الإثنين: 14/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

فتح،نصف قرن في قيادة النضال الفلسطيني..من أجل الحريةوالعودةوالاستقلال

نشر بتاريخ: 05/01/2016 ( آخر تحديث: 05/01/2016 الساعة: 17:19 )

الكاتب: المحامية فدوى البرغوثي

انقضى نصف قرن على إطلاق حركة فتح الرصاصة الأولى في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، وبدخول العام الجديد 2016 تكون الحركة قد دخلت نصف قرن آخر في مسيرة كفاحها الوطني المعمد بدماء الشهداء الأبرار وعذابات وآلام الأسرى وأنات الجرحى وعرق وتعب ومشقة المناضلين والمقاتلين والفدائيين، مسيرة طويلة وشاقة ومريرة وصعبة قطع خلالها الفتحاويون الصحارى والوديان وصعدوا الجبال والتلال في مسيرتهم لتحرير فلسطين وإنجاز الحلم الفلسطيني المقدس، وخاضوا المعارك العسكرية في الكرامة والأغوار وقلعة شقيف وبيروت والجنوب ومخيمات الصمود والمقاومة في لبنان وسوريا والأردن وفي الجولان وفي كل المدن العربية المحيطة بفلسطين من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها وفي كل بقعة من أرض فلسطين، خاضت فتح هذه المعارك ببسالة وشجاعة واقدام وثبات طوال تلك العقود في الزمن الصعب وشبه المستحيل وضد التيار، وقاتلت وواجهت الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية في أوروبا وكافة انحاء العالم، وقاتلت في البر ومن البحر وكانت أول الرصاص وأول الحجارة، وكانت فتح في قلب الانتفاضتين، وكان أبناؤها أغلبية في سجون الاحتلال طوال خمسين عاماً منذ الانطلاقة عام 1965 وحتى مطلع العام 2016 وقت كتابة هذه السطور. وتعرض خلال هذه المسيرة عشرات الآلاف من مناضلي الحركة وكوادرها وقادتها للتعذيب، ووحشية الاعتقال، وظلم الزنازين، وقسوة المطاردة، وقسوة التحقيق، وتعرضوا للاغتيال، بما في ذلك القائد المؤسس والرمز الخالد أبو عمار والقادة العظام أبو جهاد وأبو اياد وغيرهم من أعضاء اللجنة المركزية ومن القيادات العسكرية والميدانية والشعبية.

خاض الفتحاويون بشجاعة كل معارك شعبهم العسكرية والسياسية والشعبية كما خاضوا المعارك السياسية والدبلوماسية ، وحققوا وانجزوا مكاسب وطنية تاريخية بالشراكة وجنباً إلى جنب مع كل فصائل العمل الوطني رفاق الدرب والمسيرة، ونجحوا في بناء وقيادة كيان وطني سياسي ممثلاً بـ (م.ت.ف) التي قادت مسيرة شعبنا على مدار عقود من الزمن، وبعثوا الهوية الوطنية الفلسطينية من تحت ركام النكبة، وأعادوا فلسطين الى مركز الإهتمام الدولي والإقليمي بالدم والتضحيات والشهداء والعذاب والآلام وبالكفاح المسلح والمقاومة والثورة والانتفاضة والعمل الجماهيري والشعبي والنقابي والسياسي والدبلوماسي ، وأفشلوا جوهر العقيدة الصهيونية القائمة على أكذوبة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ونقلوا الاشتباك مع المشروع الصهيوني إلى قلب فلسطين، ونجحوا في إقامة أول سلطة فلسطينية على جزء يسير من أرض فلسطين، وحين تعثرت العملية السلمية بسبب إصرار إسرائيل على الاستمرار في تنفيذ مشروعها الاستعماري، أقاموا بنية تحتية نضالية تجلت في الانتفاضة الثانية المباركة التي سجلت أهم وأطول وأوسع مواجهة فلسطينية مع الاحتلال الصهيوني منذ النكبة على أرض فلسطين، وكبدت انتفاضة الأقصى الإحتلال خسائر غير مسبوقة في تاريخ المواجهة في كافة المجالات، وأجبرت الاحتلال لأول مرة في تاريخ الصراع على الانسحاب غير المشروط من جزء من أرض فلسطين وهو قطاع غزة، الصغير بمساحته والكبير العظيم بشعبنا في القطاع وتضحياته وصمود أهلنا ومقاومينا ومناضلينا فيه، وقادت فتح الفلسطينين لأول مرة على أرض فلسطين إلى انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة وديمقراطية في عام 1996 وعامي 2005-2006 ايماناً وقناعة بأن شعبنا الفلسطيني يسيحق عن جدارة تأسيس نظام سياسي ديمقراطي تعددي.

