الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس والإخوان المسلمون:جدلية التاريخ والسياسة

نشر بتاريخ: 01/06/2016 ( آخر تحديث: 01/06/2016 الساعة: 12:02 )

الكاتب: د.احمد يوسف

تفرض متغيرات الظروف الإقليمية والدولية من حين لآخر أن تكون هناك كلمة لحركة حماس فيما يتعلق ببعض المواقف والسياسات، ولمَّا كانت جماعة الإخوان المسلمين؛ كبرى الحركات الإسلامية في العالم، قد تعرضت للكثير من الانتقادات بعد انتكاسة الربيع العربي، وطالتها الألسنة من قبل العلمانيين والإعلاميين، وتمَّ وضعها من قبل بعض الجهات الخليجية الرسمية على قائمة الإرهاب بشكل أثار حفيظة الإسلاميين في كل مكان، باعتبار أن مثل هذه المواقف دوافعها كيدية وخلفياتها سياسية، وتفتقر إلى الدليل والبرهان.

للأسف، فإن هذا الجدل القائم حول جماعة الإخوان المسلمين قد امتد ليطال حركة حماس، وتحريك شبهة الإرهاب حول فعلها المقاوم من ناحية، وكون ارتباطها بجماعة الإخوان من ناحية أخرى!!
ومن باب توضيح حقيقة الارتباط التاريخي لحركة حماس بجماعة الإخوان، وجدت تقديم رأيي الشخصي حول هذا الملف، فيما أراه وجهة نظر تمثلني، ولا تلزم أحداً غيري فيما أجتهده من قراءة وتحليل.

حماس وجماعة الإخوان المسلمين: توضيح تاريخي
منذ أن التحقنا بالإخوان المسلمين في الستينيات، ونحن تصاحبنا هذه العبارة: "فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية"؛ أي هي قضية العرب والعجم من المسلمين على هذه البسيطة.
وإذا كانت فلسطين؛ الشعب والقضية، لها هذه المنزلة، وتحظى بتلك المكانة، فهذا يوجب على أهلها الابتعاد عن سياسة الأحلاف مع أي طرف كان واعتماد الوسطية منهجاً؛ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولكن على مسافة متساوية من الجميع، باعتبار أن القضية تطلبهم أجمعين.

كانت علاقة الإخوان المسلمين كتنظيم تتأثر بالحالة السياسية بالمنطقة، وقد دخلت - مضطرة - كطرفٍ في الصراعات الدائرة فيها، وخاصة بين مصر عبد الناصر والمملكة العربية السعودية في عهد الملك فيصل؛ أي في عقد الستينيات، وذلك على إثر ما جرى من مواجهات في اليمن سرعان ما تطورت إلى انقلاب عسكري، دعمه الجيش المصري – آنذاك - للتخلص من الحكم الملكي الموالي لآل سعود.

لم يكن في تلك الفترة للإخوان من خيار إلا اللجوء إلى المملكة طلباً للأمان، بعدما لاحق نظام عبد الناصر قياداتهم وكوادرهم، وأعدم البعض منهم، ووضع الآلاف من أبناء الحركة في السجون والمعتقلات.
لم يسلم إخوان قطاع غزة من تلك الحملة من الملاحقة والاعتقالات، بحكم أن دعوة الإخوان المسلمين قد وجدت لها أنصاراً في داخل القطاع، حيث أصاب الكثيرين منهم ما أصاب إخوانهم من المصريين.

لا شكَّ أن سنوات الخمسينيات والستينيات قد شهدت الكثير من توتر العلاقة بين الإخوان المسلمين ونظام حكم عبد الناصر، حيث سادت أجواء  الخوف والتربص إلى أن وقعت النكسة عام 1967. وبعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر(رحمه الله)، شهدت مصر السادات في السبعينيات انفراجاً كبيراً، استقرت معه
الحياة السياسية فيها بخروج أعداد كبيرة من قيادات الإخوان وكوادرهم التنظيمية من السجون، وعودتهم لممارسة حياتهم والقيام بأنشطتهم الدينية والتربوية والحركية من جديد.

أما قطاع غزة الذي أصبح محتلاً بالكامل بعد النكسة، فقد شهد هو الآخر تحولات جذرية، حيث أعادت صدمة الهزيمة الشعب للبحث عن جذوره الإسلامية، بأمل أن يتحقق معها حلمه في التحرير والعودة.
إن ذلك الجيل من الشباب أمثالي والأخوين الكريمين فتحي الشقاقي وموسى أبو مرزوق من مدينة رفح، والذي كنا ننتمي عاطفياً لمصر عبد الناصر، فإن التحول سرعان ما حدث في حياتنا باتجاه الفكر والرؤية الإسلامية كبديل عن الناصرية، التي أصابتنا هزيمتها بالصدمة وبخيبة أمل كبيرة.

