا ان 26% من المصوتين اتخذوا قرارهم في اليوم الأخير وخلال يوم الانتخابات بالذات، وهنا تكمن المفاحئة. هؤلاء لم تؤخذ آراءهم في استطلاعات الرأي العام حتى مساء الجمعة، وهي الاستطلاعات التي اشارت الى تفوق المعسكر الصهيوني بفارق 4 اعضاء.

هل حصل التغيير في الارياف الشرقية ، كما يدعون، أم في المدن الكبرى؟
لا شك ان الأرياف الشرقية هي قاعدة جاهزة تاريخيا لليكود، ولكن اين تكمن المفاجئة؟ من هم الذين تحركوا في اللحظة الاخيرة ومن اين جاءوا؟
بعد مراجعة دقيقة أجريتها لنتائج التصويت في أكبر 13 مدينة اسرائيلية، ( القدس ، تل ابيب، حيفا، ريشون لتسيون، اشدود، بيتح تكفا، بئر السبع، نتانيا، حولون، عكا، اريئل، اشكلون، سديروت)، بين انتخابات 2013 وانتخابات 2015 ، تبين لي ان نسبة التصويت في كل هذه المدن (كلها على الاطلاق) ارتفعت بين 2%-8% وهذه النسبة في المدن الكبرى، حيث يعيش اكثر من 60% من مجموع السكان، تعني الكثير الكثير، مما يفسر ارتفاع نسبة التصويت في اسرائيل عامة من 68% عام 2013 الى 72% اليوم.

في مراجعة اضافية ودقيقة لنسبة التصويت الى الليكود واسرائيل بيتنا (ليبرمان) والبيت اليهودي (بينيت) في هذه المدن بالذات، ومقارنة هذه النتائج مع ما حصلت عليه هذه الاحزاب الثلاثة عام 2013 -هليكود بيتينو( تحالف ليبرمان مع نتانياهو)، والبيت اليهودي، نجد ان من هرب من ليبرمان او جلس جانبا بسبب ملفات الفساد، قد تحول الى الليكود بالكامل، يعني ما فقده ليبرمان وهو خمسة اعضاء كنيست قد كسبه الليكود، ونجد ايضا ان البيت اليهودي قد خسر من اصواته في كل هذه المدن لصالح الليكود، وانخفض من 12 عضوا، بموجب الأستطلاعات العلنية الاخيرة الى 8 اعضاء في النتائج النهائية. هذه الاصوات تحولت في الايام الثلاثة الاخيرة الى الليكود.

الخلاصة
لقد لعب التحريض العنصري على المواطنين العرب في اليوم الأخير دورا هاما في تحريك مكامن العنصرية والكراهية للعرب بالذات، ولعب التخويف من فقدان السلطة واستعداد "اليسار" للانسحاب من المناطق المحتلة، حيث ستسيطر حماس او حركات اسلامية متطرفة، دورا مفصليا في اليومين الأخيرين، تضاف الى التأكيد بأن امكانية التسوية حتى مع الدول العربية الخليجية هو وهم بسبب عدم الاستقرار في هذه البلدان، كل هذه العوامل سويا وأخرى شكلت محفزات لدي المترددين بان يخرجوا للإدلاء بأصواتهم ، وبطبيعة الحال سيصوتون لمن اقنعهم في اللحظة الاخيرة.

الى ذلك، نفهم من المعطيات الانفة الذكر، ان فارق الاصوات التي حصل عليها الليكود بين استطلاعات الرأي العام والنتائج الحقيقية جاءت ممن تركوا صفوف ليبرمان والتزموا الحياد في فترة استطلاعات الرأي العام المنشورة، ولكنهم عادوا الى الليكود في اللحظة الأخيرة، كذلك فعل اولئك الذين تركوا نفتالي بينيت في اللحظة الأخيرة وتوجهوا لدعم بيبي نتانياهو. واذا ما اضفنا الى ذلك الارتفاع في نسبة التصويت في المدن الكبرى، كما ذكرت اعلاه، وبالذات في مدن الجنوب التي طالتها صواريخ المقاومة الفلسطينية في العدوان الأخير على غزة، وقد بلغت الزيادة نسبة 6% بالمعدل، نستطيع ان نفهم الأمر مصدر المفاجئة التي لم يتوقعها أحد، ولكل انتخابات مفاجئتها الخاصة.