فتح وتتالي الأزمات وتعثر المسيرة
يجب على الفلسطينين جميعاً، وفي مقدمتهم الفتحاويون، الاعتزاز والمفاخرة بسجل حركة فتح وبهذه المسيرة المشرقة والعظيمة، ولكن يجب ألاّ يحجب هذا السجل الحافل الاخفاقات والانتكاسات والهزائم التي تعرضت لها الحركة خلال مسيرتها الشاقة والطويلة وفشلها في عدد مهم من المحطات، مما اثر سلباً على المسيرة النضالية لشعبنا ككل. لعل أبرز محطات التراجع والضعف التي عاشتها وما زالت فتح بدأت بالتسرع في إنهاء الانتفاضة الثانية دون محاولة انتزاع أي مكسب سياسي يسمح لشعبنا بالتقدم نحو الحرية بعد انتفاضة قدم خلالها شعبنا آلاف الشهداء، بما في ذلك ابرز قيادات شعبنا من مختلف الفصائل ما بين استشهاد واعتقال، وقدّم تضحيات هائلة، وربما أن أبرز أسباب هذا التراجع والضعف هو اغتيال القائد المؤسس والرمز الخالد لنضال شعبنا ياسر عرفات، واختطاف القائد المناضل مروان البرغوثي، بما يمثلون من خط سياسي ووطني ونضالي مقاوم.

وتولى فتح بعد انتخابات 2005 قيادة برئاسة ابو مازن تبنّت خطا سياسيا جديدا يرتكز على النضال السلمي والمفاوضات والعمل السياسي والدبلوماسي، ويرفض خيار الانتفاضة. وقد أدت هذه السياسة في أحد جوانبها إلى اضعاف صفة المقاومة الثورية عن الحركة، علماً ان الواقع على الأرض يختلف لأن الحركة بقواعدها ومناضليها واصلوا مقاومة الاحتلال بهذا القدر أو ذاك، وبهذا الشكل أو ذاك، ما يفسر حقيقة ان أكثر من نصف المناضلين في السجون طوال العشر سنوات الاخيرة، بما في ذلك الهبة الشعبية المستمرة حتى اللحظة هم من أبناء حركة فتح.

الحقيقة أنه رغم كل النوايا الطيبة والإيمان العميق للرئيس أبو مازن وفريقه واستعداده طوال أحد عشر عاماً للوصول إلى سلام عادل وشامل والتمسك بخيار المفاوضات والالتزام بالاتفاقيات، بما في ذلك التنسيق الأمني أحادي الجانب، بغض النظر عن عدم التزام اسرائيل بها واستمرار اسرائيل في تصعيدها من وتيرة الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس والإعتقالات والاغتيالات والحواجز ومصادرة الأرض والحصار والسيطرة على المياه والإلحاق الاقتصادي، وردّت حكومات إسرائيل اليد الممدودة للسلام من قبل الرئيس أبو مازن طوال الثلاثة عشر عاماَ، واستمرت في سياساتها الاستعمارية وباتت تصف الرئيس أبو مازن بالعقبة في وجه السلام وتختلق الأعذار كما دوماً لتبرير هروبها من استحقاقات العملية السلمية التي تستوجب إنهاء الاحتلال.

ومن أبرز المؤشرات عن تعثر مسيرة الحركة خسارتها وفشلها في الانتخابات التشريعية الثانية، وخسارتها للسلطة التي تقودها لصالح حركة حماس، التي لم تتردد في استخدام قوتها العسكرية للاطاحة بالسلطة الوطنية في قطاع غزة، وفشل الحركة في أن تشكل معارضة قوية بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية أو في استرداد زمام المبادرة من خلال استخلاص الدروس من هزيمتها في الانتخابات.

