الأربعاء: 15/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

اهلا بكم في سجن غزة المركزي

نشر بتاريخ: 05/04/2016 ( آخر تحديث: 05/04/2016 الساعة: 21:31 )

الكاتب: سفيان أبو زايدة


السجن يعني ان يفقد الانسان حريته من خلال حرمانه من الكثير من الحقوق الاساسيه، حقه في الحركة و التنقل من مكان الى اخر ، حقه في العيش بكرامه من حيث الطعام و الشراب و السكن و الزواج و الكهرباء و الماء الصالح للشرب، حقه في العمل و توفير لقمة العيش له و لاسرته بكرامه، حقه في العلاج و الذهاب الى المشفى الذي يراه مناسب و الطبيب الذي يراه مناسب له.
السجن يعني ان يحرم الانسان من لقاء من يحب متى شاء و في المكان الذي يشاء . اذا كان الامر كذلك ، هذا يعني ان قطاع غزة هو اكبر معتقل في العالم حيث يبلغ عدد نزلاءه ما يقارب مليوني نسمه.

هذه ليست مبالغه عندما يقال ان غزة عبارة عن سجن كبير بكل ما تعنيه الكلمة من معنى و ان الشعور لدى الغالبيه العظمى من قاطنيه يتعاملون مع انفسهم على انهم معتقلين في هذا السجن الكبير الذي يملك مفاتيحه الاحتلال مع الاخذ بعين الاعتبار ان هناك نُسخ اخرى من هذه المفاتيح مع جهات خرى.

مقارنه مع مناطق اخرى من الوطن و الشتات الذي يعاني فيه الفلسطيني اينما وجد و لكن بدرجات متفاوته و باشكال مختلفه، و على الرغم ان غزة كانت دائما تتصدر هذه المعاناة الا ان الاوضاع اليوم لم يعد بمقدور اهلها على تحملها.

حجم البطاله و ما تسببه من فقر مدقع يصل الى حد امتهان كرامة الانسان و التي تصل نسبتها الى اكثر من خمسين بالمئة ، و في اوساط الشباب و خاصه خريجي الجامعات منهم تصل الى ارقام خرافيه، بل من الناحيه العمليه لا عمل و لا افق لايجاد فرصة عمل لهذا الجيل من الشباب اذا ما استمر الحال على هذا المنوال. السلطة لم تستوعب احد في صفوفها منذ عشر سنوات وتنتهز كل فرصه ممكنه لتقليص فاتورة الرواتب من خلال الاحالة على التقاعد المبكر او الخصومات مختلفة الاوجه او حتى قطع الرواتب ظلما ودون وجه حق ، وحماس كسلطه فعليه في غزة استوعبت كوادرها و جزء من عناصرها و غير قادره على استيعاب المزيد منذ سنوات .

كم شخص او كم مسؤول يعرف ان الشباب من خريجي الجامعات و خاصة من حملة الماجستير و الدكتوراة ليس فقط الشهادة الجامعية الاولى يقومون باعمال شبه شاقه لمدة اثنى عشر ساعه في اليوم مقابل عشرين شيقل اسرائيلي فقط ( حوالي خمسة دولارات) و صاحب العمل يشعر انه يعمل لهم معروف لان الالاف غيرهم يطرقون بابه كل يوم لديهم الاستعداد ان يقوموا بنفس العمل و ربما بأجر اقل ، خاصة ان القطاع الخاص قدرته الاستيعابيه محدوده جدا بفضل استمرار الحصار و اغلاق المعابر و هجرة المستثمرين.

الوجع الحقيقي الذي يمتهن كرامة الناس هو استمرار اغلاق المعابر و تقييد حركة الناس وحرمانهم من السفر حتى لو كان بهدف العلاج او التعليم او العمل او الزواج. المنفس الاساسي و الذي يكاد ان يكون الوحيد لغزة و اهلها وهو معبر رفح حيث لم يعد يفتح الا في المناسبات السعيدة ، في حين معبر بيت حانون يشكل متنفس محدود يستفيد منه بضع مئات في اليوم فقط ، خاصه المرضى.

