الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

لو كان تمثال سلطان الأطرش نافورة مياه

نشر بتاريخ: 20/06/2016 ( آخر تحديث: 20/06/2016 الساعة: 13:27 )

الكاتب: أمين خير الدين

الشعوب تكرم زعماءها، وتخلّد ذكراهم بإقامة المتاحف لآثارهم، وإطلاق أسمائهم على الميادين والمكتبات، والمؤسسات العامة، وعلى الشوارع الرئيسية، وإقامة التماثيل لهم في مراكز المدن أو القرى، وفي الميادين والساحات العامّة، وعلى مفترقات الطرق الهامّة، تقيم لهم الصروح، وتكتب أسماءهم بماء العِزّة والكرامة، وأحيانا بماء الذهب، على الواجهات،وعلى الجسور والأبراج العالية، وتوظّف لذلك الميزانيات الكبيرة، وتستعين بأبرع المواهب الفنيّة، وبأشهر الفنانين من رسامين ونحاتين أو مصوّرين، ليخرج التمثال لوحة فنيّة تحكي مآثر هذا الزعيم، بما تتركه من انطباع لدى المشاهد، ولدى الأجيال من بعده. 
 
ونحن. بمبادرة ودعم السلطة المحليّة، وبمباركة السلطة العامّة، في الماضي والحاضر، نلاحق تمثال سلطان باشا الأطرش، كما لاحقه الاستعمار الفرنسي، ونفصِّل له التُّهم كما اتهمه الاستعمار والرجعيّة وأعوانهم.

مرة نتهمه أنه يُعرقل حركة السير، ويشكّل خطرا على المارّة.
ومرّة أخرى أنه يرفع سيفه ويُخيف من على رأسه بَطْحة ملتهبة.
وثالثة أن ذيل حصانه أعوج نحو اليسار فنحاول طيّه إلى اليمين.

ورابعا أنه عربي، والعربي لا مكان له في قرانا المُتهوِّدة لغة، وفكرا، وسياسة، وعنصريّة، مما يخلق انطباعا سلبيا لدى السائحين الأجانب الذين يهرعون على المنقوشة أو الفلافل أو الشوارما. 
 
وخامسا أنه بدوي، ولا مكان لبدوي جاهل في مجتمع متحضر جدا، جدا كمجتمعنا. 

وسادسا وسابعا... وعاشرا، ولائحة الاتهامات طويلة بطول الخطط الخمسية أو العشرية لتوسيع مسطّحات قرانا والتي لا نرى لها بداية أو نهاية، أو بطول طموحات المتزعّمين الذين يحلمون بالوصول إلى أعلى المناصب، وكأن وصولهم مشروط بنفي تمثال سلطان الأطرش كما نفاه الفرنسيون.
السلطة المحلية عندنا مصابة بجنون نوافير المياه.
واحدة في المخرج الشرقي للقرية.

وثانية في مرحلة التكوين على ملتقى شارعين.
وثالثة عند المدخل إلى "قصر الرئاسة". وحين لم يعد للقرية مخارج إلاّ إلى الحقول، وأغلبها قد صودرت بقدرة سمسار وغاصب. لم يجدوا لها مكانا إلا عند المدخل إلى "قصر الرئاسة"، عند موطئ حوافر حصان تمثال سلطان الأطرش.
اقتلعوا التمثال، للمرّة الثانية، ليبنوا مكانه نافورة مياه جديدة!!
لو كان نافورة مياه، لما اقتلعوه ليضعوا بدلا منها تمثالا لسلطان الطرش.
لو كان نافورة مياه لتدفقت به الألوان كما تتدفق في النافورة المياه، وأعادت إليه الحياة.
لو كان شجرة زيتون لجلسنا بظله، كما كنا نلوذ به، أيام الزمن الجميل، عندما كانت تشتعل الدنيا حولنا، لكنهم ركنوه في الظل، بلا ظلٌّ.
لو كان شجرة زيتون لرفعوها وسقوها، وعلّقوا عليها القناديل المضيئة بالأخضر والأحمر.
لكنه ليس نافورة مياه، وليس شجرة زيتون، ولا حتى شجرة بلّوط.
لذلك طاردوه ونفوه وحين لم يستطيعوا كسره، بدل أن يرفعوه، وضعوه في الظل، حتى لم يظهر منه سوى العلم الذي وضعوه في يده.
وكثيرون، وعلى كل الأصعدة، يقولون له: "زمانك راح، دوّر على غيري"
كأن تمثال سلطان الأطرش، أو أيّ تمثال لزعيم، موضع مقارنة بجمال نافورة مياه.
أو شجرة زينة.
لستُ، هنا، بحاجة لإعطاء أدلّة على مآثر سلطان الأطرش، لأننا طالما تغنينا بها في ساعات "الوسعة"، ولست بحاجة إلى سرد ما حققه من أمجاد لشعبه ولأمّته، وللأجيال من بعده.
لكني أجد نفسي مُرْغما لأن أقول: إننا كي نكون جديرين باحترام التاريخ لنا، واحترام أبنائنا لنا، كغيرنا من المجتمعات، علينا أن نعطي زعماءنا، سواء أُعْجِبنا بهم أو لم نُعْجَب، حقهم التاريخي والإنساني.
نافورة مياه، وكل نوافير المياه، لا تساوي وقفة بطولية من المواقف البطولية لزعيم بقامة سلطان الأطرش.
ومن العار علينا أن نقارنه أو نستبدله بنافورة مياه،
.سيكتب التاريخ عنّا مثل هذا العيب.
إننا نخجل من التاريخ حين نستبدل تمثال زعيم كبير بنافورة مياه، حتى وإن كان بها بعض الجمال، أو حتى بعض المنفعة.