الإثنين: 13/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا لَم يَدقَّ أبو الخَيزران، جدارَ الخَزان ؟

نشر بتاريخ: 12/07/2016 ( آخر تحديث: 12/07/2016 الساعة: 11:20 )

الكاتب: مهند ذويب

تَعمَّدتُ في الأول من تَمّوز أن أدقّ جدران القَبر السّائر، الذي نرقُدُ فيه منذ مُدّة، أرسَلتُ بلهفة رسالةً موجَزة، للحَيّ الذي يحرضُ القيامة والعظامَ الرّميم على العودة المُقدسة والثورة الحُبلى، لغسان قُلتُ: في الذكرى الرّابعة والأربعين لرحيلكْ برقوقُ نيسان مَاتَ عطشَاً في الشّمس، ودّعه البُرتقالُ الحَزين، ليلى الحايك لَم تُقتل يا صَديقي، مَن قتلت هي أمّ سَعد عندما حاوَلت العودة الى حيفا، لَم يتبقَّ لنا شيء، لا تسأل عَن الرّجال ولا عَن البَنادق، كُلُّ الأسرة ماتَت، إلا السَّرير رَقم 12، وقَصدتُ بهذه الرّسالة الموجزة، أن أستَنهضَ كُل مثقف تَاهَ به الزمان ولم يدرك كُلّ أو أيّ شيء عن غسانْ، أو أدركْ، أعرفُ تماماً أن الذّكرى هي الثّامن من تَموز، يا رأفت صَوايفة، ولكن ما أردتُه هو أن تَشك فيك، أنتَ وغيركَ ومثلك، وأن تفتَح البحث ولو لدقائق لتقرأ عَن غسانْ لعلكَ تلقفُ معلومة جَديدة قَديمة، وتَفرح بها وتضمها لقلبك، وتَشتم رائحة البارودُ فيها، فأكتافُ الرجال خلقت للبَنادق، والعَلم الوَطني كَفنُ غسّان الأول، وبعثه السّرمدي.

بعد هذه المُقدمة المُملة، التي أفرغتُ فيها حَماقاتي الكَثيرة، تذكرتُ أنني كُنت أفكر فيما أرادَه غَسان من رواية رجال في الشّمس، أعلمُ جيداً التّحليل الأدبي والسياسي والواقعي والنّقدي الذي جادَت به الأجيال، ولكن، ألم تَكن النّهاية ظالمة .؟ " لماذا لَم يدّقوا جُدرانَ الخَزان .؟ " بهذه الكَلمات ختم غسان روايته، لكنه فتحَ في قلبي ألفَ باب، وألفَ سؤال واستجواب، لماذا ألقى وزرَ موتهم عَن كَتفي أبي الخيزران، كما ألقيت الجثث عَن ظهر الخَزان، لماذا على الضّعيف أن يَموت بلا أيّ شُعور، أدركُ أنَّ للحرية الحَمراء باب يُدق، وأدركُ أن للموت اشتهاءات، ولكنّ الصورة تأبى أن تفارقَ قلبي، فقد أثبتَ الفلسطيني أنه لم ولَن يقتلَ اليَد التي مُدت اليه، وفضل أن يموتَ قبل أن يفعل هذا، فأبو الخيزران هو الأنظمة العربية شئنا أم أبينا، وهو المُتاجرة بالقضيّة، وهو الذي تَنصّل من أي شعور بالذنبْ، وألقى الوزر عَن قلبه، هو القَويّ في تلكَ اللحظة، هو المالكُ للأمور، المُجرّب للمَوت المُحقق، هو يدركُ تماماً ما سَوفَ يحصل، أراهن أن تَفكيره ماجَ به، فبينَ إعترافه وإنقاذ الرّجال، في مُقابل خسارته لعمله أو امتيازاته على الحُدود، وما بينَ نفسه وموتهم، ضاعَت قضيّة وهويّة، وازهقت أرواحٌ تحلُم بشتلة زَيتون، وقُبلة مُزهرة .

الآن، على الجَميع أن يعي الخطأ، أتقدم خطوتين إلى قَبر غَسان، أقولُ فهما ما عَنيت، وأمسحُ بقلمي آخرَ جملة مُشوهة المَعالم، في كُل قراطيس الأرض، وأصرخ في وجه العالم: " لماذا لَم يدقَّ أبو الخيزران، جدارَ الخزان .؟ "