الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

فضائية معاً تعرض أربع عشرة تجربة لمبدعين يستحقون الاحتفاء

نشر بتاريخ: 25/09/2016 ( آخر تحديث: 25/09/2016 الساعة: 11:45 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

اتاحت لي استضافة أربعة عشر كاتباً في أربع عشرة حلقة تلفزيونية قدمتها حتى الآن في برنامج "عاشق من فلسطين" الذي تنتجه وتبثه فضائية معاً، أن أعرض تجارب ثقافية وإبداعية تستحق التعميم، حتى يتسنى للجيل الشاب ، تعلَم أن طريق الانجاز ليس مفروشاً بالورد، بقدر ما يتطلب النجاح عملاً دؤوباً مخلصاً وسلسلة من الاختبارات مع الذات أولاً ومع الآخرين ثانياً ومع كل تفاصيل الظروف الموضوعية ثالثاً، فتجربة الدكتور أحمد رفيق عوض، الكاتب والروائي والأكاديمي، كانت متعددة الأبعاد، وكل بعد فيها غذى البعد الآخر وعمقه، لتكون النتيجة مجموعة من الأعمال الروائية والبحثية، التي لاقت اهتماماً خاصاً لا على مستوى الوطن فحسب بل والعالم. وعوض هو أبن لأسرة فلاحية كدحت وكدت في بلدة يعبد، لكن طموح أحمد الطفل والشاب والرجل الناضج، كان أوسع من بلدة أو من مدينة أو محافظة أو منطقة.

أما أسماء أبو عياش اليافاوية التي لم تولد في يافا، لكن ما انفكت المدينة الساحلية الجميلة تسكن في خيالها وعقلها ووجدانها، تعيش قصصها من خلال ما يروى الكبار، لتكتب عنها نصها المفتوح"يافا أم الغريب"، وتستحق على ما انتجت جائزة معنوية رفيعة. في تجربة أسماء، شممنا رائحة البحر وعبق الأسواق القديمة، واستمعنا سوية ً إلى آذان رفع قبل العام 48، وما زال صداه يتردد خمس مرات كل يوم.
وفي الحلقة الثالثة، تتبعنا خط سير فهد أبو الحاج الأمي الذي "فك الخط" خلف قضبان الأسر، لتدهشنا أول رسالة كتبها بقلمه وأول مقالة قدمها لهيئة تحرير مجلة أصدرها الأسرى، وصولاً إلى تحرره وتأسيسه مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس.

التحق الكاتب والباحث جهاد صالح بالعمل الفدائي وهو في ريعان الشباب، وزاوج بين القلم والبندقية، قبل أن يتفرغ للعمل الكتابي البحثي ويتصدى لمهمات توثيقية تأريخية موسوعية، وصالح الذي ولدته أمه في العراء يوم النكبة، بيد أن ولادة الطفل المشرد كأمه وأبيه كانت مثابة ولادة فدائي وباحث انبرى قلمه لمهمات موسوعية شديدة الأهمية.

عشر سنوات امضتها الكاتبة عائشة عودة في الأسر، صقلت شخصيتها وكشفت عن معدن إنساني صلب وأصيل.
لم تنكسر في الأسر وإنما تزودت بما ينبغي من إرادة وحسٍ مرهف وانتجت بعد تحررها نصوصاً اتسمت بالعمق وقدرة فائقة على التعامل مع التفاصيل الصغيرة. نصوص عائشة حينما تقترب منها أو تلامسها تتسرب إلى أنفكرائحة مزيج من عرق ودم.
سوق عكاظ"استلهمه جميل الدويك من التراث الثقافي الإبداعي العربي، وقدمه بحلةٍ جديدة تستجيب للمرحلة العمرية الخاصة بطلبة المدارس، ومضى به أكثر من أربعة وثلاثين عاماً، كان الإصدار قاسمها المشترك بل عمودها الفقري، ومسابقة سوق عكاظ التي يشرف عليها تعد أطول مسابقة طلابية على مستوى الوطن العربي.

في المخيم ولد الروائي صالح أبو لبن، وفي المخيم ارتجف برداً في ليالي الشتاء، وفيه حُقَن في العضل والدماغ بوطنية، تطورت وتعمدت في معتقل عسقلان، وعندما تحرر طاوياً خمسة عشر عاماً، ظل وفياً للمخيم كمكان وزمان وقضية، فخرج عمله الروائي الأول مفجوعاً بمأساة المخيم محمولاً على كفي أمل لاجيء ظلت ذاكرته متقدة لا تنسى أبداً.
وإذا كان أبو لبن قد ولدت وطنيته في مخيم الدهيشة، فإن مخيم بلاطة كان شاهداً أميناً على ولادة وطنية الشاعر الدكتور معين جبر، الذي يمتاز إلى جانب صوته الجميل في الغناء بشاعريته الأجمل، وخلال استضافته في البرنامج قدم د.جبر وصفاً دقيقاً لدور الجامعات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في حمل لواء الثقافة والإبداع، مستنداً إلى تجربته المباشرة في مجالس الطلبة في تلك الفترة.

