الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اليوم العالمي للمياة والوضع المائي في بلادنا؟

نشر بتاريخ: 16/03/2016 ( آخر تحديث: 16/03/2016 الساعة: 15:32 )

الكاتب: عقل أبو قرع

يصادف الثاني والعشرون من اذار من كل عام اليوم ما بات يعرف ب "اليوم العالمي للمياه"، حيث يتم الاحتفال به بناء على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة في نفس اليوم من عام 1993، والهدف منه هو التوعية للحفاظ على مياة صالحة للاستهلاك البشري وللانتاج، وكذلك لترشيد استخدام مصادر المياه المتوفرة، وشعار الاحتفال في عام 2016 هو " أهمية المياة لتوفير فرص العمل"، وهذا الشعار هو الاقرب للوضع المائي في بلادنا، حيث نحتاج المياة لتوفير فرص العمل في الزراعة وفي الصناعة وفي السياحة وفي البناء والانشاءات وفي مشاريع البيئة والطاقة وغيرهما، وفي كل مناحي الحياة الاخرى؟
وفي بلادنا، نعرف ان غالبية مصادر المياة هي مصادر جوفية، و يحتل موضوع المياة اهمية خاصة، لان عملية البناء والتنمية الاقتصادية المستدامة، وبالتالي خلق فرص عمل للالاف من العاطلين، تحتاج الى مياة بالكمية وبالجودة المطلوبتان، وتزداد هذه الاهمية بسبب شحة مصادر المياة، وتلوثها او تدهور جودتها خاصة في قطاع غزة، وكذلك ما زالت قضية المياة تعتبر احدى مواضيع مفاوضات المرحلة النهائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

ومعروف حسب المعايير الدولية ان الحد الادنى لاستهلاك المياة للفرد في اليوم الواحد هو 100 لتر من المياة الصالحة او ذات الجودة المقبولة، اما معدل الاستهلاك اليومي الحقيقي للمواطن الفلسطيني فهو تقريبا 70 لتر ، اما معدل استهلاك المواطن الاسرائيلي فهو حوالي 300 لتر يوميا، وبعيدا عن الكمية، وبالنظر الى نوعية وجودة المياة، فكفى ان نشير الى ان جزأ كبيرا من مياة قطاع غزه، وهي بمعظمها جوفية، هي وحسب المعايير الدولية سواء من المنظمات الصحية او البيئية هي مياة ملوثة، وان تلوث المياة في قطاع غزة ينتج عن عدم التخلص السليم من المياة العادمة، حيث تجد طريقها الى المياة الجوفية، وكذلك نتيجة الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية والاسمدة، حيث انه وبفعل مياة الامطار او الري تتسرب المواد الكيميائية ومن خلال التربة الرملية لتصل في المحصلة الى المياة الجوفية.

والحفاظ على نوعية المياة يتطلب إجراء مراقبة دورية وتحليل روتيني لجودة المياه من الناحية الميكروبية والكيميائية وهو أمر ضروري لتحديد مدى ودرجة تلوثها، ويعني وجود مختبر مع طاقم متخصص في هذا المجال، حيث ان التلوث الكيميائي، مصادره متعددة ومتنوعة، وتتراوح من تلك الناتجة من فضلات المصانع، اوالمواد الكيميائية الناتجة عن الاستخدام الزراعي للمبيدات والأسمدة، واستخدام الكيميائيات في مجال الثروة الحيوانية، والنقطة المهمة هنا هي تراكم هذه المخلفات بالبيئة المحيطة بتلك النشاطات ومن ثم نزولها إلى طبقات التربة الدنيا وبالتالي المياه الجوفية، واحتمالات انتقالها إلى مواد أكثر سمية وخطورة على صحة الإنسان حين تستخدم المياه للشرب، وكذلك تأثيرها السلبي على المزروعات حين تستخدم في الري، ومن ضمن هذه المواد المسببة للتلوث المركبات العضوية مثل مواد الـــ "ديوكسين"، والمركبات العضوية الحلقية وهي مواد سامة ، وكذلك مبيدات الحشرات، ومبيدات الأعشاب وخاصة حين تُستخدم كخليط مع التربة فإن احتمالات نزولها إلى المياه الجوفية هو كبير، وكذلك المركبات غير العضوية والمعادن مثل الزئبق، الكادميوم، والكروم وهي عناصر خطيرة ولها مضاعفات على صحة الإنسان والأجنة.

