الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

إذا صلحت الادارة صلح الحكم

نشر بتاريخ: 09/04/2016 ( آخر تحديث: 09/04/2016 الساعة: 22:20 )

الكاتب: احمد حنون

إذا صلحت الادارة صلح الحكم
الحفاظ على الموارد العامة ... إدارة المال العام والوقت والجهد العام والانتاجية
الحلقة الحادية عشر


في الوقت الذي يتم الحديث فيه كثيرا عن الفساد المالي أولا ويتأخر الحديث دوما عن الفساد الاداري رغم أهميته ، إعتقادا من البعض ان المال هو الاساس في عملية الفساد وله حساسية اكبر وان هدر المال العام هو الجريمة النكراء ، ويبتعدون عن الحديث عن الحفاظ على المال العام في الاطار الضيق وفي الاطار الاوسع الحديث عن الحفاظ على الموارد العامة الفلسطينية ، والتي تتجاوز المال الى كل الثروات الطبيعية والجوفية والمائية والاقتصادية والبشرية الانسانية والبيئية والوقت والجهد وطاقة الشباب الفلسطيني وكل الطاقات التي لا تخزن ، في اطار نظرة استراتيجية ورؤية مستقبلية لتحقيق الاكتفاء والتطور والازدهار في ظل محدودية الموارد والتي تتطلب إدارة كفؤة للوصول للاستخدام الامثل لهذه الموارد والبدائل لتحقيق الاهداف والرؤية والنتائج المطلوبة ، لكل مورد أهميته كمصدر من المصادر المراد استثمارها بالشكل الافضل ـ ووزن خاص في معادلة الموارد العامة .
ان استمرار ي الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية يمثل العامل الاول والاخطر في هدر الفرص والموارد العامة الفلسطينية والارض الفلسطينية والثروات الفلسطينية والمصادر الطبيعية والارض الفلسطينية لصالح الاستيطان والتي تقدر سنويا بالمليارات ، هذا ليس من باب التعليق على شماعة الاحتلال ، ولا يظهر العالم انزعاجه بصوت عال من قيام سلطة الاحتلال الاسرائيلي الاستعماري بهدر الموارد الفلسطينية بشكل مبرمج يعكس رغبة الدولة المحتلة إسرائيل في رؤية الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال يتجرع الالم الفقر والحاجة والعوز وفي اصعب احواله ، وان خلاص الشعب الفلسطيني من الاحتلال يعد الخطوة الاولى في طريق الحفاظ وحماية المال العام والحق العام الفلسطيني.
وأن هدر الموارد العامة يعتبر ظاهرة تستحق الدراسة وهي ظاهرة قديمة حديثة غير مقبولة ، تعبر عن سلوك غير منضبط خاطئ غير حضاري وغير مهني ناجم عن تنشئة اجتماعية وثقافية خاطئة وضعف الرادع الذاتي والموضوعي والحرص ، وتظهر شكلاً من الاستعداد النفسي في تعبيراته البدائية في الميل نحو هدر الموارد العامة او عدم الحفاظ عليها او حمايتها ، يعكس ضعفا أو سوءا في إدارة الموارد العامة ، بعيدا عن الإدارة والترشيد في تخصيص الموارد العامة في غير محلها أو أن يتجاوز ما هو مسموح به ، مقابل حفاظ مستميت على المال الخاص على قاعدة المال يعادل الروح ، وكأن المال العام ليس له قيمة او روح او حرمة ، رغم ان حرمة المال العام هي اشد من حرمة مال اليتيم ، وان هدر الوقت العام واهدار المال العام الناجم عن مضايقات العمل هي جريمة انسانية ونمط من العبودية تنتفي معه العدالة وتضج فيه بيئة العمل بكل الامراض النفسية الناتجة عن حب التسلط والتلذذ بمعاناة الغير ، الامر الذي غدى لا يجب السكوت عنه ، ويجب ان يعاقب عليه القانون ، واتوقع من الحكومة ان تبادر الى إجراءات عملية للحفاظ على بيئة عمل سليمة تتوافق مع مدونة السلوك الوظيفي التي تشكل هذه الممارسات انتهاكا واضحا لمدونة السلوك .
في القانون الأساسي نصت المادة 96 على إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية للرقابة المالية والادارية على كافة أجهزة السلطة بما في ذلك مراقبة تحصيل الإيرادات العامة والانفاق العام في حدود الموازنة العامة وكان النص عاما ، بالمقابل فان حسن استخدام المال العام لم ترد إلا في قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية رقم (15) لسنة 2004 في المادة رقم (3) البند الأول الذي يتحدث أهداف العملية الرقابية والتي جاء فيها ضمان سلامة النشاط المالي وحسن استخدام المال العام في الأغراض التي خصص من أجلها ، وقد خلت القوانين والثقافة السائدة من مصطلح الحفاظ على المال/ الموارد العامة او حماية المال العام الا من القليل من الممارسة النابعة من الحرص الوطني والتربية والثقافة المحافظة عليه ، إضافة إلى عدم وجود نصوص قانونية تعريفية لمصطلح الحفاظ على الموارد العامة وكأن هدر الموارد العامة لا يشكل خطورة على النظام السياسي في البلد او انه وصف تطلقه المعارضة السياسية لمواجهة .
