الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بين أوباما وترمب

نشر بتاريخ: 11/11/2016 ( آخر تحديث: 11/11/2016 الساعة: 15:16 )

الكاتب: ميساء جيوسي

قفزت بجنون في وسط Time square في مدينة نيويورك عندما تزامن وجودي هناك مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المنصرمة في العام 2008 والتي اعتلى بها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته الثانية باراك أوباما سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية. جاء انتخابه بعد ثمان سنوات أنهك بها جورج الابن العالم بمغامرات الكاوبوي الأمريكي في أفغانستان ومن بعدها العراق واللتان لا تزالان تجولان في وحل من الدماء والفوضى لا أفق له.

أذكر يومها بأن الحضور هاج وماج عندما اعتلى ذاك الرجل الأسود المنصة عبر شاشات عملاقة ثبتت في أرجاء المكان متفوها ببعض الكلمات التي تعبر عن فرحه للنتيجة ويشكر بها كل من سانده. بهرنا جميعا وبهرتنا "ديمقراطية" أمريكا حينما وصل رئيس أسود لأعلى منصب في دولة لازالت إلى يومنا هذا تميز عنصريا ضد السود (والدليل هو التوترات المتتابعة في الآونة الأخيرة بين قوات الأمن والمواطنين الأمريكيين السود في ولايات مختلفة).

لقد فرحت أنا على المستوى الشخصي كوني فلسطينية أحلم مع كل نتائج انتخابات كغيري من الفلسطينيين بأن قد يعتلي الحكم في أمريكا شخص يمتلك الحد الأدنى من الضمير والمسؤولية التي تمكنه من قول كلمة حق بالشأن الفلسطيني وأن ينصف شعبا قارب عمر قضيته من المئة عام، مذ قطع الاستعمار وعدا لمنح اليهود وطنا قوميا على ارض فلسطين المحتلة. تأملنا كثيرا بأن رئيساً أسودا من أصول كينية سيجعل العالم في فترة رئاسته مكانا أفضل، أكثر عدلا، اقل تمييزا، اقل دموية. قد يكون لأصوله ولونه وعرقه سببا بأن ينظر للعالم بعيون مختلفة أقرب إلى المعذبين في الأرض.

بدأ الرئيس أوباما فترة رئاسته الأولى بوعد قطعه على أن يغلق سجن غوانتانامو، السجن سيئ السيط، السجن الذي لا نعرف عنه سوى أسمه وبعض الصور المسربة لمساجين يجوبون ساحاته مرتدين ثيابا برتقالية اللون من أعلى رؤوسهم لأخمص قدميهم، المكان التي ترتع به "ديمقراطية أمريكا" كما تشاء بلا حسيب أو رقيب ومن ثم تتبجح على أنظمة العالم وتزاود عليها بأساليب الديمقراطية وحقوق الإنسان. مرت فترة رئاسته الأولى، والثانية وانتهتا ولم يقدر أو لم يعمل أوباما أساسا على الوفاء بعهده الأول الذي قطعه للعالم.

تأملنا خيرا عندما اعتلى أوباما المنصة في جامعة القاهرة في حزيران من العام 2009وبهر العالم العربي بجرأة خطابه وتعاطفه بشكل صارخ مع قضايا العالم العربي والإسلامي الجوهرية، يومها صنفها إلى ست قضايا أهمها قضايا التطرف، والوضع بين الاسرائيلين والفلسطينيين على حد تعبيره، ومن ثم الأسلحة النووية، ورابعا قضية الديمقراطية ثم الحرية الدينية وختم بقضايا المرأة والتنمية.وعد في خطابه بأن "سنتصدى لمتطرفي العنف الذين يشكلون تهديدا جسيما لأمننا، والسبب هو أننا نرفض ما يرفضه أهل كافة المعتقدات: قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال" واليوم أشلاء أطفال سوريا واليمن والعراق وليبيا و فلسطين وغيرها من أطفال العالم هي أفضل إثبات على وفائه بعهده.

وفي الخطاب ذاته وعد الفلسطينيين بالعمل الجدي على الوصول الى تسوية كما فعل أقرانه من قبله، ولم يحرك ساكنا في ما يتعلق بحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف. تبجح يومها بحاجة العرب "للديمقراطية" ووعد بدعم كل من يسعى لها، والتهب العالم العربي بفوضى عمت وقف هو وإدارته عاجزين عن فهمها أو حتى التعاطي مع تبعاتها قبل، خلال وبعد حدوثها. تحدث عن السلاح النووي وأشاح النظر عن انتهاكات إسرائيل في هذا الملف وهي تمتلك سلاحا نوويا في قلب منطقة ملتهبة متوترة.

جاء اوباما والعالم مكان يعج بالفوضى وكثير من الدماء وليس من العدل بحق الرجل أن نحمله وزر ما ليس له به شأن. لكن الأدهى أن أوباما يرحل اليوم ويسلم قيادة الدولة العظمى لدونالد ترمب والعالم أكثر دموية يعج بالحروب والويلات شرقا وغربا شمالا وجنوبا. لا أعتقد أنني أجحف بحق الرجل أن قلت انه انجازاته على صعيد التعاون مع العالم العربي والإسلامي وقضايا المنطقة استنادا لما قاله في 2009 تساوي صفر. على العكس كان لسلبية إدارته في كثير من القضايا المفصلية وخاصة في فترة "الربيع العربي" أثار سيئة جدا على المنطقة العربية.

اليوم يعتلي دونالد ترمب سدة الحكم فيمتعض الكثيرون ويبكي البعض في أمريكا ويهرولون للشوارع صارخين معترضين، ويتندرون بما سيكون عليه حال الدولة العظمى. لكني في هذا السياق أشدد على حقيقة أنه لا يهم من يجلس في المكتب البيضاوي، أمريكا تبقى أمريكا لها مصالح، أجندات، سياسات خارجية وداخلية لا تتغير بغض النظر عن من يحلف القسم الرئاسي في أمريكا. والقارئ في الشأن الأمريكي يدرك بأن هناك نظام " الضوابط والكوابح" في هذا النظام تمنع أي رئيس أيا كان ميوله أو جموحه نحو توجه معين أن يتريث ويسير حسبما يستدعي هذا النظام. لا تحزنوا كثيرا لانتخاب ترمب، فقد خاب أمل من فرح لوجود اوباما. سننتظر ونرى إن كان لهذا الثري المدلل القدرة على رؤية قضايا العالم من منظور متوازن لا يتماشى وتصريحاته النارية العنصرية في كثير من أحاديثه في حملته الانتخابية. سنرى إن كان رجل الأعمال هذا سيجلب شيئا هيلووديا للعالم من وحي عروض التلفاز خاصته.

اختم بالقول أن وصول دونالد ترمب للحكم لا يعدو كونه جزءا من أزمة نخبة تعاني منها أمريكا كما يعاني منها العالم بأسره، فلسبب لا أحيط به علما أقول بأن العالم يعاني أزمة قيادات فنرى تخبطا في سدة الحكم ليس في أمريكا فحسب لكن في كثير من بقاع العالم. وداعا أوباما وأهلا بمغامرات ترمب في عالم يتأرجح على حافة الأنفجار.