ومعروف إن من واجب السلطة الوطنية في كل دول العالم ومنها فلسطين توفير المياه الصالحة لمواطنيها وإيجاد مصادر مياه بأقل التكاليف والعبْ الاقتصادي، وبالتالي فإن توفير وسائل الوقاية والمراقبة الدورية لجودة المياه الموجودة يعتبر أفضل الأساليب والطرق لتوفير النوعية الجيدة للمياه، وهذا يتطلب العمل لإصدار ومن ثم تطبيق قوانين وتشريعات بيئية تلائم واقع المياة والبيئة الفلسطينية وطبيعتها، وبان يتم التركيز على التوعية البيئية وخاصة استخدام الإعلام البيئي، وذلك من اجل إيصال الرسالة وبأسلوب واضح وبسيط لغالبية الناس من اجل الاهتمام وحماية البيئة الفلسطينية. و الى انه يجب القيام بدراسات تقييم الاثر البيئي وخاصة الاثار على مصادر المياة الجوفية قبل البدء في اي مشروع، سواء اكان ذلك مشروعا صناعيا او زراعيا او مشروع عمراني، وبأن تكون هذه الدراسات علمية وموضوعية وتتم عن طريق خبراء، وتبرز اهمية هذه الدراسات حين يكون المشروع ذو بعد وطني واستراتيجي مثل بناء مدينة الروابي الفلسطينية، او انشاء محطات الكهرباء او المدن الصناعية.

ونحن نعرف ان الوضع المائي في القطاع هو وضع كارثي في الوقت الحاضر، حيث تتدفق المياة العادمة غير المعالجة والنفايات المنزلية والصناعية وبقايا المواد الكيميائية التي نتجت عن مئات الالاف من اطنان المواد المتفجرة التي تم القاؤها على قطاع غزة خلال الحروب الاخيرة، تتدفق لكي تصل في المحصلة الى المياة الجوفية، التي هي المصدر الاساسي للمياة في القطاع، وما لذلك من تداعيات قصيرة المدى على الصحة العامة عن طريق انتشار الامراض، واثار بعيدة المدى تتمثل في تلوث مصادر المياة الجوفية والتربة الزراعية وكذلك تلوث الطعام والمنتجات الغذائية ومن ضمنها الاسماك نتيجة تراكم المواد الكيميائية في انسجتها.

وحسب تقارير محلية ودولية، فأن حوالي 96% من مياة الخزان الجوفي في قطاع غزة، هي مياة غير صالحة للاستخدام، وان الوضع المائي في قطاع غزة هو في تدهور مستمر نتيجة الاستهلاك المتزايد للمياة الجوفية، وبالتالي تسرب مياة البحر، وكذلك مياة الصرف الصحي الى خزانات المياة الجوفية، والذي ادى الى ارتفاع نسبة الملوحة وازدياد التلوث، وبالاخص زيادة تراكيز الكلوريد والنترات وغيرهما، حيث حسب التقارير تصل تراكيز الكلوريد في بعض المناطق، الى حوالي 5 الاف ملغرام لكل لتر من المياة؟

وفي خضم ما وصل الية الوضع الحالي للمياة في قطاع غزة، فأننا بحاجة وبسرعة للبحث عن حلول جذرية ومستدامة، اي حلول طويلة المدى لمعضلة جودة المياة، ومن ضمنها ربما يكون محطات تحلية المياة، وذلك من خلال سحب المياة من البحر، اي من البحر الابيض المتوسط، وتحويلها او تهيئتها للشرب، ومن ثم اعادة ما يتم فرزة او انتاجة من املاح الى البحر الواسع، وبسبب التطور التكنولوجي لمحطات تحلية مياة البحر، فأن فعاليتها قد ازددات، وبالتالي قلت تكاليف المياة الناتجة منها التي من المفترض ان تستخدم للاستهلاك البشري.

ومحطات تحلية مياة البحر هي فقط احدى المسارات الهامة لحل معضلة المياة، لان هناك مسارات اخرى تم ويتم اتباعها للحصول على المياة، ومنهاالتطور التكنولوجي والاداري الكبير في عملية استغلال المياة العادمة، اي اعادة تدويرها لكي يتم الاستفادة منها، حيث اننا نتج سنويا او شهريا او يوميا، الالاف من الامتار المكعبة من المياة العادمة، والتي تذهب سدى او تلوث البيئة والصحة، ولا نستغل ولو الجزء البسيط منها، فلماذ لا نقوم كذلك بوضع خطة عمل لتكريرها وبالشكل العلمي الصحيح، وليس بشكل عشوائي كما يتم الان، ومن ثم الاستفادة التدريجية منها، في الزراعة ولزراعة انواع معينة من المحاصيل،كما يتم في العالم؟

ومع الاحتفال ب " اليوم العالمي للمياة" هذا العام تحت شعار " اهمية المياة لايجاد فرص العمل" ، فأننا نتذكر كم من مزارع الموز والحمضيات والخضروات قد اندثرت في منطقة الاغوار او في قطاع غزة مثلا، وبالتالي عشرات وبل مئات وربما الالاف من فرص العمل قد ضاعت بسبب عدم توفر المياة، سواء بالكمية اللازمة او من ناحية النوعية ومستوى الملوحة، وكذلك نتذكر ان العديد من المشاريع الصناعية والانشائية لم تجد طريقها الى التنفيذ وبالتالي لم يتم تشغيل المئات من العاطلين والباحثين عن عمل، وذلك بسبب المياة، وهذه الامثلة تدعونا الى اعتبار المياة، ليست فقط سلعة ضرورية للاستهلاك البشري، ولكن للانتاج وللتنمية ولتشغيل البشر؟