الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الارشيف الفلسطيني ... قصة شعب

نشر بتاريخ: 24/10/2016 ( آخر تحديث: 24/10/2016 الساعة: 16:04 )

الكاتب: رولا شهوان

استضافت الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون الفلسطينية ثلاثة من مخرجي الافلام الالمان ( مونيكا مور ، مايك شومخر ، روبرت غريك ) الذين ساهموا في حفظ الارشيف الفلسطيني من الضياع، من خلال جمع المواد وترميها لاتاحتها للاجيال القادمة وحماية هذا الارث الانساني من الضياع والتلف ، هذا الارث هو ذاكرة الشعب الفلسطيني في ستينات وسبعينات وثمانينيات القرن الماضي والذي شكل نموذجاً يحتذى به كحركة تحرر وطني ، تجذب المتضامين من كافة انحاء العالم للانضمام لصفوفها والتضامن مع هذا الشعب الذي شرد وشتت الى بقاع الارض .

ما الذي دفع السيدة مونيكا مور وهي المانية الجنسية ، وابنة طبيب الماني كان عميداً لاحدى اكبر كليات الطب في المانيا ، لتنحاز الى القضية الفلسطينية انذاك وتظهر اصطفافها العلني الى جانب هذا الشعب المضطهد، وتقرر ان لا تقف على الحياد ، وان تنحاز الى المظلومين والمضطهدين في العالم ، وان تترك دراسة الطب التي درستها لمدة خمس سنوات لتعمل في مجال الاخراج السينمائي بناء على طلب الشهيد ياسر عرفات الذي" داعبها قائلا لدينا اطباء كثر لا نحتاج اطباء ، نحتاج لسينمائيين " ، فتقرر ترك الطب والعمل في السينما ولتخرج ثماني افلام عن حركة التحرر الوطني من السيتنات وحتى ثماينات القرن الماضي، ولتوثق معظم التطورات التي مرت بها القضية الفلسطينية في تلك الحقبة من الزمن .

وما الذي دفع السيد مايك شومخر وهو ايضاً الماني الجنسية ليقبل هدية من سيدة لا يعرفها جاءت الى المانيا هرباُ من لبنان لتقدم له مجموعة من الارشيف والمواد المسجلة عن مخيم شاتيلا، والتي قام السيد يوسف نفاع الذي يملك محل فيديو لتصوير حفلات الزفاف في المخيم بتصويها وتوثيق الحياة اليومية في مخيم شاتيلا الذي كان يتعرض للتدمير نتيحة الحرب الاهلية في لبنان بين سنتين 1985- 1987، ممكنة اياه في النهاية من انتاج فيلم " شاتيلا الطريق الى فلسطين "، حيث اجرى مئات العروض في المانيا وخارجها للتعريف بالقضية الفلسطينية، في وقت كان مجرد اعلان اي شخص عن دعمه للقضية الفلسطينية ومناصرته لها يعرضه للمساءلة. كذلك السيد روبرت كريغ الذي قدم الى فلسطين في الانتفاضة الاولى وعاش في بلدة بيت ساحور ليعكس معاناة وانتفاضة شعب ضد الاحتلال .

الاجابة على هذه التساؤلات كانت في محاضرة السيدة مونيكا مور في الجامعة العربية الامريكية والتي اكدت فيها على تميز الفلسطينين ونشاطهم على المستوى الدولي وقدرتهم على استقطاب المناصرين لعدالة قضيتهم ، واثناء عرضها لفيلمها " لماذا" في مركز خليل السكاكيني ، واستعراضها عدداً من الصور واللقطات الارشيفية التي عكست تطوراً رهيباً في البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية أنذاك ، فإحدى اللقطات كانت لمصنع للاطراف الصناعية في صيدا والذي كان يدار من قبل المقاتلين الذي فقدوا اطرافهم اثناء نضالهم ضد الاحتلال الاسرائيلي، وايضا اظهرت اللقطات النظام الصحي المتطور الذي كان يقتني احدث التجهيزات والمعدات التي كانت تضاهي ما هو موجود في العديد من الدول العربية في تلك الحقبة . والرعاية الصحية التي كانت تقدم للفلسطنيين وغير الفلسطينيين ممن هم بحاجة لها ترتقي الى مستوى عالى من الرقي والمهنية .

احدى اللقطات التي اثارت اعجابي هي لقطة لعرس مقاتل فلسطيني في احدى الساحات العامة ، حيث تجمع الرجال والنساء والاطفال والشباب ليحتفلوا معاً ، بعيداً عن اية تعقيدات اجتماعية ، وببساطة وفرح تسطع من وجوه المشاركين ، متمسكين بكل ما هو فلسطيني ويعكس الهوية الفلسطينة سواء كان باللباس او بالاغاني والاهازيج الفلسطينية ، كانت الحياة بالرغم من كل تعقيداتها الا انها كانت نقية وتعكس نضوج وتماسك اجتماعي وسمو نفتقده في زمننا هذا .

مع مرور الوقت ادرك تماماً اهمية عملي في الارشيف ، واهمية دور المؤسسات الرسمية في الحفاظ على هذه الذاكرة الحية التي تشكل تاريخاً غنياً لشعب سعى دائماً خلال فترات نضالة الى تثبيت هويته السياسية والثقافية، واتفهم تماماً تسابق المؤسسات والأشخاص الى تأسيس الأرشيف والمنافسة على حفظة وامتلاكة ،لانني وعلى المستوى الشخصي وكلما تعمقت في هذا الارث التاريخي اشعر بالحنين والاعجاب بمرحلة كانت كرامة وهوية الفلسطيني فوق كل اعتبار، وكانت قضيته مثار اعجاب وجذب لكل احرار العالم ، وادرك تماماً حاجتنا في الوقت الراهن لاستنهاض مقومات وعناصر هويتنا الثقافية التي هي جزء لا يتجزء من نضال الشعب الفلسطيني السياسي والتحرري. هذ الهوية التي تتعرض للتهديد المستمر من قبل الاحتلال الاسرائيلي ومن قبل المتشددين والمتطرفين الذين يسعون لفرض ثقافة عدمية مغلقة بعيدة عن مجتمعنا الذي اصبح مشرذماً ومتلقياً لثقافات مختلفة ومتبنيا لها ، وفي ظل غياب رواية وطنية شاملة تشكل نموذجاُ وطنياً جاذباُ للاجيال الصاعدة ، تنبع اهمية اتاحة هذا الارشيف وتعريف الأجيال المعاصرة به ، ولتأكيد ان الهوية الفلسطينية الحالية ما هي الا حالة تراكمية بنائية ولم تكن ابداً وليدة لحظة او مرحلة معينة .