الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

سناء العاجي: أخبار… من لا شيء

نشر بتاريخ: 02/08/2015 ( آخر تحديث: 02/08/2015 الساعة: 15:24 )

الكاتب: سناء العاجي

المشهد الأول: خلال شهر رمضان المنصرم، توصلتُ عبر وسائط التواصل، أكثر من مرة، بشريطي فيديو لمسلم فرنسي يبدو أنه من أصول مغاربية. في الشريط الأول، كان الشاب يصرخ في وجه أشخاص جالسين في مقهى فرنسي بأن يمتنعوا عن الأكل احتراما لرمضان؛ ويكسر لأجل ذلك الطاولات والكراسي.

في الشريط الثاني، دخل نفس الشاب إلى محل تجاري كبير وصرخ وأرغى وأزبد بين رفوف المواد الكحولية، مطالبا بالامتناع عن بيع وشراء وشرب الكحول خلال رمضان.

انزعجت كثيرا من تصرفه متسائلة كيف يريد هذا النزق أن يفرض احترام تعاليم دينه في بلد علماني حسم الأمر منذ زمن، بفصل صريح وواضح بين الدين والدولة والقانون والمجتمع. فيما بعد، اكتشفنا بأن الأمر مجرد كاميرا خفية من ممثل شاب ذي أصول مغاربية.

بكل صدق، أعتبر الموضوع الذي اختاره غير ذكي بتاتا، لأنه يأتي في ظرفية تنمو فيها في فرنسا، لكن أيضا في المغرب وفي دول أخرى، فوبيا وشرارات عنف مغلف بغلاف ديني؛ وبادرة مثل هذه تساهم في تكريس صورة تنامي المد الإسلامي المتطرف، وتزايد الرغبة في محاصرة حريات الأفراد، سواء في دول ذات أغلبية إسلامية أو غيرها. لننتبه إلى كون شريطي الفيديو لا يشيران في أي لحظة إلى كون الموضوع يتعلق بكاميرا خفية. كم منا، بعد مشاهدتهم للشريطين الأصليين، قرأ المقال التوضيحي وعرف بموضوع التمثيلية؟ وكم منا سيبقى على تصوره الأصلي بأن هناك مسلما مجنونا عنف فرنسيين، بينهم مسلمون وغير مسلمين، بسبب عدم احترامهم لرمضان في قلب فرنسا؟ ألا تساهم مثل هذه اللعبة في تأجيج النار ووضع الزيت عليها؟


المشهد الثاني: منذ بضعة أيام، انتشر على الأنترنيت المغربي فيديو لبائع متجول (بائع الهندية) مكبل بالسلاسل وحوله أشخاص يشهدون، غاضبين، بأن ذلك من فعل أعوان سلطة. اقتسمت الفيديو عبر الإيميل مع مجموعة أصدقاء، معبرة عن غضبي الشديد من هذا الشطط في استعمال السلطة. أن يقوم مواطنون بمحاولات لتطبيق القانون، فهذا مرتبط بجهلٍ على الدولة مواجهته بصرامة؛ لكن أن يقوم بذلك أعوان سلطة يفترض فيهم احترام القانون، فهذه كارثة حقوقية.

لكن علامات استفهام نبهنا إليها أحد الأصدقاء بقيت عالقة: مصدر الفيديو، الهدوء غير الطبيعي للشاب المكبل في وضعية حاطّة بإنسانيته وكرامته، بحيث لا نعرف إن كان نائما أو محتضرا أو ميتا. فيما بعد، اكتشفنا أن الشاب كان مغمى عليه وأن القصة كلها مفبركة من طرف أحد أقاربه وأن لا علاقة لأعوان السلطة بالأمر.


المشهد الثالث: منذ أيام، انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي الفرنسية قصة التهجم على فتاة فرنسية كانت ترتدي بيكيني في أحد حدائق مدينة ريمس (وهي عادة يمارسها الكثير من الأوروبيين في فصل الصيف، للاستمتاع بالشمس). اشتعلت الهاشتاكات منددة بهذا التهجم الأصولي في قلب فرنسا، ومطالبة بمسيرة احتجاجية بالبيكيني. هاشتاكات وتنديدات ساهم فيها بعض المنتخبين المحليين في مدينة ريمس وضواحيها. فيما بعد، اكتشفنا عبر التحقيقات أن الأمر يتعلق بمشادّاة كلامية لا ارتباطات دينية لها، وأن المعتديات سيعرضن أمام القضاء بتهمة العنف، وأن لا محرك ديني لهن.


ويُسدَل الستار: كل هذه مسرحية غبية تساهم عبرها وسائط التواصل الاجتماعي في نشر أخبار ملفقة كاذبة. نتحمس خلفها. نندد. لنكتشف أن الجبل لم يتمخض أصلا ولم ينجب الفأر نفسه. حتى أن بعض صحافتنا تلفق مثل هذه الأخبار، تفبركها أو تساهم في نشرها بدون مهنية التقصي من الحقائق، بدون فضيلة الاعتذار عن الخطأ المهني الذي قد يحدث، وبدون التحلي بالمسؤولية المهنية والأخلاقية.


بالفعل، كانت هناك قضايا تُعبّر عن تحول خطير في المجتمع (قضية فتاتي إنزكان، قضية الاعتداء على مثلي فاس، قضية التشهير بمثليي سلا من طرف التلفزيون الرسمي نفسه، قضية طفلة آسفي التي تم الاعتداء عليها بسبب الشورت، وغيرها).

لا يمكننا أن ننفي تجاوزات بعض المواطنين وتجاوزات ممثلي السلطة والقضاء أحيانا (قضية إنزكان تترجم الحالتين). هذه الوقائع في حد ذاتها خطيرة بما يكفي لكي لا نفبرك قضايا أخرى غير حقيقية. لذلك علينا، كمواطنين، التروي وأخذ الحذر؛ فليس كل ما نتوصل به عبر مواقع التواصل يعبر عن حقائق مثبتة؛ وقد ننجر من دون أن ندري خلف مزايدات غبية. ثم علينا ثانيا، في الوسط الإعلامي، التحلي بالمسؤولية لكي لا نصنع فرقعات إعلامية من ورق ونساهم في خلق بلبلة من لاشيء. مواضيع الهوية والدين والأخلاق والاعتداء على حقوق وحريات المواطنين هي مواضيع حساسة تستوجب اليقظة والمسؤولية.

المساس بها يتطلب مواقف رصينة لحمايتها من مختلف أشكال الشطط. لكن فبركتها لا تساهم إلا في تعقيد الأمور… وربما في صنع قنابل لا نعرف متى قد تنفجر في وجوهنا.

المغرب