ان هدر المال العام والوقت العام الجهد العام ـــــ واضاعة الجهد وتدني الانتاجية ــــــ والموارد العامة يتقاطع مع الفساد بأكثر من موقع وخصوصاً إذا كان الهدر للمال العام ناجم عن سلوك مقصود او عن فوضى او تخريب متعمد أو محاباة أو بدافع جهوي أو زبائني او اتلاف واستحواذ أوكان هدرا منظما انعكاساً لحالة الفساد المنظم أو هدرا مؤسسيا ناجم عن حالة الفساد المؤسسي وهذا اعقد حالات الفساد والهدر وأقل أنواع الهدر ألهدر الناجم عن الخطأ غير المقصود وعن القصور أو عن تقصير في الأداء ، رغم ذلك فانه من الضروري استخدام الموارد بافضل الطرق واكثرها مردودا اقتصاديا ليحقق الاهداف المطلوبة ، بما يخدم الخطط والاستراتيجيات ، وكذلك اختيار الحلول الأنسب وتمويل الأولويات وفقاً للخطط للحفاظ على المال العام ، الموارد العامة هو موارد للشعب الفلسطيني ، وفي اطار معيار موحد عادل على الجميع .
في ظل امتناع المجلس التشريعي عن اداء مهامه فان إقتصار عملية الرقابة داخلية والرقابة العامة على المال فقط دونما الرقابة على الادارة والرقابة الفنية يبين حجم القصور في عملية الرقابة ، اضافة الى ضعف الإطار القانوني الحامي للموارد العامة وعدم المساءلة والمحاسبة لمن يقوم بهدر المال العام في ظل ضعف ثقافة حماية الموارد العامة والحفاظ على المال العام ، عدم ادخال التطوير اللازم من تبني اللامركزية والأنظمة الإدارية والتقنيات الحديثة شكل من أشكال الحفاظ على المال العام تقليص النفقات غير الضرورية وغير الحيوية ، وسوء استخدام السلطات الإدارية من خلال اتخاذ قرارات ذات اثر مالي قد شجع من تشجع على الإقدام على هدر المال العام ، رغم ان المال العام هو مال الشعب الفلسطيني فمسؤولية حماية المال العام والوقت العام والانجاز والانتاجية هي مسؤولية مشتركة لجميع المواطنين يمتلكون وفقها الحق في المساءلة اما مباشرة او من خلال من ينوب عنهم في المجلس التشريعي، للمحافظة على الموارد العامة ، وللتغلب على هدر المال العام لابد من تنمية الوازع الثقافي الوطني الديني وغرس قيمه ومبادىء وسلوك حماية الموارد العامة وحماية المال العام لدى الجميع في اطار التربية الوطنية ، وتعريفهم أن هذه الأموال والمرافق العامة انما هي ملك لجميع الشعب وليست لشخص مهما بلغ من الاهمية ، مع ضرورة رفع مستوى الشفافية والمساءلة وممارسة الديمقراطية والحرية بالشكل الصحيح وللجميع، بضوابط القانون والاخلاق والمبادىء ، بالاضافة الى قيام الاعلام الفلسطيني والصحافة والسياسيين والنخبة المثقفة بدور بارز لحماية الموارد العامة ، مع ضرورة تفعيل عمل مؤسسات الرقابية على المال العام .
لا بد من قيام الدولة باستخدام سلطانها في الحفاظ على المال العام وتعزيز الرقابة على المال العام والشفافية والإفصاح ، وتطوير فلسفة التعامل مع الموارد الفلسطينية على انها امانة ووديعة بيد الحكومة لتلبية احتياجات المواطنين من الخدمات ، ومهمة الحكومة والاجهزة السيادية التنفيذية للسلطة الوطنية هو حماية الموارد العامة الفلسطينية والمال الخاص إضافة لمهمات المؤسسات المختلفة في نشر الوعي لدى المواطن وتعزيز قناعاته بأن عليه مسؤولية تجاه الحفاظ على موارد بلده على اختلافها ، وان مهمة الموظف العام هو الحافظ على ما كل هو عام المال العام والموارد العامة والوقت والجهد ... ، ذلك في الوقت الذي يتم فيه اضاعة جهد كبير من الوقت والجهد العام في صراعات هامشية لا طائل منها سوى اضعاف اداء القطاع العام ، وفي غير النتيجة المطلوبة ، في فرنسا اذا لم تقم الجهة الحكومية بالرد على المواطن خلال المدة القانونية ، ومن باب الحفاظ على المال العام والوقت العام فان محكمة القضاء الاداري تلزمه بدفع غرامة مالية ...، وهناك امثلة كثيرة من الحالة الفرنسية التي تؤكد ان الوظيفة العامة هي انحياز لخدمة المواطن والوطن ويد الشعب والدولة ، وليست مشروعا شخصيا ، ولا يوجد ثراء من السياسة في فرنسا كما في الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الديمقراطيات في العالم ، الامر الذي يتطلب الحفاظ على انها رسالة سامية يؤديها موظفي الخدمة العامة كجزء من الحفاظ على الموارد العامة .