السبت: 18/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ماجد فرج ... كما أعرفه

نشر بتاريخ: 25/01/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:03 )

الكاتب: عيسى قراقع

بعيدا عن التهويل وظلال المؤامرات السياسية والمصطادين دائما بين الكلمات ... وبعيدا عن المصالح الشخصية والنزعة التظهرية والتناقض بين السلوك والواقع، فإنني أضع الوطن الفلسطيني والشعب الفلسطيني ومصلحته العليا أمام أي موقف أو قرار أو تصريح كموقف أساسي للهم الواعي لما يجري حولنا.

ولأنني لا أمدح أحدا، ولا أعبد الأصنام مهما كانت مقربه الى النبوءات السبع في الدنيا والسماء، فإن حملة التهويل والتحريض التي واكبت تصريحات اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني لصحيفة الديفينس نيوز الأمريكية أشعرتني أن هناك من يقف بجيشه وعتاده وعزائمه ولم يبق له سوى ربع ساعة لتحرير فلسطين من النهر الى النهر، وأن هناك من يدمر الإنتصار التاريخي المحقق ويطعن الحرية في خاصرتها ويبيع الوطن للأعداء وللإستعمار والإمريالية العالمية.

أعرف ماجد فرج كصديق منذ الطفولة، ومن ينظر الى عينيه يجد فيهما حزنا ومأساه انسانية واكبت مسيرة وحياة هذا الفقير وهو يقفز بين صفيح مخيم الدهيشة وأزقته وجنونه واشتباكاته اليومية والتي لم يكتب عنها أحد حتى الأن.

أعرف ماجد فرج العصامي الذي تحدى الجوع والحياة غير الطبيعية في المخيم، اليتيم مع اخوته والعامل البسيط الذي كان يبحث عن لقمة العيش والكرامة، والذي فقد والدته صغيرا، وقف اليتيم أمام مأساة وكارثة شعب سلبوا منه الهوية وتركوه يموت رويدا رويدا لا يملك سوى حجرا وذاكرة.

أعرف ماجد فرج العنيد العنيد، الراديكالي المتطرف الذي لا يقبل المساومة أو المهادنة أو التخلي عن المبادئ الأساسية، العنيف جدا والشجاع، والعاطفي الى درجة الإستفزاز، لا يحتمل حزنا لأحد، لا يريد أن يرى تجربته الصعبة تتكرر هنا وهناك، يملك أملا للجميع وطمأنينة تشبه الصلاة.

أعرف ماجد فرج الأسير والمطارد وصديق الشهداء والأسرى والذي صمد في أقبية التحقيق وترك البيت فارغا لأن جميع أخوته دخلوا السجون، ونام على البرش في تلك الزنزانة الضيقة الرطبة ورأى الإحتلال والجلادين وجها لوجه.

أعرف ماجد فرج ابن الشهيد الذي قتلوه في الإجتياحات الإسرائيلية، كان عائدا من عمله يحمل كيسا صغيرا فيه بقايا طعام وخبز، وخلال حظر التجول اطلقوا النار عليه في شارع القدس الخليل، ليسألنا وقتها لماذا دائما يموت الفقراء والمعذبون.

اعرف ماجد فرج شقيق الشهيد أمجد الذي قضى سنوات عمره في السجون، حمل الأمراض حتى سقط شهيدا في ريعان شبابه وهو يحلم.

أعرف ماجد فرج الكادر الفتحاوي عضو اقليم حركة فتح، الشبيبة والحركة الطلابية، والمظاهرات، والملاحقات، والنشاطات المستمرة، والمطلوب دائما لرجل المخابرات الإسرائيلي الذي يدعى (كريم)، يفتش عنه من شارع الى شارع ومن بيت الى بيت.

أعرف ماجد فرج السياسي والدبلوماسي ورجل الأمن والمتواضع، والذي لعب دورا هاما في وضع قضية الأسرى وحريتهم كجزء من أي اتفاق مع الإسرائيليين.. كانت عيونه هناك خلف القضبان، ليستقبل معنا ثلاث دفعات من الأسرى القدامى الذين اعتقلوا قبل اتفاق اوسلو بعد غياب طويل في المؤبدات.

أعرف ماجد فرج الذي يحاول أن لا يلعب في الساحة التي يريدها نتنياهو وجر الشعب الفلسطيني الى العنف المسلح،في ظل المعادلة غير المتكافئة القوة وتكرار تجربة قاسية لا زالت أثارها المدمرة حاضرة في الواقع والوعي الفلسطيني.

أعرف ماجد فرج الذي يعي تماما أننا وحدنا الأن أمام انشغال المحيط بالحروب الداخلية، وأن المشروع الصهيوني أصبح ناضجا لإستثمار ذلك استيطانا وضما وتهويدا وتدمير رؤية حل الدولتين.

أعرف ماجد فرج المدرك أن رأس السلطة والرئيس أبو مازن هو المطلوب، وأن التحريض على الرئيس وصل أوجه من قبل حكومة نتنياهو والمتطرفين الإسرائيليين، وأن نغمة ( لا شريك) بدأت تتكرر تماما على ألسنة الإسرائيليين واتهام الرئيس أبو مازن بأنه المحرض الرئيسي على الهبة الشعبية كما حصل مع الرئيس الشهيد ياسر عرفات.

أعرف ماجد فرج الذي يدرك أن اسرائيل الأن محاصرة دوليا ومعزولة ومتهمة بالأبرتهايد والفاشية، وأن معركة الشعب الفلسطيني هي معركة دولية وانسانية وقانونية ومعركة صمود وتكاتف من نوع مختلف.
أعرف ماجد فرج الواعي لما يجري من حراك في اسرائيل، الدولة التي أصبح استمرار الإحتلال يشكل خطرا عليها، ويحولها الى دولة منبوذة، غير ديموقراطية، عسكرتارية تشكل مأزقا على هويتها ومستقبلها.

أعرف ماجد فرج الذي لا يحتمل اعدام الأطفال على الحواجز، ولا يحتمل أن تبقى الهبة الشعبية دون برنامج واعي وشامل، وأن تبقى التنظيمات معزولة عن الدم والشهداء والتضحيات، لا نريد أن نبقى شعبا مكرسا لدفن الشهداء وللجنازات دون أفق سياسي.

أعرف ماجد فرج الذي يكره المناصب، ويكره الخطابات الحماسية لإسترضاء العواطف، هو عملي وواقعي، عيناه على أبناء شعبه، يتألم ويؤكد للعالم أن الشعب الفلسطيني شعبا يريد الحرية والحياة والسلام، شعبا غير عنيف ولا ارهابي كما تدعي الرواية الإسرائيلية، شعبا لا يريد سوى الخلاص من الإحتلال، يقف على الخط الدقيق بين الحرب والسلام.

أعرف ماجد فرج روح الجيل الشاب، يفهمنا ويفهم الآخرين، لم يسقط من برج عاجي، وكل عضو في جسده تدرب طويلا في النار والحريق، ربما لأنه كذلك صار شاذا متمردا، وكثرت من حوله السكاكين القريبة والبعيدة..
لا بأس ... ويبتسم بهدوء.