كما هو حال السجن فأن السجان هو الذي يحدد ما المسموح و ما الممنوع دخوله ، متى يدخل هذا النوع من الطعام او هذه المادة الخام، تماما كما حدث في موضوع الاسمنت مؤخرا عندما قرر الاحتلال التوقف عن ادخال الاسمنت الى سجن غزة و ذلك بحجة ان نزلاء السجن استخدموه بشكل سلبي.
الحديث يطول عن الظروف التي يعانيها اهل غزة هذه الايام ، حيث هناك كوارث طبيعية على الابواب ، فقط على سبيل المثال لا الحصر الانفجار السكاني في ظل الزيادة الطبيعية التي هي من الاعلى في العالم في منطقة جغرافية محصورة ،اضافة الى انعدام مياه الشرب الصالحه للاستخدام الادمي في السنوات القليلة القادمة.

هل هناك من عاقل يعتقد ان بالامكان ان يستمر الوضع في هذا السجن الكبير دون ان يحدث انفجار مزلزل؟ نصيحتي للقيادات الفلسطينية اتركوا العمل على تحرير فلسطين قليلا ، اتركوا العمل على تحرير القدس و عودة اللاجئين لبعض الوقت، اعتبروها استراحة مقاتل ، اتركوا الاهتمام باسترجاع الارض قليلا ، وكرسوا جهودكم و امكانياتكم للانسان الفلسطيني الذي هو اغلى من القدس و اغلى من الارض. هل هناك قيمة اغلى من الانسان؟

هل يفكر في القدس وتحريرها عاطل عن العمل منذ سنوات يفكر ليل نهار في توفير قوت اولادة؟ ، هل يفكر في فلسطين التاريخيه او حتى فلسطين ٦٧ انسان محروم من ابسط الحقوق ؟ هل يفكر في وطن جائع ؟ هل يسأل الغالبية العظمى من اهل غزة الان متى وكيف سيتم تحرير القدس ام يفكرون متى سيفتح المعبر و متى سأجد عمل و متى سأتزوج و متى سأحصل على تصريح او تنسيق؟
صحيح ان الشعب الفلسطيني طول عمره يعاني و طول عمره يضحي و طول عمره جاهز لان يقدم الغالي و النفيس من اجل استرداد حقوقه المسلوبه ، و لكن الشعب الفلسطيني غير مستعد ان يعاني نتيجة الخلافات الداخلية و الصراع على سلطة وهمية.

لكي يتم تجاوز الانفجار القادم، او على الاقل يتم تأجيله الى حين، هذا السجن الكبير يجب ان تكسر ابوابه باسرع وقت ممكن .

لقاءات حماس مع القيادة المصرية وتغيير نمط العلاقة التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية يعطي بصيص من الامل بان ابواب هذا السجن قد تفتح قليلا ، و لكن الاهم ليس مصالحة حماس مع مصر علىى اهميتها، الاهم هو المصالحة الفلسطينية الداخلية حيث لا امل بأن تفتح ابواب هذا السجن الا من خلال المصالحة الوطنية.
بدونها لن يكون هناك فتح للمعابر و لن يكون هناك امل في بناء ميناء او اعادة بناء مطار غزة من جديد .
بدون مصالحه لن يكون هناك حلول لقضايا غزة المزمنة من موظفين و خريجيين و عمال و معابر .
ان لم يقلعوا الفلسطينيين شوكهم بانفسهم لن يفعل ذلك احدا من اجلهم. افعلوا ما هو مطلوب منكم اولا حينها سيكون الجميع مستعد لمساعدتكم ، اما اذا لا تريدون انتم مساعدة انفسكم و مساعدة شعبكم لا تلوموا الاخرين .

ادحضوا الادعاء بانكم قيادة لم تعد تمثل آمال الشعب الفلسطيني و طموحاته ٠ادحضوا الادعاء بانكم قيادة لم تعد تكترث لمصالح شعبها و معاناته ، ادخضوا الادعاء بأن هناك من هو مستفيد من استمرار الانقسام و ليس لديه نوايا لانهائه لان مصالحه الخاصه اصبحت مرتبطه باستمراره