والسؤال الكبير اليوم الذي يتوجب طرحه وحركة فتح تنهي عامها الأول من النصف الثاني من قرن من عمرها، هو الى أين وصلت سفينة حركة فتح المبحرة من نصف قرن في طريقها لايصال فلسطين وشعبها الى شاطيء الحرية والعودة والاستقلال؟ وهل فقدت لبرهة من الزمن بوصلتها في عرض البحر فراوحت مكانها دون القدرة على التقدم للأمام ومواصلة الابحار في الرحلة الشاقة؟ وهل يعود ذلك لضبابية الرؤية لدى القبطان؟ ام لدى القيادة من مختلف الفصائل؟ ام لتغليب مصالح فئوية وحزبية على المصالح الوطنية؟ ام للتعب السياسي؟ ام الاحباط؟ ام للوضع الاقليمي؟ ام للمعادلة الدولية؟ ويبقى السؤال الأهم، بعد التحليل والتشخيص وإيجاد الأسباب، وكيف بامكاننا تصويب البوصلة ليس فقط وفاءً للشهداء بل أيضاً للأحياء ولحلم مستعصي وحتمي في نفس الآن، حلم الحرية والعودة والاستقلال.

العودة لنهج نضالي تتبناه الحركة بكافة مستوياتها
لم يعد مقبولاً التردد والتلعثم في تحديد مسار بوصلة فتح، ولا يمكن القبول بمراوحة المكان، بل الرجوع خطوات الى الخلف، ولا القبول بخوض مزيد من التجارب الفاشلة والاصرار على تكراراها، وبالتالي من الواجب القول ان بوصلة حركة فتح يجب أن تشير وتسير للقدس، رغم ما أصابها من تشويش في السنوات الأخيرة بغض النظر عن صدق النوايا، وقد حان الوقت لشد الرحال بكل ما لدينا من طاقة وقوة لتوجيه البوصلة نحو القدس، فهي أنبل وأصدق بوصلة وإتجاه، وقد نجح فتية القدس وفلسطين الصغار سناً، الكبار قدراً وحكمة وشجاعة، بتصحيح هذه البوصلة من خلال تحمل أعباء لم يكن من الجدير أن يحملوها وحدهم. واذا كانت البوصلة هي القدس وهي الأولوية المقدسة، وهي كذلك، فان السبيل إلى بلوغها معبد بالتضحيات والكفاح والنضال والمقاومة، ومن أجل بلوغ الهدف وحماية المسيرة نحو القدس فلا بد أولاً من برنامج نضالي موحد يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، مما يتطلب ترتيب البيت الفسطيني الداخلي، وإنهاء الانقسام، وإنجاز المصالحة وتوحيد الجبهة الداخلية، بعيداً عن سياسة الإقصاء والتخوين والمناكفات وانتهاك الحقوق والمزاودات والاستهانة بالتضحيات. ويعتبر الانقسام شوكة دائمة في خاصرة نضال شعبنا تحول دون الوصول إلى مقاومة موحدة وشاملة للاحتلال.