ذكريات الكبار شكلت روافد الكاتبة " أبو عياش" عن يافا، بينما الإعلامي الدكتور وليد العمري حينما تحدث عن حيفا، فإنه استدعى تجربة شخصيةفي فترة الدراسة، وعندما وصف شوارعها وأسواقها والمتغيرات التي طرأت عليها، وصفها بعين الشاب الذي سكن حيفا وسكنته.
ولم تكن حيفا هي المدينة الوحدية التي كتبت بقلمها في وعي العمري، لأن هناك ثلاث مدن أخرى أخرجت أقلامها وكتبت صفحات مهمة في ذاكرة ووعي إعلامي فلسطيني يشار إليه بالبنان هي:- القدس والبيرة ورام الله، وما كان لـ"وليد" أن يبدع إعلاميا ًوثقافياً بمعزل عن المدن الأربع وقبل ذلك قريته "صندلة".

الإعلامي د.ناصر اللحام يرى أن النجومية التي يعيش هي عابرة، إذا لم تتخللها انجازات ومنافع للناس، فقرر منذ ثلاثين عاماً، أن يقدّم النافع والمفيد، بقلمه وصورته وقراءته وتحليله وحركة جسده، لتنتج نجوميته معرفة واستنهاضاً، والدليل أن هناك اعداداً كبيرة من الناس تتسمر أمام التلفاز لتشاهده وتستمع إليه. أسلوب اللحام في التقديم يؤكد أن لكل "شيخ" طريقته،لاسيما وأن شيوخاًيتحدثون كثيراً، ولا يعلمون، يقابلهم شيوخ يعرفون تماماً كيف يدخلون أبواب الوعي بما يقدمون ويجتهدون، وناصر خبير في كيفية العبور السلس إلى الناس من أبوابهم التي لا تنفتح سوى بمفاتيح العقل والمنطق.

هل اعتقال الأب ثلاثين عاماً قد صاغ الظروف التي كوّنت موهبة الشاعرة الدكتورة مليحة مسلماني أم أن الذاتي في التجربة شرب مرارة الموضوعي فشق طريقه نحو الشعر والإبداع؟!
نعم فعلت العلاقة الجدلية بين الذاتي والموضوعي فعلها، أما المحصلة،فشاعرة ومثقفة، نجحت في ديوانها الأخير" عنقاء ممكن" في توظيف التراث الديني الصوفيوالفلسفيووضعه في قالب حداثي يلائم طموح قصيدة تشرئب بعنقها تتفحص السماء بعينين من شعر.

هدوء عيسى قراقع العميق وبساطته النافذة في العمق، جسره الثابت الذي لا يعرف الاهتزازات.
كان هادئاً في طفولته في المخيم، كما كان هادئاً في شبابه في الجامعة وفي المعتقل ايضاً، ويتعامل الآن في هيئة شؤون الأسرى والمحررين مع قضايا ساخنة بالهدوء العميق ذاته، يتابع ويكتب ويبدع ويتصدى للمستجدات، دون أن ينتقص من حصة الإداري أو يهمل حصة الإبداع، فكيف يجمع إذن بين هذه الجوانب هادئاً وهو يجلس على كومة من جمر؟ سؤال لا يعرف الاجابة عنه سوى من يستطيعون الامساك بعنفوان غارق في الهدوء.

لا أحد يستطيع معرفة أي أثر ثقافي وإبداعي وصحفي تركه الشاعر والروائي د.أسعد الأسعد، إلا إذا راجع بموضوعية أعداد مجلة الكاتب، التي أسسها وأشرف عليها ، وسيحد المؤرخ أو المتابع أن مجلة شقت طريقها في مرحلة الانشداد الحزبي، قد فتحتأبوابها لكل المشارب الفكرية والثقافية، لتغدو منبراً ثقافياً فلسطينياً مهماً. بين الحزبي والشاعر والروائي والسفير، أبحر الأسعد،إلا أن قاربه لم يغرق في بحر مضطرب، لأن بوصلته ثقافة وطنية وإبداع.

كانت الحلقة الرابعة عشرة مساحة زمنية لتوثيق تجربة الدكتور طلال أبو عفيفة، الذي ولد في القدس العتيقة وتعلم المشي والكلام بين أزقتها، قبل أن تنتقل أسرته وتستقر في مخيم شعفاط.

وظلت القدس الأكثر حضوراً في وعيه وتكوينه، لذلك أطلق منذ سنوات "جائزة القدس للإبداع"، التي يتابعها سنوياً من الألف إلى الياء، فيكرم من انتجوا وأبدعوا للقدس ومن أجلها، وكأنه يكرَم المدينة المقدسة بحواريها وشوارعها وأزقتها وأسواقها المسقوفة وأسواقها المكشوفة الشاخصة إلى السماء، تبتهل وتتمنى أن يتسنى لها يوماً معانقة كل محبيها، تغمرهم بالأمن والسكينة و السلام.

أصوات البوح ما زالت تتردد في أذني وتخاطب عقلي ووجداني، لأنه بوح تجارب حيَة، مستمرة في عطائها، لعلي أنجح في الأسابيع المقبلة في توثيق مزيد من التجارب في قاعة المربية هيام ناصر الدين في العصرية الجامعية، المكان الذي أطلق فيه اسئلتي واستقبل اجابات ضيوفي.