بعد عام 1967، تنامى التيار الإسلامي في كل أرجاء فلسطين، وصار الإخوان المسلمون عنواناً كبيراً يتمدد فوق أسماء جمعيات ومؤسسات، إضافة إلى شبكة من المساجد والمراكز الإسلامية التي انتشرت في كل مدينة وقرية من فلسطين، فالمآذن التي كانت مشاهدها ترتفع في السماء بأعداد لا تتجاوز المئتين، تخطت بعد عقد ونصف العقد من عمر الهزيمة الألف في قطاع غزة وحده.
كان التحول كبيراً وسريعاً، إلا أنه أخذ وقتاً تجاوز خمسة عشر عاماً لكي يبلور نفسه في حركة وطنية ذات مرجعية إسلامية، مثل: حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

العلاقة مع إخوان مصر: تاريخية وليست تنظيمية
بعد نكسة 1967، ووقوع قطاع غزة بالكامل تحت الاحتلال، انقطع التواصل - تنظيمياً - مع الحركة الأم في مصر، وانفتحت علاقات أخرى مع الإخوة في الضفة الغربية، والتي كانت ارتباطاتها التنظيمية مع الإخوان في الأردن، وبذلك تحركت بوصلة الحركة باتجاه عمَّان أكثر منها باتجاه القاهرة. صحيحٌ؛ أن الجامعات المصرية استقبلت الآلاف من طلاب قطاع غزة، وكان بينهم المئات من شباب الإخوان، إلا وضعهم التنظيمي ظل مقتصراً عليهم، مع تواصل مع الإخوة الفلسطينيين من الأردن، والذين كانوا يدرسون أيضاً بالجامعات المصرية، فيما عُرف بـ"تنظيم بلاد الشام".

ومع افتتاح الجامعة الإسلامية لأبوابها في نهاية السبعينيات، وفدت إلى قطاع غزة الكثير من قيادات الإخوان العاملة في القطاع الأكاديمي للتدريس بالجامعة، كما أن العديد من الخريجين ذهبوا لاستكمال دراساتهم العليا في السودان والأردن والسعودية.
لا شك أن الكثير من هؤلاء الطلاب عادوا إلى قطاع غزة يحملون شهاداتهم العليا، وقد جاءوا معهم بالفكر الإخواني، ولكن بالرؤية والتطبيق الذي شاهدوه في تلك البلدان التي درسوا فيها، ولم يكن بينهم الكثير ممن أنهوا دراساتهم العليا في الجامعات المصرية.. فعملياً، كان الارتباط الفكري واتجاه العلاقة يتطور بشكل أوضح مع إخوان الأردن أكثر من أي بلد آخر.

ومع وجود مرجعيات فكرية ذات انتماءات دينية - بخلفية إخوانية - في قطاع غزة، جسَّدها هذا العدد الكبير من أساتذة الجامعة الإسلامية، تقلصت الاعتمادات على الآخر الإخواني؛ سواء في مصر أو الأردن وبدرجة أقل المملكة العربية السعودية.
إن قطاع غزة كانت له خصوصيته الثقافية واستقلاله الفكري والحركي والتنظيمي، باعتباره واقع تحت الاحتلال.. ومع تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ديسمبر 1987، أصبح القرار الفلسطيني – نوعاً ما - مستقلاً، وإن ظلت بعض أشكال الدعم الإنساني والإغاثي تأتي من عمقنا العربي والإسلامي.

إن حركة حماس - وبحثاً عن تظهير هويتها النضالية - نحتت لها شعارها الخاص، الذي يعبر عن توجهاتها بتبني الفعل المقاوم طريقاً للتحرير والعودة، وكي تعبر عن حالتها المتميزة على مستوى النهج والممارسة، إلا أنها مع ذلك حافظت على ارتباطها الأخلاقي بالإخوان المسلمين كتنظيم، وذلك بالإبقاء على الشعار التقليدي للحركة، وإظهاره إلى جانب رمزياتها الحركيِّة.
ومن الجدير ذكره، أن ما يربط التنظيمات التي تحمل الفكرة الإخوانية على مستوى المنطقة والعالم لا يتجاوز اليوم- عملياً – لقاءات تتم على هامش بعض المؤتمرات لتبادل الرأي والمشورة، ويأتي ذلك فقط في سياق الاستئناس والنصيحة ليس إلا.

لذلك، عندما تحدث د. خليل الحية؛ عضو المكتب الساسي لحركة حماس، وقال: إن الحركة ليست لها علاقة تنظيمية أو إدارية بجماعة الإخوان المسلمين، فهو قد عبر صادقاً عما هو قائم، إذ إن ما يربط حركة حماس حقيقة بإخوان مصر إنما هو علاقة تاريخية ممزوجة بشيء من التصاهر الفكري والتعاطف الوجداني، حيث إنه لا توجد – في الواقع - هناك روابط تأخذ شكل التنظيم مع حركة الإخوان المسلمين في مصر أو الأردن أو حتى مع التنظيم العالمي
للحركة.