نحو برنامج نضالي موحد
على حركة فتح بمناسبة ذكرى الانطلاقة اتخاذ قرار استراتيجي بالانخراط الكامل في الهبة الشعبية وتطويرها نحو انتفاضة شعبية شاملة تنخرط فيها كافة فئات الشعب الفلسطيني، ورعايتها وحمايتها واعتبارها خياراً فتحاوياً ووطنياً استراتيجياً، كما أن على الحركة أن تقرر تكريس الدولة على الأرض وبسط سيادتها على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 بدءا بالقدس الشرقية، دون استئذان أحد. مما يعني أولاً رفض وإنهاء أي شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال وصولا للعصيان المدني الكامل، وتكريس السلطة الوطنية كجسر للعبور للحرية والعودة والاستقلال، وليس لتكريس الاحتلال، كما يتوجب على القيادة والرئيس إعلان دعم حركة الـBDS رسمياً وشعبيا، وممارسة المقاطعة الشاملة للاحتلال ومنتجاته وبضائعه، ومطالبة حكومات العالم بمقاطعة اسرائيل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وفي كافة المجالات والمطالبة بفرض العقوبات عليها وعزلها، والطلب من الحكومات العربية وكذلك الدول الاسلامية والدول الصديقة كافة الالتزام بالمقاطعة الشاملة. كما يجب اتخاذ قرار فلسطيني رسمي وشعبي بالرفض المطلق للعودة إلى المفاوضات مع حكومة الاحتلال قبل الالتزام الرسمي والمعلن والواضح منها بانهاء الاحتلال والانسحاب لحدود 1967 والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم طبقاً للقرار الدولي 194 والافراج الشامل عن الأسرى والمعتقلين، وأن لا تجرى أية مفاوضات إلا برعاية الأمم المتحدة مع قراراتها كمرجعية لها، وعلى ان لا تتجاوز مدة التفاوض بضعة أشهر.
إن تبني وتنفيذ هذا البرنامج النضالي يتطلب قيادة وطنية موحدة جاهزة لتقديم التضحيات وقادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني وتطلعاته والدفاع عن حقوقه.

نحو قيادة موحدة تجسد هذا البرنامج النضالي
إن البوابة الحقيقية لإصلاح الوضع الفلسطيني ولم الشمل وتوحيد الجبهة الداخلية ومواجهة التحديات الراهنة وتعزيز واسناد الهبة الشعبية على طريق انتفاضة شاملة يكمن في انتخاب نخبة سياسية فلسطينية وطنية نضالية جديدة تتبنى هذه الرؤية وتتقدم الصفوف ومستعدة للتضحية والفداء ودفع الثمن لأن الخيارات الثورية تحتاج الى قيادة ذات طبيعة ثورية تتمتع بالنفس الطويل في الصراع مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الاستعماري، وقيادة قادرة على انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة على قاعدة الشراكة الديمقراطية الكاملة في إطار (م.ت.ف) والحكومة والمقاومة، وأقصر الطرق لتحقيق ذلك يتجلى في العودة الى الشعب بصفته السيد والحكم والفيصل ومصدر الشرعية الوحيد وصانع الثورات والانتفاضات.

والخطوة المطلوبة في هذا الإتجاه هو الاتفاق وعقد مؤتمر وطني للحوار الشامل بمشاركة الجميع دون استثناء، وبتمثيل كافة فئات الشعب الفلسطيني للخروج من هيمنة المواجهة الفصائلية على العمل السياسي الفلسطيني، وصولاً الى ارساء قواعد الوحدة والشراكة الوطنية على قاعدة الديمقراطية والتعددية والمشاركة الشعبية، باعتبار ان الوحدة الوطنية هي قانون الانتصار للشعوب المقهورة وحركات التحرر الوطني، والخطوة الثانية هي التوافق على موعد نهائي لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ولعضوية المجلس الوطني، خاصة ان هناك فراغ خطير لان جميع الهيئات منتهية المدة والشرعية الشعبية والديمقراطية والقانونية، وعلى ان يلي ذلك عقد دورة جديدة للمجلس الوطني بمشاركة الجميع بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الاسلامي، ولانتخاب لجنة تنفيذية جديدة تصبح المخول الوحيد لصنع القرار الفلسطيني على ان يتجسد مبدأ الشراكة في كافة المؤسسات والأطر والهيئات وعلى كافة المستويات.

الوصول الى شاطئ الحرية والعودة والاستقلال
أكدت الهبة الحالية أن الذي يعيش المأزق والعجز هم النخبة السياسية والقيادة وليس الشعب المستعد والمصمم جيل بعد جيل على مواصلة مسيرة الكفاح في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي 1948 وفي الشتات، والمؤمن بحتمية النصر، ومن واجب كل واحد فينا، داخل الاطر وخارجها، أن يعمل وفوراً على اصلاح هذا الوضع أو سيستمر المشهد السياسي الفلسطيني في منع شعبنا من تحويل تضحياته الجسام الى انتصارات سياسية وميدانية تقربنا من فجر الحرية والعودة والاستقلال.