حماس: محاولات التكيّف مع المتغيرات الإقليمية
لا شكَّ أن حالة التفاؤل والانتعاش التي صاحبت تحركات النهوض في المنطقة أو ما يسمى بـ"الربيع العربي" كانت ملحوظة بشكل كبير لدى الفلسطينيين، وخاصة الإسلاميين منهم، وعلى رأسهم حركة حماس، وقد بلغت هذه الحالة من البهجة والانتشاء ذروتها عندما صار لقياداتها فرصة الظهور إلى جانب بعض رؤساء الدول، التي شهدت مثل هذه التحولات مثل مصر وتونس.
صحيحٌ؛ كانت حركة حماس مأزومة ومحاصرة، لكن الشعور لدى قياداتها وكوادرها كان يمنحها الثقة بأن الفرج قريب.. لذلك، أقبلت الحركة على التوقيع على اتفاق المصالحة فيمايو 2011، مطمئنة بأن مصر محمد مرسي ستكون ضامنة لكل ما سبق التوافق عليه بينها وبين حركة فتح، وستكون النزاهة والأمانة في التطبيق غير مشكوكٍ فيها، بحيث يتحقق لكل طرف ما يصبو إليه من تطلعات.

كانت الانتكاسة التي مُني بها هذا الحراك بعد عامين، هي صدمة موجعة للكل الإسلامي، حيث تراجعت الأماني والأحلام، وحلَّت مكانها المخاوف والأحزان، وجاء الوقت لإعادة النظر في العديد من الحسابات، ومنها كيفية التعامل مع هذا الواقع الجديد، الذي انطفأت فيه جذوة الربيع العربي، وعدنا لنجد أنفسنا - مرة أخرى – وجهاً لوجه أمام أنظمة القمع والقهر والاستبداد، وهو المشهد القاتم، والذي طالما أصابنا باليأس والإحباط لعقود طويلة من الزمن.

في الحقيقة، كان الإسلاميون في المغرب هم الأسرع تحركاً في المنطقة، من حيث تكييف علاقاتهم مع النظام الملكي الذي يقود البلاد، وتلقف الإشارات الإيجابية التي بعث بها القصر لهم، فخاضوا الانتخابات، وشكلوا الحكومة مع آخرين وفق توافقات وطنية، وبالتالي حافظوا على بلادهم آمنة مطمئنة، وجنبوها حمامات الدم والفوضى العارمة.. وعلى إثر ما جرى في مصر من أحداث مأساوية دامية في يوليو 2013، تحرك الإخوان في حركة النهضة التونسية بحكمة وفطنة سياسية، وقاموا بإجراء مراجعات سريعة لحماية إنجازاتهم ورؤوسهم من القطاف، وقد ساهمت مرونة مواقف الحركة ووعي قياداتها بالأولويات وبفقه المآلات في الحفاظ على استمرار وجودهم في مشهد الحكم والسياسة.

وقبل ذلك بعشر سنوات أو يزيد كان نجاح الإسلاميين في تركيا، من خلال "حزب العدالة والتنمية"، والذي قامت قيادته الإسلامية ممثلة برئيسه رجب طيب
أردوغان بمراجعة واسعة لتجاربها السابقة في الصراع مع العسكر، وإجراء الكثير من التعديلات المطلوبة على مستوى الفكر والممارسة، وكانت هذه الوقفات سبباً في تصدرهم بعد ذلك لسدَّة الحكم بدون منازع، وبتألق مشهود لأكثر من أربعة عشر عاماً.
لم تكن حركة حماس بعيدة في حساباتها عما يجري حولها من متغيرات على مستوى الإقليم ودولة الجوار، فقدمت من طرفها ما ترى أنه تنازلات واقعية، وتحركات "جهد الاستطاعة"، لصالح تكييف علاقاتها مع الخريطة الجديدة للشرق الأوسط

للأسف ما تزال ساحتنا الفلسطينية على حالها من التشظي والانقسام، ولم تجد كل التحركات التي قامت بها حركة حماس من تغيير واقع الخصومة والخلاف مع حركة فتح والرئيس محمود عباس، ويبدو أننا بانتظار خطوة واسعة يتعلم فيها الجميع من "مبادرة الشيخ الغنوشي" لتحقيق مصالحة وطنية ومقاربة لا يجد معها الطرف الآخر إلا القبول والاستجابة حماية للوطن ومصالحه العليا، من خلال العمل يداً بيد، حيث يتقدم الوطن على التنظيم، ويتعزز التنظيم باجتماع شمل الوطن.

وأخيراً.. نرجو أن يدرك الجميع في ساحتنا الفلسطينية بأن الأوطان لا تبنى بالأوهام والحسابات الفردية أو التنظيمية، وقد تربينا وطنياً ودينياً على ثقافة "وللأوطان في دم كل حرٍّ يدٌ سلفت ودين مستحق".
نعم؛ حركة حماس هي حركة وطنية خرجت من رحم الإخوان المسلمين، وهي اليوم العنوان الأبرز لمقامتنا الفلسطينية في وجه الاحتلال، وهي الحركة التي أخذ الوطن الأولوية في حساباتها النضالية، وهي وإن كانت - تاريخياً - متجذرة بالفكر الإخواني، إلا أنها اليوم تحركها الأجندة الوطنية، ورؤيتها السياسية لا تبتعد في ملامحها وأهدافها عن ثوابت مشروعنا الوطني في التحرير والعودة.